لكي لا تمتزج الدماء بالمرطبات

غالباً ما نتحدث عن إعادة التاريخ لنفسه، وكأن الحديث عن دورة، محصورة في اوقات المآسي والنكبات، وننسى أن لكل فرحة ونصر ضريبة، وها هي التفجيرات تضرب بغداد والكرادة تحدياً، مع قناعتنا أن عدونا يستهدف  المناسبات وكل ما يمكن أن يجتمع الناس فيه على وئام، مع القناعة بالواقع وتخمين الوقائع؛ إلاّ  ان ما يحدث من خروقات لا تدلل على وجود إجراءات إحترازية وخطط استباقية، لمنع أختلاط الدماء بالآيس كريم.
يخطف الإرهاب سنوياً عشرات الشهداء، وغزوات رمضان تبحث عن ثغرات أمنية وتراخٍ، وردّة فعل لنصر تحققه القوات العسكرية.
 يتكرر المشهد سنوياً، ويخطف الإرهاب مجموعة من الشباب من أمام محال التبضع والمرطبات، ومع إقتراب  الذكرى السنوية  لفاجعة الكرادة عام 2016م، التي راح ضحيتها مئات الشباب، وإنفجار ثانٍ ينهي حياة الواقفين لشهور أمام دائرة التقاعد؛ للبحث عن راتب يسد رمق ما تبقى من عمرهم، وهم يُذلون على شبابيك الموظفين، ويتعرضون لشتى سبل الإستهزاء، وعدم الأكتراث بالكرامة والعمر والخدمة للوطن.
مُنْ يعرف واقع العراق يتوقع حدوث التفجيرات، ولكن ماذا يقول لخطط بالية كلاسيكية بتضيق الشوارع، وقرب مكان تفجير الكرادة، سيطرة تحبس انفاسك وتتوقع من بين السيارات إنتحاري لزحمتها، وتساؤل ما السر في إطالة مراجعة المتقاعدين بشروط تعجيزية وروتينية، وجمعهم من المحافظات في بغداد على توقيع، او حبس المواطنين في الشوارع دون القبض على سيارة مفخخة؟!
إن ما يحدث  تكرار لنفس السيناريو، وسيحدث مرات ومرات ولا حلول لدى السلطات الأمنية، التي يتقاطع عملها بين قيادة العمليات ووزارة الداخلية، وسؤال عن سر الإصرار على نفس الخطط ووجود قيادة لعمليات كل محافظة، مع وجود الشرطة المحلية والإتحادية والإستخبارات، والأمر لا يقتصر على المحافظات القلقة، بل حتى المحافظات المستقرة، وكأن وجود الجيش في المدن عُرف عراقي لحفظ الأمن بلا جدوى، والدماء تستمر بالجريان، ولن  تنفع العراقيين الإدانة الدولية أو إطفاء مصابيح برج إيفل لدقائق.
تتكرر المأساة في مشهد مألوف، ولا أحد يُقال أو يُحاسب، والضحية نفسها، وسياسيّونا مترفون يتقاذفون الإتهامات، ويندرجون ضمن مخطط الإرهاب بإثارة الفزع.
 تكرر المشهد، وأعاد التاريخ نفسه بنصب المآتم وصيحات الإستنكار والشجب، ويتسابق السياسيون على تبرئة أنفسهم من المسؤولية، وسيعطي بعضهم مبررات لفعل الإرهاب،  وينبش في إعادة نشر الفوضى والخوف، وسلب النصر في ساحات الوغى، نعم تكرر المشهد مع تحرير الفلوجة، ويتكرر مع تحرير الموصل، وينتظر العراق معارك أخيرة فاصلة، وإرهاباً يتحين الفرص لسلب النصر والفرح، وسرقة دماء الشهداء وتضحياتهم، وما الإرهاب إلاّ وليد الفساد، وقد كانت فتوى المرجعية حد فاصلاً في طرد الإرهاب، ونجح العراقيون حين إلتزموا مجتمعين بها، ومنعوا إباحة العرض والمقدسات، ولكن الفساد أدى الى تواطيء مع الإرهاب  وزيادة عدد الضحايا، ومن عرف حق  الفتوى وأطروحتها للسلام وبناء الدولة؛ عليه الإلتزام بتوجيهات المرجعية، وعدم العودة الى إنتخاب الفاسدين وتأييد مواقفهم الإعلامية، التي تُعيد وجوه كالحة سلبت من العراق قوة إجتماعه ووحدته، وفرقته على أساس مصالح شخصية؛ والنتيجة مذابح عشوائية، ودماء تختلط بالمرطبات، لتسلب فرحتنا ونصرنا.
#واثق_الجابري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here