(١) مذ أن ذاقت السعودية طعم الغزو ، فأن شهيتها تفتحت وما برحت تزاد وتتعاظم ، فهي تعيش تحت ضغوط كبيرة ، لأنها جعلت من نفسها في حالة حرب دائمة . فهي من ناحية ، تعاني من وطئة الأبتزار الأمريكي ، الذي سلخ جلد السعودية ونتف ريشها ، ويلوح لها ، بين الحين ، باستخدام قانون جاستا للتعويضات فيبث الرعب فيها ، وهي ، ومن ناحية ، آخرى ، تريد أن تغذي كل القوى الأرهابية ، بنفس الزخم ، بينما ما عادت عائدات النفط تكفي لسد كل تكلف حروبها وحمايتها . فجسد السعودية مثقل في الكائنات الطفيلية التي تعيش على دمها ولحمها ، فهي تغذي تلك الكائنات الطفيفة بحجة حمايتها من أيران ، وتستخدم آخرين أيضاً ، كورق في جمع حلفاء لها، فأصبحت دول كثيرة تعيش ككائنات طفيلية على السعودية ( مصر ، باكستان ، السودان ، وتركيا لحد ما ) .
(٢) لذلك حين قامت بأول غزواتها لبحرين تحت مباركة العالم ، وبدون خشية من أحد ، زادت من تكاليفها حروبها أكثر ، ثم شنت ، من بعد ، حربها على اليمن ، فثقلت موازينها أكثر ، ضنن منها أنها سوف توسع من قاعدة جيشها وتجعل اليمنيين مرتزقة للعدواناتها القادمة . لكن بعد زيارة ترامب التي سُميت تاريخية ، بحق ، وتقديمها له مبلغ خيالي ، بحجة الاستثمارات وشراء أسلحة . غير أن هذا المبلغ الكبير ، لا يبدو ، بعد شيء من التفكير ، يمكن أن يفسر بمجرد شراء سلاح ، . فهو ، كان يحتاج ، شيء من الوقت لكي تظهر حقيقته . لذا ، فعلاً طهرة قصة هذا المبلغ الخيالي في شراء السلاح ، والأستمارات ، حالما تأزمةً العلاقة بين السعودية وقطر ، وما عاد يقرأ بنفس ما أعلن عن قصة تلك الصفقة المذهلة ، فما عاد هذه المبلغ ، يمكن تفسيره ، بقصة شراء سلاح ، وأستثمار ، فهو ، بات يفهم ، بعد توتر العلاقة بين السعودية وقطر ، على أن لشيء آخر ، ولصفقة أخرى ، وليس كما أعلن عنه ، وآن هذا المبلغ الخيالي قدم كثمن ، لغاية أخر ، وثمن لغزو ، يستحق كل هذا المبلغ ، فهو صفقة بيع الجمل بما حمل . فقد باع ترامب أحد عقاراته ، وعليه ، لا أستثمار ولا ، سلاح ، وراء وكل ما قيل عن هذا المبلغ ، فيجب أن يفهم ، بعد توتر العلاقة ، على ضوء ما يسفر عنه الموقف بين البلدين . وكيف سيحل ، ويعالج الوضع الخطير بين البلدين ، فهل ستبتلع السعودية قطر تحت سمع وبصر أمريكا والغرب ، وتصبح قطر ذكر مؤلمة ، أم الخيال يبدو لدينا شطح بعيداً وغلب الهواجس والظنون على الرؤية الواقعية والمعقولية ، وأنا عالمنا لا زال به ، شيء من المعقول وليس مسرح إلى اللأمعقول .
(٣) فالسعودية أولاً وأخير ليس بحاجة لهذا السلاح ولا لتلك الأستثمارات ، فالمعدة السعودية ، لا تستطيع هضمهما . فالديها من السلأح لمحاربة العالم كله . والعقيدة السعودية ، الوهابية ، من ناحية تحول بشكل مطلق من تحديث السعودية وبناء دولة حديثة ، لأنه هذا معناه الأنتقال للمعاصرة ، التي تحاربها السعودية بكل أشكالها ، ما عد ذلك الذي يكفي لذر الرماد في العيون .
فوضع السعودية الحالي ، هو نتاج تراكمات سياسية خاطئة نهجها النظام الحاكم منذ فترة طويلة أدخلته في وضع لا يحسد عليه ، يتطلب منها أعباء كبيرة ، وأموال طائلة . فموال النفط ما عادت تكفي لقم الأفواه الشرهه لكي تحتفظ بوضعها التي هي فيها الآن ، والقائم على الدفع المستمر .
أذن لماذا قطر الآن ؟ التاريخ كما يقال لا يكرر نفسه ولكنه يعيد أبقاع ، وها نحن نسمع نفس الأيقاع والنغمات التي عزفها صدام قبل غزوه الكويت ، فمعلوم ، أن الأرواح الشريرة لا تموت ، ولا تدفن مع الجسد ، كما بعض الأساطير الأفريقية ، فهي تبقى تهوم وتحوم في الأجواء حتى تجد جسد يلائم نزوعها لتستقر فيها ، فقد حلت روح صدام في حكام السعودية منذ أن تعلق جسد في حبل المشنقة . فإفلاس صدام بعد حربه مع أيران قادة لغزو بلد ضعيف وغني ، كالكويت . والسعودية وقد أصبحت البقر الحلوب في عهد ترامب المقاول الشره ، والذي لا يتتردد في بيع أي عقار لا يعود عليه في الأرباح ، باع قطر للسعودية ، التي عليها أن يكون ضرعاها ممتلئين بالحليب دائماً . وهل الخليج كله ، في نهاية التحليل سوى عقارات للأمريكا والغرب ! فما الغريب أن يبع ترامب أحد عقاراته التي لا تدر ربح كبير للأحد مخدوميه !
