محنةُ آلفكر ألأنسانيّ(15)

The plight of human thoughtمحنةُ آلفكر ألأنسانيّ(15)
The influence of religion on cultureالمكوّن ألتاسع: تأثير ألدِّين على آلثّقافة :
رغم إنّ آلدِّين ألأسلاميّ قديم كآلأديان ألسّماويّة الأخرى آلتي سَبَقَتْهُ بآلاف السّنين, إلاّ أنّ مُعتنقيها مع مراجعهم و رغم تطور العقل و توسّع النظريّات الفكريّة و العلاقات الأجتماعيّة و أساليب ألبحث ألعلميّ و تقدم الزّمن؛ لم يفهموا للآسف معنى و فلسفة (ألدِّين) بشكلٍ كاملٍ و شاملٍ و صحيحٍ, و كما بّيّنّهُ الله تعالى في آلكتب المقدّسة و في مقدمتها آلقرآن ألكريم, و علّة العلل تكمن في أنّ تأريخ و هدف ألدّين و تفسير القرآن و نقل الأحاديث قد دُوِّنَ بأمرِ و توجّهاتِ ألسّلاطين و آلملوك و بعد وفاة النبي (ص) بأكثر من 150عام, بسبب ألمنع ألقسريّ ألذي فرضه الخلفاء على أهل ألعلم و القلم, بدءاً بآلقرآن ألذي جمعهُ ألأمام عليّ(ع) و ذيّله بأسباب النزول مع بيانات هامّة و أحاديث صحيحة في هامشه لكل آية من آياته(1) و إنتهاءاً بكتابة الحديث, حيث أُعْتبر تدوينه خرقاً لقيم السماء و تشويهاً للقرآن!

و تلك المحنة – محنة منع تدوين الحديث – كانت من أكبر المحن الفكريّة – ألدّينيّة – التي واجهها البشريّة بعد ما أصابت الرّسالة الأسلامية الخاتمة بآلصّميم و التي سبّبت ظهور المذاهب و الفرق و بآلتالي تشويه ألفكر الأنسانيّ و بآلأخصّ آلمُدّعين للرّسالات السّماويّة و في مقدمتهم المرجعيّات و آلقيادات ألدّينيّة و آلحزبيّة آلتي سَبّبَتْ بدورها تشوّهاً كبيراً في أذهان مُعتنقي المذاهب التي ظهرت بعد قرنين فصاعداً, بسبب ذلك (آلمنع) حين حاول روادها تدوين الحديث بعد موت الصحابة و كُتّاب الوحي, فخلطوا الصّحيح مع الضعيف و المجعول, بجانب المؤمنين بالدّيانات ألسّماويّة .. وصلتْ بهم حدّ آلأرهاب بأنواعه و القتل بصنوفه و تخوين و تكفير بعضهم للبعض حتى داخل الطائفة الواحدة و المذهب الواحد, لما لهذا (آلمُكوّن) من أثرٍ في تحديد ثقافة الأنسان و تحديد أفكاره و مواقفه!

و الأَمَرُّ من هذا و بعد ما إنتشر آلفساد في أوساط المسلمين و بعد كلّ تلك القرون العجاف .. إنّ شخصاً متعجرفاً فاقداً لأبسط المبادئ الأخلاقيّة – الأنسانيّة كدونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة أو رئيس الوزراء العراقيّ و أشباههم من السّلاطين يأتون ليعلموا المسلمين و أهل الولاية معنى الأخلاق و ألأسلام .. مُشوّهين بدورهم البقية الباقية من حقيقة و فلسفة آلدّين أكثر فأكثر و بآلعمق مُستغلّين الأرهاب (العنيف) و الثغرات الأخرى كحجة للتغطية على فسادهم و إرهابهم (ألناعم) و آلأكثر تدميراً للمجتمعات الأنسانية من الأرهاب العنيف, كلّ هذا بسبب التربية الدّينية الخاطئة و التفاسير الخاطئة التي تلقوها عن مفهوم ألدِّين جهلاً أو تجاهلاً لأجل مصالحهم الحزبية و جيوبهم الخاصة!

