نقد هوس المجلات العلمية في معامل التأثير

أكاديمي دكتور علوم أستاذ
ريسان خريبط

تهتم الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية بنشر الأبحاث  في أوعية النشر المحكمة التي تتبنى المعايير العلمية الرصينة ( المجلات العلمية) .
ومعامل التأثير ما هو إلا وسيلة إبتكرتها بعض الجهات والشركات والمؤسسات للهيمنة على البحث العلمي وفرض أرادتها على الدول لجذب المؤسسات والجامعات ومراكز الأبحاث العلمية والباحثين لتحقيق المكاسب وفرض الوصايا على مجالات البحث العلمي على أغلب الجامعات والمؤسسات العلمية ومراكز الأبحاث وخاصة المتواجدة في الدول النامية ، وتروج تلك المؤسسات لحصول المجلات على معامل التأثير لغرض دفع الجامعات للمشاركة في التصنيفات العالمية للجامعات .
فيعرف (معامل التأثير) : بأنه مقياس يقيس المجلات العلمية المحكمة من خلال إستشهاد الأبحاث الجديدة بالأبحاث  التي نشرت سابقا ً في المجلة ، ونود أن نحيطكم علما ً بأن معامل التأثير ليس لة أي ربط في التقييم والمستوى العلمي للأبحاث العلمية المنشورة في  المجلات .
وقد إعترفت شركة (تومسون رويترز) بأن معامل التأثير الخاص بها لايقيس نوعية ومستوى البحث المنشور في أي مجلة علمية لها معامل تأثير وإنما يقيس إنجاز المجلة نفسها كوحدة متكاملة.
ونلاحظ حاليا ً الكثير من المجلات العلمية تتبنى بعض السياسات لرفع قيمة معامل التأثير دون رفع المستوى العلمي للمجلة فمثلا ً تقوم بعض المجلات بنشر عدد كبير من الأبحاث المسحية وهذه الأبحاث أغلبها يخلوا من الإضافة العلمية الجديدة وعادة ما يتم الإستشهاد بها يشكل أكبر من غيرها من الأبحاث التي تقدم إضافة علمية جديدة وهذا ما يجعل تلك المؤسسات التي تمنح معامل التأثير من زيادة معامل التأثيرلهذه المجلات.
ودأبت بعض المجلات إلى أستخدام طرق وأساليب متنوعة من أن ترفع نسبة استشهاد الأبحاث التي تنشرها من الأبحاث التي نشرتها سابقا ً مما يزيد من معامل التأثير حتى جعل لهذة المجلات عدد لا بأس به من المندوبيين أو الممثلين في الكثير من الدول يروجون لهذة المجلة  أو تلك من أجل الأستشهاد بها للحصول على عامل تأثير مرتفع ، وهذا ما جعل عدد كبير من الباحثين يشكلون رؤى مشتركة ويمكن أن نطلق عليها (أندية) للأستشهاد ليقوم كل منهم بالأستشهاد ببحوث أقرانه وبشكل متبادل فيما بينهم من خلال الأدوار التي يلعبها المندوبين أو الممثلين للمجلة في تلك البلدان من أجل زيادة معامل التأثير لتلك المجلات وكذلك توجه بعض  المجلات ومن خلال مندوبيها وممثليها وفي الكثير من الدول  بالإتصالات الشخصية بالباحثين أوعن طريق التواصل الإجتماعي وعلى أنفراد بالأستشهاد بالأبحاث السابقة التي نشرت في المجلة ويوعدوهم بنشر أبحاثهم في هذة المجلة التي فيها معامل التأثير، ومن خلال ذلك يرغب الكثير من الباحثين بالنشر في تلك المجلات ، وبنفس الوقت يزداد صدور أعداد المجلة وهذا أيضاً يعطي مؤشر إلى المؤسسات التي تمنح معامل التأثير بأن هذة المجلة لديها عدد كبير من الأستشهادات ويتم زيادة أرتفاع معامل التأثير لهذة المجلة من قبل المؤسسات المانحة لمعامل التأثير .
والقسم الآخر من المجلات يلجأون إلى حساب معامل التأثيرعلى أساس قسمة مجموع الأستشهادات على عدد المواد القابلة للأستشهاد بها ، ويمكن لبعض المجلات أن تقلل من عدد المواد التي تعتبرها قابلة للأستشهاد من أجل تضخم معامل التأثير .   وللأسف ربطت بعض الجامعات والمؤسسات العلمية (الترقيات العلمية ، وتقييم الأداء) بمعامل التأثير، دون النظر إلى الرصانة العلمية للأبحاث التي يقدمها عضو هيئة التدريس ، وكما ذكرنا سابقا ً بأن معامل التأثير ليس له ربط  بالرصانة العلمية للأبحاث وإنما علاقته بالمجلة التي تنشر بها الأبحاث وعدد الأستشهادات التي حصلت عليها .
كما يلاحظ بأن قسم من بعض الجامعات قامت بألغاء عدد من المجلات المحلية التابعة لها ، علما ً بأن عدد كبير من المجلات في عدد من الجامعات تأسست منذ سنوات طويلة وفي ظروف صعبة وكانت تصدر في كل جامعة مجلة واحدة وقسم من الجامعات لا يوجد فيها أي مجلة ، ونود أن نشير هنا بأن قسم من المجلات تأسست في بعض الكليات في سنوات السبعينات والثمانينات والتسعينات ونذَكر السادة أعضاء هيئات التدريس في كليات التربية البدنية وعلوم الرياضة بأن أولى المجلات العلمية في الوطن العربي صدرت من جامعة البصرة – كلية التربية الرياضية – وأسم المجلة (الثقافة الرياضية) التي أسسها د. ريسان خريبط عام 1984م ، وكذلك مجلة التربية الرياضية – في جامعة الزقازيق والتي تأسست بنفس الفترة التي تأسست بها (مجلة الثقافة الرياضية) والذي كان للاستاذ الدكتور كمال عبد الحميد الدور الكبير في تأسيسها .
وقد ساهمت هذه المجلات وغيرها في نشر البحث العلمي وترقية العدد الكبير من أعضاء هيئات التدريس في تلك الحقبة الزمنية ، وحاليا ً نسمع بأصدار الكثير من القرارات بألغاء الكثير من المجلات لكونها لا تحمل معامل تأثير ، ويتصور أصحاب القرار بأن المجلة المحلية التي ليس لها معامل تأثير هي مجلة ضعيفة المستوى ، في الوقت الذي نشأت هذه المجلات في سنوات لم يكن الباحثين ولا المؤسسات العلمية تعرف (معامل التأثير) الذي ظهر في بداية التسعينات من القرن الماضي وأخذ يأخذ حجمه من دخول الجامعات في التصنيفات العالمية .
ويعتقد البعض في الجامعات وخاصة أصحاب القرار بأن المجلات التي لها معامل تأثيرهي أفضل من المجلات المحلية التي ليس لديها معامل تأثير، لذلك طالبت المجلات المحلية بمعامل تأثير واذا لم تحصل المجلة على معامل تأثير فيتم إلغائها وفعلاً تم ألغاء عدد لابأس به من المجلات المحلية وهذا خطأ كبير يرتكب بحق المجلات المحلية ، ومن خلال تتبعي للكثير من المجلات والمتغيرات التي تحدث بهذا الشأن ، فأن الكثير من المجلات المحلية هي أفضل من بعض المجلات التي تحمل معامل تأثير في مستوى البحوث للأسباب التي تم ذكرها .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here