كوردستان العراق وتجربة قطر

كوردستان العراق وتجربة قطر

منذ سنوات وساسة بارزون في إقليم كوردستان العراق وعلى رأسهم السيد “مسعود البارزاني” يعملون من خلال قنوات سياسية مختلفة، على تهيئة الأجواء لحل القضية الكوردية بما يتماشى وتطلعات الشعب الكوردي بالإستقلال عن الدولة المركزية من خلال إستفتاء عام في الإقليم. والحديث عن الإستفتاء هذا والذي جاء على لسان مختلف المسؤولين في الإقليم لا يعتبر مروقا لا عن الوطنية ولا عن الديموقراطية، فالإستفتاء ومعه الإقتراع العام يعتبران من الوسائل السلمية لإعلان حق تقرير أي شعب لمصيره وفق القوانين الدولية.

لقد أكّدت الجمعية العامّة للأمم المتحدة في قرارها المرقم 637 الصادر في كانون أوّل سنة 1952 على أنّ “رغبات الشعوب تؤكد من خلال الإقتراع العام أو أية وسائل ديموقراطية أخرى ومعترف بها، ويفضّل أن تمارس تحت إشراف الأمم المتحدة”. وقد كررت لجنة حقوق الإنسان التابعة للمنظمة الدولية النص نفسه في باب “حق الشعوب في تقرير مصيرها” في الفقرة الثانية من المادة الأولى والمادة الثامنة والأربعين.

نتيجة للتطورات السياسية التي حصلت بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وإنتهاء الحرب الباردة، ظهرت بدفع من قوى دولية إنقسامات في بعض البلدان. وقد صاحبت تلك الإنقسامات مجازر بشعة بين المكونات العرقية والدينية فيها كما في يوغسلافيا السابقة على سبيل المثال. ونتيجة للتطورات القانونية الدولية حصلت المكونات على حق تقرير مصيرها وإنفصالها عن الكيان الأم، ولم يكن حق تقرير المصير هذا أي الإستقلال بعيدا عن تلك القوانين من جهة و عن الدعم السياسي لبلدان معينة من جهة أخرى.

أن الشعب الكوردي المقسّم عمليا بين أربع بلدان رئيسية له الحق بصفته أكبر قومية دون وطن أن يقرر مصيره بنفسه وقد منحه القانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان هذا الحق المشروع، علاوة على نضاله الطويل لنيل حقوقه والتي تطورت مع تطور الأوضاع الجيوسياسية بالمنطقة والعالم ، خصوصا وأنّه عاش ويعيش في ظل أنظمة دكتاتورية إعتمدت وتعتمد سياسة التمييز بين مواطنيها على أساس العرق والدين والطائفة.

كان من الضروري تقديم المقدمة المختصرة أعلاه لتأكيد أحقّية الشعب الكوردي بحقه في تقرير مصيره من خلال لجوءه الى مختلف الوسائل ومنها الإستفتاء، الذي رفعت شعاره سلطات الأقليم مرّات عدة خلال السنوات القليلة الماضية. خصوصا في ظل الخلافات العميقة بين الإقليم والمركز حول تفسير الدستور وتوزيع الثروات والمناطق المتنازع عليها والبيشمركه وغيرها، من تلك التي إستجدّت بعد تحرير العديد من المناطق التي كانت تحت سلطة تنظيم داعش الإرهابي.

أنّ ما جرى خلال الأيام الماضية من أحداث في الخليج وقطع بلدان عدّة علاقاتها مع قطر، جعل إنفصال الإقليم عن العراق من خلال إستفتاء أو غيره أمام تساؤل بحاجة الى أجوبة عدّة. خصوصا وأنّ الدول ذات العلاقة إتخذت قرارات عديدة ضد قطر والذي يهمنا منها وفي ما يتعلق بإعلان الدولة الكوردية من العراق، هو غلق هذه البلدان لأجوائها أمام حركة الملاحة الجوية القطرية. كون الدولة الكوردية المستقبلية ستكون محصورة بين بلدان لازالت القضية الكوردية فيها مشكلة قائمة دون حل، نتيجة غياب الديموقراطية فيها كوسيلة للحكم.