و الأَمَرُّ ألأنكى بعد كل هذا .. أنّ المُدّعين للدّين و آلمرجعيّة التقليدية من الجانب الآخر ساكتون و مؤيّدون لمثل تلك التصريحات آلباطلة من ألمستكبرين المنافقين و ألتي لا تتعدّاها سوى الشّرك بآلله, و ذلك بدعمهم و بآلتّودد لهم و إرسال الوفود و الممثلين عنهم لفتح المكاتب في عواصمهم لجمع أموال الخمس و الزكاة لإيداعها في بنوكهم ليصنع بها – أي الغرب – الطائرات و الصّواريخ لأحتلال بلادنا و لضرب قلعة الأسلام الحصين و دولته المباركة التي تريد خلاص البشريّة من ظلم الجانبين:
ألمدّعين للدِّين التقليدي السائد؛
و الناقدين للدّين في نفس الوقت!

لذلك رأيت من الواجب و في خضم هذا الوضع المؤلم و ضمن سياق هذا البحث الهامّ جدّاً – بل الأهم في مسيرة الأنسان – أن أُبَيّنَ حقيقة ألدِّين و معنى الأسلام الذي لم يبق منه إلا إسمه, و حتى معنى إسمه مجهول بين المسلمين.

فما هي حقيقة و فلسفة ألدّين الذي هو (الأسلام) عند الله و يشترك فيه جميع الأديان؟
و لماذا فهمهُ أصحاب كلّ(ديانة) بكونهِ يختّصّ بدينهم دون الدّيانات ألسّماوية الأخرى؟
و ما معنى شرع الله و دين الله و إسلام الله في كل دين من الديانات السماوية؟
و هل آلأسلام يختَصّ برسالة آلنبي محمد (ص) وحده, أم إنّها تشمل جميع آلرّسالات(ألأديان) السّماويّة و في مقدمتها رسالات أنبياء أولي العزم كآلتوراة و الأنجيل و الزبـور؟
و أخيراً؛ لماذا .. و ما معنى فصل ألدِّين عن السياسة و المجتمع؟

لا بدّ لنا قبل الدّخول في الموضوع و جواب الأسئلة المطروحة؛ توضيح و بيان تلك الأسئلة التي يجهلها ليس فقط عوام النّاس بل حتى مراجع آلدِّين ألذين تترّسوا خلف “الأعلمية” لكم الأفواه و سدّ باب ألسّؤآل و النقاش حول إقامة العدل و الحكومة الأسلامية .. و قد تباحثّتُ معهم حول تلك (العناوين) الكبيرة للأسف و مع كلّ مراجع الدّيانات السّماوية المعروفة بدءاً بآلأسلام و إنتهاءاً بآقدم الدّيانات كآلمسيحية و اليهودية, و تبيّن لي جهلهم و تخبّطهم حتى في تعريف الدِّين و آلأسلام و الغاية من خلق الأنسان .. و كما سنُبيّن ذلك إن شاء الله, بعد شرح الأسئلة التي طرحناها آنفاً, لأنّ (فهم السؤآل نصف الجّواب)!

بدايةً سبق و أن أشرنا لمعنى (آلأسلام) الذي يُؤمن به أمّة محمد(ص) بإقتضاب بليغ في آلحلقات ألسّابقة(2) من هذا آلبحث بجانب بياناتنا في آلمباحث ألأخرى ذات العلاقة, بكونهِ أحدْ أهمّ مكونات ألتُّراث الفكريّ – العقائديّ و هو شرعٌ من أشرعة الله كما الأشرعة آلسّماويّة الأخرى, و آلتي حصرها علماء الدِّين المسلمين للأسف و بآلخطأ بكونها تعني (الإسلام ألمحمدي) فقط, مستندين على تفسير الآية ألتي تقول: [إنّ الدّين عند الله الأسلام و من يبتغ غير الأسلام ديناً فلن يُقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين](3), و بذلك حصروا (الدّين) بآلدّيانة الأسلاميّة – المحمدية –  فقط من دون آلدّيانات ألأخرى التي إعتبروها غير إسلاميّة بل و باطلة و كافرة!