(٤) قد يبدو ما نقول هذا أشبه بالقصة الخيالية أو أننا نصور عالمنا وكأنه رجع القهقري إلى عصر ميكافيلي ، عصر المؤمرة ، وحوك الدسائس ، فما لا شك فيه ، أن لا بد لكل عقل صاح راقب أحداث عالمنا بدون تحيزات ، وبدون عقائد تبرر الأحداث من وجهة أيدلوجية ، سوف يخلص إلى أستنتاج أنه ،عصر ميكافيلي قد عاد بثياب جديدة . فحقيقة أننا نعيش في عصر شريعة الغاب . فالأمم ، كما يذكرنا ابن خلدون ، تقلد القوي والمنتصر ، ونحن نعيش في عصر أمريكا ، التي جعلت الغاية تبرر الوسيلة ، والغاية لدى أمريكا هي المصلحة ، التي لا تعرف أخلاق وقيم ! وأستخدام القوة العارية في سبيلها . فما عادة أحد يتكلم في فترتنا عن الأخلاق والقيم
الإنسانية .
(٥) ولكن ما هي جريمة قطر ؟ أن لقطر جرائم كثيرة ، طويلة وعريضة ، وأكبر من حجمها ، وأقلها ، جعل العرب أقل من حجمها ، ولكنً جريمتها الكبرى ، هي أنها سمكة صغيرة ، في بحر ملئي بلحيتان الكبار . وبما كل الجرائم في عالمنا يمكن أن تغفر ، فأن جريمة الغباء يجب أن يدفع صاحبها ثمن غباءه . فأين يكمن غباء قطر ، يقول الشاعر في أحد أبياته المعبرة ، والذي يجب أن يوضع في قصور الرؤوساء العرب ؛
من يجعل الأسد باز للصيده ،، تصيدته فيما تصيدت
فقطر جعلت من أمريكا والسعودية باز لصيدها وهي الكائن الضعيف المثقل بكنوزه . وبما أن التذكير في الجرائم وماضي المرء هي ، في النهاية عون للمجرم الذي يهم في أرتكاب جرمه ومساهمة في أرتكاب جريمة جديدة ، فدعونا ، نبتعد عن ماضي قطر ، ونقف إلى جوارها ، في محنتها هذه ، من حيث نظن أنها يمكن أن تكفر عن ماضيها وتعود لجادة الصواب ، بدل من من نقف إلى جانب مجرم أدمن الأجرام ويعد لجرائم كبيرة . ونحن ، اليوم ، لا يخالجنا ريب بأن المسرح قد أعد وكل أدوات الجرم جاهزة ، بنتظار رفع الستار ، لكي تبدأ الحفلة !
(٦) وعليه ، يبقى ، أتخاذالموقف من قطر ، ومنع محاولة مسحها من الخريطة شيء لا بد منه ، ويجب أن لا يتساهل به من قبل الدول القوية والتي سوف تنضر كثيراً منه . فقد رفض ، من قبل ، التحالف الدولي الغربي و العربي الذي شكلته أمريكا ضد صدام حين غزا الكويت جعل نصف أنتاج العالم من النفط يصبح بيد صدام ليشن به حروبه . وهاهي تلك اللحظة ، التي رفضت على صدام ، تعود من جديد وعلى العالم ، أن يرفض ، مرة أخرى ، أن يغدو نصف نتاج العالم من حصة النفط والغاز بيد دولة أرهابية . فالسعودية ستوظف كل عائدات تلك الثروة في خدمة الأرهاب وتشغيل ترسانة السلاح الأمريكي .
ولكن من هي الدول التي ستضر بتلك الجريمة التي توشك تترتكب ؟ من الواضح ، في هذا السياق ، أنها نفس الدول التي تعاني الأرهاب وتحاربه ونعني بها أيران والعراق وسوريا وروسيا ولبنان وغيرهم كثيرون . وأما أمريكا فسوف تكون أول الرابحين من هذا الغزو ، فستوضع كل البيوض في سلة البقرة الحلوب ، والتي يمكن أن تحلب من قبل أمريكا في أي وقت . فالسعودية ما عادت جزء من هذه المنطقة ، ، فقط وجود جغرافي ، فهي ، كالأسكا ولاية أمريكية رغم المسافةالكبيرة بينهما . وسيقع العبء في هذه القضية على كاهل أيران فهي المعنية فيه ، نظراً لما لها من حقول مشتركة مع قطر في الغاز . وعليها أن لا تتساهل كما تساهلت مع غزو البحرين ، فهي الآن قاب قوسين أو أدنى مما تخطط له السعودية ، وعليها أن تكون المبادرة بيدها ، وتسبق ما تخطط له السعودية ، وتحول دون سقوط قطر في براثن السعودية . فأن عدم سبق الآخرين وجعل المبادرة باليد هو سبب كل الكوارث ، فالتأخر ليس سلاح لدرء الحرب ، وأنما يعجل في حدوثها . وكذلك ، على الروس ، في المقابل ، أن لا ينظروا في لا مبالاة ، لما تعتزم السعودية فعله ، فهم أيضاً معنين فيه ، وعليها أن تبادر وتسبق السعودة ، في منعها ، مما تريد ، وعليه ، وحينما تجد أمريكا أن الأخرين سبقوها ، في أتخاذ موقف حاسم كما حدث في سوريا ، فأنها ترضخ للأمر الواقع ، وتبدأ في المطالبه بموقف معقول ومرضي . لذلك يجب التفكير بجدية ، بالموقف الحازم من قطر ، وعدم تركها تقع فريسة بمخالب الوحش السعودي . فالأمبالاة ، هي التي تشجع الجبناء على القيام بعمال جسورة .
هاني الحطاب
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط