رمضان الموصل بعد داعش.. إفطار علني ومطاعم مفتوحة

ممارسة الشعائر الدينية بمعزل عن أوامر وتعاليم دولة “داعش” المتطرفة بدأت تأخذ منحىً آخر في مدينة الموصل بعدما تحرر الجزء الأكبر منها من سطوة التنظيم الذي حكمها على مدى ثلاث سنوات بحد السيف حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة في الأحياء القليلة التي ما زالت تحت سيطرته.

إفطار علني عجزاً وثورة

وعلى نحو غير مسبوق في هذه المدينة المحافظة التي تنحاز دائما إلى التديّن، رصد مراسل “نقاش” وجود نسبة إفطار عالية في شهر الصيام، والواضح أن ثمة جرأة كبيرة لدى بعض المسلمين في الإجهار بإفطارهم دون خوف.

لم يحدث ذلك منذ عقود، فقد كانت الشرطة في عهد صدام حسين تحاسب من يجهرون بالإفطار بالحبس البسيط والغرامة، ثم تطور العقاب الى حد القتل عندما أصبحت اليد الطولى للتنظيمات المتشددة كتنظيم القاعدة ووريثه “داعش”.

الموقف الجديد من التدين برز بوضوح تجاه اهم الفروض الدينية لدى المسلمين وهي الصوم يفسر بأسباب عدة، هناك فريق من المفطرين يتعذرون بعدم قدرتهم على الصيام، ومنهم الحاج خضر الحسين (72 عاما).

هذا الرجل قال انه منذ ان بلغ (18 عاما) وهو يواظب على صوم شهر رمضان لكنه لم يفعل هذه المرة ويضيف “ظروف الحرب والحصار التي عشناها طوال السنوات الثلاث الماضية اثرت سلبا في بنيتي الجسمانية والنفسية الى درجة لم يعرفني أصدقائي عندما رأوني بعدما تحررنا قبل عشرين يوما”.

“حاولت ان اصوم وعندما أمسكت عن الاكل اقل من خمس ساعات اصبت بالإغماء فاضطررت الى العدول عن المحاولة، وها هي وصفة الطبيب: مقويات ومكملات غذائية”، يقول الحاج بابتسامة علت على وجهه الشاحب وهو يشير الى كيس مليء بالأدوية.

امثال الحاج خضر كثيرون خاصة بين الناجين الجدد من الجانب الأيمن للموصل، حيث قضى السكان المحليون هناك الأشهر الثمانية الماضية في ظل حصار شديد بسبب بدء العمليات العسكرية، واضطر الكثير منهم الى تناول وجبة واحدة فقط يوميا.

الفريق الآخر يمثل الشباب نسبة كبيرة منه، هؤلاء يجهرون بالإفطار من دون عذر او خوف، ويبدو ان موقفهم جزء من ردة فعل على السلوك المتطرف لـ(داعش) الذي زعم إقامة دولة وفق الشريعة الإسلامية، لكنه أشاع القتل ومصادرة الحريات.

يونس عبد الله (33 عاما)، نجا قبل أسبوعين من موت محقق عندما أطلق مسلحو داعش النار عليه وعلى عائلته لأنهم فروا الى القوات العراقية، للمرة الأولى يتناول غداءه في مطعم خلال شهر رمضان.

ويعلق على موقفه قائلا:”بصراحة كنت التزم بالصيام اما اليوم لست متحمسا لذلك، بل انني اكثر جرأة على الاجهار بعدم التزامي بالفروض الدينية ولا أرى المجتمع يلومني على هذا القرار بسبب ما فعل بنا المتطرفون باسم الدولة الإسلامية وكذلك الموقف المتفرج لرجال الدين المعتدلين من كل ما جرى”.

ويضيف بعد لحظة صمت انشغل خلالها بوضع لقمة كبيرة في فمه “لو فعلت هذا في رمضان تحت سيطرة داعش لقطعوا رأسي”.

موقف الشرطة من الإفطار العلني

مطعم النجوم في منطقة المجموعة الثقافية شمالي الموصل حيث كان يونس يتناول طعامه كان مكشوفا على غير العادة فقبل حزيران (يونيو) 2014 يوم كانت الموصل تخضع لسلطة الحكومة العراقية، لا يسمح إلا لثلاثة او أربعة مطاعم في مركز المدينة ان تستقبل الزبائن في رمضان، شرط ان تضع ستارا لتغطية واجهة المطعم لكي لا يرى الصائمون ما بداخله احتراما لمشاعرهم.

في عهد داعش لم يكن أحد يجرؤ على فتح مطعمه في أوقات الصيام، وإلا علقوا جثته على أحد أعمدة الكهرباء.

الشرطة لا تتدخل حاليا في فرض الصيام على السكان المحليين بل أصدرت تعليمات خاصة بهذا الشهر كإجراء احترازي لمنع أية خروقات في المناطق المحررة، لاسيما وان المدينة تعيش وضعا استثنائيا، فالمعارك الطاحنة تدور رحاها الآن في الجزء الصغير المتبقي من الجانب الأيمن.

منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة أبرز ما جاء في الأوامر الجديدة التي أصدرتها الشرطة، خوفا من تخفي عناصر “داعش” بهذا الزي لشن هجمات انتحارية ضد المدنيين او القوات الأمنية في الأجزاء المحررة.

كما حثت الشرطة أصحاب المطاعم التي تفتح أبوابها في رمضان على مراقبة وتفتيش كل من يدخل اليها خوفا من تنفيذ هجمات إرهابية فيها، على غرار الهجمات التي كان تنفذها التنظيمات المتطرفة ضد المطاعم في هذا الشهر قبل حزيران (يونيو) 2014 في الموصل.

لا شك أن فسحة الحرية اليوم اكبر من أي وقت مضى، لكن الوضع ليس نهائيا، قد تتقلص هذه الفسحة او تزيد، الأمر يتوقف كثيرا على الوضع الأمني، هل يدوم الاستقرار الامني طويلا ام انها اشهر عسل تنتهي الى تدهور آخر خطير على غرار ما حدث بعد التغيير الكبير في 2003.

أيا كانت النتيجة وبقدر ما يتمتع الموصليون اليوم بحرية لا بأس بها، ثمة قرابة (150) ألف من سكان الموصل ما زالوا يعانون الأمرّين بسبب وجودهم حتى الآن تحت سلطة تنظيم “داعش”، هؤلاء لا يهمهم رمضان ولا أي شيء آخر، هدفهم النجاة من الموت بأية طريقة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here