بينما آلحقيقة .. هي أنّ معنى آلدِّين عند الله يختلف عن معنى الشَّرع أولاً, و من ثمّ الأسلام ثانياً, فآلدِّين هو دين الله الواحد .. لكنْ بمسميّات مختلفة و يشمل جميع ألأديان الأبراهيميّة و من سبقها من رسالات الله تعالى, و التي عبّر عنها الباري بالأشرعة التي مثّلت رسالات السّماء المتعددة التي جاءت على يد أنبيائه و رسله, و لم يختلف الدِّين الذي سمّاه الله تعالى بآلأسلام من قوم لآخر أو من نبيٍّ لآخر حتى مع إختلاف الأزمان التي وجدوا فيها .. بل هو صراط مستقيم واحد و دين واحد و إسلام واحد من ربّ واحد و ملّة واحدة؛ [قل إنّني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيّماً ملّة إبراهيم حنيفاً و ما كان من آلمشركين](4) , لكن أشرعة الله(5) تعالى و التي كانتْ مداخل و أبواب متعددة لبحر الأسلام العميق, بحسب ألزمكاني و مستوى الوعي الأجتماعيّ في أمّة من الأمم, كشريعة ألزّرادشتية و اليهود و النصاري و الصّابئة و الأسلام المحمدي أخيراً كخاتمة لتوحيد تلك الدّيانات ألتي لا فرق بينها بحسب بيان القرآن الكريم؛
[لِكلٍّ منكم جعلنا شرعةً و منهاجاً](6), لكلّ قومٍ و أمةٍ شرعة(مشرعة) من أشرعة الله المختلفة, و إنّ آلآية المحكمة التي تقول: [إنّ آلذين آمنوا و الذين هادوا و النصارى و الصابئين من آمن بآلله و آليوم الآخر و عمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم و لا خوف عليهم و لا هم يحزنون](7) لهو الجواب الأحكم على ما بيّناه من تفسير دين الله الذي هو (الأسلام) و الله الأعلم, و لذلك أرجو من آلمتابعين و مراجع الدِّين و المثقفين إبتداءاً ألتفريق و عدم الخلط في المفاهيم القرآنيّة و الأنفتاح و آلتأمل عند تفسير الآيات الكريمة المتعلقة بذلك تفسيراً موضوعيّاً فلسفيّاً شاملاً لا تجزيئيّاً متقطعاً, و منها الآية التي تقول:
[إنّ آلدِّين عند الله الأسلام, و من يبتغ غير الأسلام دينأً فلن يقبل منه …](8), فآلمعنى هنا لا يشمل إسلامنا المحمدي وحده؛ بل كلّ الأديان السّماويّة بغضّ النظر عن التحريف ألمؤكد في مذاهبها و طوائفها بما فيها إسلامنا المحمديّ الذي إنقسم إلى عشرات المذاهب و الفرق, و إعلموا بأنّ (العقل الضيق يقود دائماً إلى التعصب) كما يقول أرسطو, و هذا ما هو واقع حالنا اليوم للأسف, بعد ما تسلط علينا مراجع لا يهمهم سوى مصالحهم و دكاكينهم!

إنّ الأفضل في المعيار الألهيّ من بين كافة المسلمين – أيّ كافة الأديان – ألتي تعدّدت شرائعهم, سواءاً (مسلمين أو يهود أو مسيح أو صابئة أو زرتشت أو غير)؛ هو مَنْ يعمل أكثر من الصالحات و يُقدّم الخير للأنسانيّة بشكل أفضل؛ [و من أحسنُ ديناً مِمّنْ أسلمَ وجههُ لله و هو مُحسن و أتّخذ ملّة إبراهيم حنيفاً …](9), لذلك على الجميع ألتأنيّ و الصّبر و التّحمل و الدّقة في فهم حقيقة (الدِّين) الكليّة إبتداءاً, كي يفهم الناس تعريف (ألدّين) بشكلٍ صحيحٍ و الأسلام بشكلٍ أخصّ, بعكس الفهم السائد الآن بآلخطأ, وعند ذاك نكون مسلمين مُتديّنين فكريّاً و ليس شكليّاً .. كمقدمة صحيحة للأيمان, و بآلتالي مُتمكنين من نبذ الكراهيّة بين بني آدم(ع) الذين كرّمهم الله بمختلف إنتماآتهم سواءاً كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين, حيث يقول الباري: [و لقد كرّمنا بني آدم و حمّلناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير من الخلق](10), و بفهمنا لهذه الحقائق الكونية نكون أقدر على نيل السعادة في الدارين من خلال تربية الأبناء و إعداد الأجيال إعداداً صالحاً و الأرتقاء بهم إلى المستوى المطلوب كي يعكسوا سلوكاً إنسانيّاً طيّبأً و مثمراً متسامحين في نفوسهم و مع أهلهم و تعاملهم مع جميع الناس, و على الفقهاء أن يُطالعوا و يجتهدوا في بيان و ترجمة التراث العقائدي بشكلٍ علميٍّ و عمليّ صحيح, بحيث يدفعهم لخدمة الأنسانيّة .. لا للتعصب و التقوقع و العناد و بآلتالي إنتاج الأرهاب العنيف و الناعم بسبب الخلط في المفاهيم و كما هو حال معظم مراجعنا خصوصاً التقليديون منهم.

