نوعان من المعتقدات الخرافية ! *

بقلم د. رضا العطار

اذا صح ما نقول، فإنه يوجد نوعان من المعتقدات الخرافية : النوع الاول هو محاولة العلم ان يفسر لنا الحياة الباطنية  للانسان، والثاني محاولة الدين ان يشرح لنا الظواهر الطبيعية.
عندما يحاول العلم تفسير عالم النفس، فإنه يحلله الى مدرك حسًي أي الى شيء. وعندما يحاول الدين تفسير الطبيعة يشخًصها، اي يحولها الى (لاطبيعية).  وهكذا نواجه مفهوما خاطئا من كلا الجانبين.

ان الاديان البدائية بسحرها ومحرًماتها ألصق ما تكون بالخرافات،  بحيث لا يمكن التمييز بينها.  هذه الاديان – في الحقيقة – تعكس الاضطراب الباطني للانسان.  فقد انبثقت من نوعين مختلفين من المشاغل الاساسية المبكرة للجنس البشري.  النوع الاول روحي، وقد بدأ هذا عندما اصبح الانسان واعيا بنفسه ككائن إنساني متميز  ومختلف عن الطبيعة المحيطة به.  والثاني مادي يتمثل في حاجته للبقاء في عالم مُعادِ مليء بالمخاطر.   وقد تحول الضمير الديني – تحت ضغط غريزة حب البقاء – نحو هذا العالم لان هدف الانسان اصبح مركزا على الطبيعة اكثر من اي شيء آخر، فهو يرغب في الصيد الناجح والحصاد الوافر واتقاء المرض و الطبيعة المعادية والحيوانات المفترسة . . بينما ظلت وسائل الانسان دينية. . اعني استخدامه للسحر والقرابين والرقص الديني والاغاني والرموز.  الدين البدائي إذن هو ضمير ديني لكنه اتجه نحو الظواهر . . نحو احتياجات الحياة بدلا من الاتجاه الباطني نحو الاشواق الروحية.  ولما لم يكن في مقدور الانسان ان يحقق شيئا في العالم الواقعي، فان الدين البدائي قد خلًف انطباعا انه يسحق الانسان ويضلُه.

ان الدين الذي يريد ان يستبدل التفكير الحر باسرار صوفية، وان يستبدل الحقيقة العلمية بعقائد جامدة، والفاعلية الاجتماعية بطقوس، لا بد ان يصطدم بالعلم والدين الصحيح – على عكس هذا – فهو متسق مع العلم.  وكثير من العلماء الكبار يسود عندهم الاعتراف بنوع من الوحدانية.  وفوق هذا يستطيع العلم ان يساعد الدين في محاربة المعتقدات الخرافية، فإذا انفصلا يرتكس الدين في التخلف ويتجه العلم نحو الالحاد.
ولكن العلم ايضا لديه معتقداته الخرافية، وذلك عندما يترك مجال الطبيعة. فاذا كان الذكاء الانساني قد اكًد نجاحه في الامور المتعلقة بالعالم المادي (كما في علم الطبيعة والفلك وغيرهما ) فان هذا الذكاء نفسه بدا شاكًا اخرق في مجال الحياة.

فعندما استخدم العلم مناهجه التحليلية والكمية في مجال الحياة انتهى الى نفي بعض الحقائق النفسية والحياتية الجوهرية، فأختزلها الى مظاهرها الخارجية فقط.  وهكذا رأينا علم الاجتماع الديني يقضي على الجوهر الاساسي للدين، وراينا علم البيولوجيا يقضي على الحياة، وعلم النفس يقضي على النفس وعلم الانثروبولوجيا يقضي على الشخصية الانسانية وفقد التاريخ اي فقد الانسان لباطنه.
الى الحلقة التالية !
* مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here