لكي نعرف حجم مشكلة الملاحة الجوية التي ستعاني منها الدولة الكوردية المستقبلية وسط محيطها العدائي، علينا مراجعة قوانين الملاحة الجوية ذات الصلة والتي سنتعرف من خلالها على صعوبة الملاحة المدنية إذا ما أغلقت البلدان المحيطة بكوردستان أجوائها أمامها. فقد نصّت المادّة السادسة من إتفاقية شيكاغو للعام 1944 على أنّ لكل الدول الموقعة عليها السيادة الكاملة على مجالها الجوي، بحيث “لا يجوز لأي خط جوي دولي منتظم أن يطير فوق إقليم دولة متعاقدة (…) إلا إذا كان يحمل إذنا خاصا أو ترخيصا من قبل تلك الدولة”. فيما أكّدت المادة التاسعة من نفس الإتفاقية على أنّ “من حق الدولة أن تمنع الطيران بمجالها الجوي لظروف استثنائية “أو أثناء أزمة أو لأسباب تتعلق بالأمن العام”، وذلك بشرط عدم التمييز بين الجنسيات”. والأهم من ذلك كله هو ما جاء في المادة 35 والتي تنص على “عدم جواز نقل ذخائر حربية في طائرة ملاحة دولية من دون ترخيص، ومن حق الدولة أن تمنع ذلك”.

أنّ عدم حل القضية الكوردية حلا ديموقراطيا عادلا في البلدان التي إنقسم الشعب الكوردي بينها، يجعل عملية إنفصال إقليم كوردستان عن العراق أمر غير عملي في المدى المنظور. وهذا الأمر إنتبه إليه “السيد جلال الطالباني” حينما صرّح في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية في الثامن من نيسان 2006 قائلا “بأن فكرة انفصال أكراد العراق عن جمهورية العراق أمر غير وارد وغير عملي، لكون أكراد العراق محاطين بدول ذات أقليات كردية لم تحسم فيها القضية الكردية بعد، وإذا ما قررت هذه الدول غلق حدودها فإن ذلك الإجراء يكون كفيلا بإسقاط الكيان المنفصل من العراق”.

أن قيام نظام ديموقراطي علماني حقيقي في بغداد “كبداية” هو كفيل بحل جميع المشاكل المتراكمة التي عانى منها الشعب الكوردي طيلة عقود. وقيام هذا النظام في ظل ظروف العراق اليوم بحاجة ماسّة الى أن تأخذ القيادات الكوردية جملة من المواقف السياسية ، كي تفسح المجال للوصول الى هذا النظام بهدوء وبشكل سلس. وأهم هذه المواقف هو العمل على منح القوى الديموقراطية والمدنية فرصة للعب دور أكبر في الحياة السياسية، خصوصا بعد فشل نموذج الإسلام السياسي الذي تحالف معه الكورد بداية في تلبية حاجات شعبنا ووطننا ومنها حاجات الشعب الكوردي والإقليم. وهذا يأتي بإستخدام الكورد لثقلهم ومعهم نسبة لا بأس بها من أعضاء البرلمان العراقي في سن قانون إنتخابي عادل ومنصف يكون فيه العراق دائرة إنتخابية واحدة، مع تغيير قوام المفوضية “المستقلة ” للإنتخابات. فالدائرة الإنتخابية الواحدة هي في صالح القوى الديموقراطية صديقة الشعب الكوردي وصاحبة المصلحة الحقيقية في بناء دولة المواطنة والتي يكون الكوردي فيها مواطن من الدرجة الاولى كما بقية ابناء شعبنا، كما وأنها في مصلحة الأحزاب والقوائم الكوردية لأنتشار الكورد في محافظات العراق المختلفة ما يحول دون ضياع أصواتهم.

على القيادات الكوردية أن تتعلم كثيرا من الدرس القطري، وأن تنظم ورش لدراسة الحالة القطرية دراسة علمية بعيدة عن العواطف والوعود الخارجية. وسيبقى بناء أنظمة ديموقراطية حقيقية في البلدان التي تتقاسم أراض كوردستان نصر للشعب الكوردي، وبوابّة لإنفصال هاديء وحضاري حين توفر الظروف الموضوعية والذاتية لذلك.

زكي رضا
الدنمارك
6/6/2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here