المرأة الواسطية تواجه الإقصاء من سوق العمل

محمد الزيدي

ربما يشعر المرء باستغراب وهو يرى الخمسينية أم سحر الربيعي، وهي تتردد بشكل يومي على مقهى (لمة حبايب) الليلي الواقع وسط مدينة الكوت، لكن مجيء هذه العجوز لا يندرج ضمن عمل تمارسه في المقهى، إنّما تأتي لمرافقة ابنتيها زينة وسحر اللتين تعملان نادلتين في المقهى الليلي.

البطالة، التمييز في فرص العمل، الاختلاف في الأجور، ظروف العمل غير المواتية، كلها عوامل سلبية تلعب دوراً بعدم حصول المرأة على فرصة عمل مناسبة.

لا تحصل زينة (22) عاماً وشقيقتها التي تعمل معها في المقهى ذاته إلا على خمسين ألف دينار يومياً اي ما يعادل اربعين دولاراً، تنفق جزءاً منها لمتطلبات المعيشة، فيما تُودع ما تبقى لسداد مبلغ استئجار البيت الذي تشغله عائلتها، لكن مصير هذه الفتاة كما مصير قريناتها اللواتي يعملن في المقاهي الليلة في الكوت، يبقى في مهبّ الريح، بعد قرار حكومي اتخذه مجلس محافظة واسط، يَقضي بعدم السماح بعمل الفتيات في مثل هذه المقاهي.

مجلس محافظة واسط أصدر في الخامس والعشرين من شهر نيسان (ابريل) الماضي، قراراً مَنع بموجبه الفتيات من ممارسة العمل في المقاهي الليلية بدعوى الحفاظ على ما أسماه الموروث المجتمعي الذي يحول دون ذلك، وفي حينه دافع رئيس مجلس المحافظة مازن الزاملي عن قرار المجلس معتبراً إنَّ محافظة واسط من المجتمعات المحافظة ولا يمكن السماح للظواهر الدخيلة بالاستفحال.

وبين من يرى في القرار تقييداَ للحريات الشخصية، أو ودعاية انتخابية مبكرة تقول النادلة زينة بأن “انعدام فرص العمل هو الذي دفعها للقبول بمثل هذه الأعمال”.

تضيف زينة لــ”نقاش”: “أنا أم لثلاثة أطفال وأُعيل والدتي وعملي في هذا المكان يأتي لتأمين متطلبات المعيشة ، ودفع مبلغ إيجار البيت الذي نسكن فيه معاً”.

وبينما تصمت الفتاة بين الحين والآخر لمسح دموعها التي تتساقط من عينيها، تستدرك قائلة “كل يوم أكون هنا برفقة أختي الصغيرة، ووالدتي، وأخلف ورائي الأطفال والمسؤوليات، وموجة من القيل والقال وكثرة السؤال حول أسباب القبول بهذا العمل ، لكن ما العمل وقلة الفرص هو التحدي الأبرز الذي يواجهه أمثالي”؟.

بعض المحافظات العراقية قد شهدت بشكل لافت في الآونة الأخيرة، افتتاح مجموعة من المقاهي الليلية التي تقدم أنواعاً مختلفة من العصائر والمشروبات والشيشة وبعض الأطعمة الخفيفة، وتتميز هذه المقاهي بأن معظم العاملين فيها من الفتيات الصغيرات في السن، الأمر الذي يشكل عاملاً لجذب المزيد من الزبائن الذين لا يترددون في منح أولئك العاملات مكافآت مالية تحقق أرباحاً كبيرة لصاحب المقهى.

“أعرافنا فيها الكثير من التجني، ولا تسمح للمرأة بممارسة العمل بغض النظر عن مكان وماهية العمل” تقول النادلة شهد التي تعمل في المكان ذاته.

شهد القيسي (18 عاماً) ترى أن ثمة تجنَّيا وظلما كبيرا لحِق بالعاملات في مثل هذه الامكنة وتقول ان “البعض ينظر الى العمل في المقاهي على أنه مؤشر سلبي للمرأة وهي نظرة قاصرة للمرأة وذكورية لا طائل من ورائها”.

سجاد البديري صاحب مقهى (هيل وليل) الليلي يرى أن العمل الذي تقدمه المرأة في المقهى لا يختلف عن العمل الذي تؤديه في سياحة الفندقة والأعمال المكتبية الأخرى، معتبراً “تعامل الحكومة المحلية مع العاملات في المقاهي الليلية، انطوى على جملة التشهير غير المبرر”.

البديري يُبدي استغرابه من محاولات متكررة لمحاربة الاختلاط، معتبراً بأنه كان “الأجدر بالحكومة المحلية إيجاد فرص عمل ملائمة للفتيات قبل الإقدام على مثل هذا القرار”.

وعن مدى دستورية قرار منع النساء من العمل في المقاهي يرى الحقوقي حسن الموسوي أن قرار المجلس ينتابه الكثير من “الهفوات الدستورية التي تتقاطع جملة وتفصيلاً مع الدستور، وتدخل في إطار كبح الحريات الشخصية”.

وقال الموسوي إن “الدستور كفل حرية الأشخاص في السكن والعمل والمعتقد وبما يتماشى مع الأعراف العامة، وطالما لم يثبت وجود قضية أو شكوى ضد واحدة من هذه النسوة، فليس من حق المجلس منعهن من العمل”.

ويتابع قائلاً “ليس هذا فحسب بل حتى قاضي التحقيق لا يمكنه استدعاؤهن بشكل قانوني لعدم وجود قرينة للإدانة وان المرأة تواجه تحدياً كبيراً وتقليدياً يتمثل بانغلاق قطاعات مختلفة من سوق العمل بوجهها وتواجه الكثير من الصعوبات والمضايقات للحصول على فرصة عمل في إحدى الدوائر الحكومية”.

وعلى الرغم من الذي قيل ويقال، فان مصير هؤلاء الفتيات سيبقى مرهوناً بمدى إدراك المجتمع العراقي ، الدور الكبير والقيمة المعنوية التي تقدمها المرأة في سوق العمل مثلما ستبقى أم زينة ترافق ابنتيها النادلتين بشكل يومي عند ذهابهن الى العمل وعودتهن منه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here