أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (١٤)

نــــــــــزار حيدر

{اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ}.

هل يتناقضُ هذا الأُسلوب اللَّيِّن مع الأُسلوب المُتشدِّد والعنيف الذي استخدمهُ نبيَّ الله إِبراهيم (ع) في حوارهِ مع قومهِ عندما بادرَ الى تدميرِ أَصنامهم وتحطيمها كما يحدِّثنا القرآن الكريم عن ذلك بقولهِ {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ}؟!.

أَبداً، ليس هناك أَيُّ تُناقضٍ فالأُسلوبُ يعتمدُ على الظُّروف من جانبٍ وعلى المتلقِّي من جانبٍ آخر! وعلى طريقةِ تعاملهِ وردودِ فعلهِ من جانبٍ ثالثٍ! ويعتمد كذلك على مادَّةِ الحوارِ من جانبٍ رابعٍ! فمثلاً بعد ذلك الأُسلوب اللَّيِّن إِنتقل الى أُسلوبٍ آخر يبيِّنهُ قول الله تعالى على لسانِ نبيِّ الله موسى عليه السَّلام {وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ}.

ولذلكَ نلاحظُ أَنَّ القرآن الكريم يحتوي على مُختلفِ الأَساليب في الحواراتِ التي يذكرها في طيِّ القَصص التي يسردها لنا، على العكسِ من الطَّاغوت فأُسلوبهُ واحِدٌ في الحوارِ لا غيرَ هوَ أُسلوب التَّهديد والوعيد والارهاب والعُنف! يعتمدُ القتلَ والذَّبح والصَّلب والطَّرد والأبعاد وغير ذلك من الأَساليب العُنفيَّة الارهابيَّة التي إِن دلَّت على شيءٍ فانَّما تدلُّ على عدم إِمتلاك الطَّاغوت لللمنطقِ الذي يُحاجج بهِ وعدم قدرتهِ على الاقناع عندما يحاورُ الآخر!.

فمثلاً كان ردُّ فعل فرعَون على تسليم السَّحرة بربِّ موسى وهارون عليهِما السَّلام قوله {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ}.

وكذا حال بقيَّة الملأ مع أَنبياء الله تعالى، فمثلاً {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} و {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} و {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}.

وكلُّ هذا على الرَّغمِ من أَنَّ الأَنبياء عليهِم السَّلام لم يتسلَّحوا في دعوتهِم الى الله إِلّا بالمنطق والحُجَّة البالغة، فهم لم يحمِلوا سلاحاً ولم يرموا قذيفةً ولم يفجِّروا سيَّارةً ملغومةً ولم يلبِسوا حزاماً ناسفاً! ومع كلِّ هذا ترى الطَّاغوت يخشى حتَّى من الكلمةِ! نعم من الكلمةِ التي وصفها القرآن الكريم بقولهِ {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.

إِنَّ منهج الحوار في القرآن الكريم يعتمد التدرُّج من جهةٍ والتَّنوُّع من جهةٍ أُخرى، فالِّلينُ تارةً والشِّدَّة أُخرى، وهو مبنى العُقلاء والحُكماء والمصلحين الحقيقيِّين! فعندما لا ينفعُ الحوارُ بالمنطقِ واللِّين والمداراةِ يلزم الانتقال الى الشِّدَّة في الحوارِ للتأثير على المتلقِّي إِذا كان مُعانداً أَو ظالماً مُسترسلاً في ظُلمهِ! حتّى يصلَ الأَمرُ الى التَّهديدِ والوعيد في آخر المطاف عندما يستفرغ المُصلح كلَّ ما في جُعبتهِ من منطقٍ ليِّن وأُسلوبٍ هادئٍ! وهذا ما لمِسناهُ مثلاً في الخِطابِ المرجعي في تعاملهِ معَ الفاسدينَ والفاشلينَ! فبعدَ أَن إِستفرغَ كلَّ وسائل اللِّين في النَّقد والتَّرشيد والتَّنبيه ومحاولة الاصلاح والتَّأثير بالَّتي هي أَحسن! لجأَ الى التَّشديد عندما دعا الى الضَّربِ بيدٍ من حديدٍ على رؤُوس الفاسدينَ والفاشلينَ ليقرِّر في نِهايةِ المطاف [لقد بحَّ صوتُنا] وهي إِشارةٍ شديدةٍ جدّاً للدَّلالة على أَنَّ مَن يتحدَّث إِليهم هم {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} طبعاً من دونِ أَن يستثني أَحداً منهم! وهذا دليلٌ على أَنَّهم كُلُّهم فاسدونَ وفاشلونَ معمَّماً كان أَم أَفنديَّاً! حزبيّاً كان أَم مُستقلاً! مرجعيّاً كانَ أَم غيرهُ!.

ويبدو لي أَنَّ الأُسلوب القرآني أَكثرُ تشدُّداً عندما يتعلَّق الأَمر بالظَّاهرة الصَّنميَّة! رُبما لأَنَّها من أَكثر الظَّواهر التي تصدُّ المجتمع عن الاصلاح، لأَنَّ نتاجها الطَّبيعي هو عبادة الشَّخصيَّة والطَّاعة العمياء وبالتَّالي صناعةِ الطُّغاة وظاهرة [القائِد الضَّرورة] الذي تحومُ حولهُ الأَبواق والذُّيول التي تستقتِل دفاعاً عن الباطل وتتهالك تبريراً لفسادهِ وفشلهِ! وهذا ما نلاحظهُ في الْعِراقِ وعمومِ بلادِنا العربيَّة المتخلِّفة!.

يأخذُ عليِّ أَحياناً بعض المتابعين تشدُّيدي في نقدِ السياسيِّين ورُبما استخدمتُ بعض الأَلفاظ القاسية!.

هو أُسلوبٌ قرآنيٌّ حكيم مع مَن {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} فبأَيِّ منطقٍ يمكنُ الحديث مع مَن ضربَ عَرض الحائِط بنصيحةِ المرجع الأَعلى وتجاهلَ صوت الشَّارع وتناسى تربيتهُ الدِّينيَّة ولم يُعِرْ أَيَّ اهتمامٍ لحزبهِ وتاريخهِ وتضحياتهِ ولأُسرتهِ وتاريخها وتضحياتها؟!.

بأَيِّ أُسلوبٍ نتحدَّث مع مَن ُيضيِّع الْعِراقِ ويُتاجرُ بالدِّماءِ ويسترخصُ هَيبة الدَّولة ليبني مجدهُ الشَّخصي ويعمل دلَّالاً عند دُول الجِوار؟!.

هو الأُسلوب الوحيد الذي نحطِّمُ فيهِ الأَصنام ونُسفِّهَ أَحلام الأَبواق والذُّيول!.

ليشكُروا الله تعالى أَنَّنا لم نذكر فيهم قول الله تعالى {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} أَو قولهُ تعالى {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} أَو قولهُ تعالى {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}!.

٨ حزيران ٢٠١٧

لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here