كما إن ألخلط الفكريّ .. و بآلنتيجة الأخلاقيّ؛ هو آلآخر يؤدّي إلى عدم تمييز ألحقّ من الباطل و الصّحيح من الخطأ, و بآلتالي يؤديّ إلى الفهم المتجزئ و الأنتقائيّ و الخاطئ لمفاهيم ألدِّين آلتي سبّبت العنف و الطائفيّة و نشرت الكراهيّة بين أتباع الأديان ألسّماوية و المذاهب الدّينية لحدّ التكفير و التنجيس و القتل, بل سبّبت الخلاف بين مراجع المذهب الواحد و منهم مراجع الشيعة(11) .. و تلك مسألةٌ خطيرة سبّبت ألتيه و آلضياع و الأرهاب بنوعيه(الناعم و العنيف) و الحروب و الفرقة بين الناس على كل صعيد, لأنّ أساس و قوّة كلّ أمّة هي بثقافتها و حضارتها التي تجعل أفرادها و نخبها قادرة على التمييز بين الأمرين؛ أمر الشرع و أمر ألدّين, الذي هو الأسلام في جميع الدّيانات, و إنّ انعدام التمييز؛ يجعلهم مسوخاً بشريّة لا يمكن التعويل عليها حتى لو وصل إلى درجة الفقيه و المرجع الأعلى!

الأمر لا يتوقف عند مسألة فهم الدِّين و الأسلام الحقيقيّ الذي بيّناه, بل إنّ الناس كلهم بآلنسبة لله تعالى هم عيال الله, و يحبهم جميعاً لأنه الرحمن الرحيم, و رحمته و سعت كل البشر و كل شيئ, ربما الأفضل من بينهم عند الله هو ذلك الذي يُقدّم الأفضل و الأكثر للناس .. و خير الناس من نفع الناس كما يقول الحديث الشريف.

هناك إضطرابات فكريّة وعقيديّة متعدّدة و كذلك تراكمات تاريخيّة متداخلة و معقدة أيضا إرتبطت بالدّين – الأسلام – سببها اضطراب و إختلاف المصادر التأريخية – الدّينية – الإسلاميّة ذاتها, و منها تفسير القرآن الحكيم .. ألذي يعتبر كتاباً غامضاً و متناقضاً يحتمل بدوره التأويلات المختلفة حتى قال عنهُ عليٌّ(ع)؛ (حمّال أوجه)(12) و لا ادري لِم كان و يَكون حمال أوجه؟
و إذا كان حقّاً (حمّال أوجه) و الخلفاء يُفترض بهم أن قرؤوا ذلك؛ فلماذا منعوا تدوين الأحاديث الصحيحة التي فسّرت آيات القرآن, و كذلك آلتفسير الذي كتبه الأمام علي(ع) و الذي بيّن في حاشيته أسباب النزول مع أحاديث مسندة كان يمكن أن تكون سبباً في وحدة الأمة الأسلامية .. بدل تشتتها و فرقتها و مذاهبها التي تعددت السبعين.

كما أن كلّ مراجعنا و “علماؤنا” يدّعون “ألأعلميّة” و “آلفقاهة” و “آلنزاهة” و “آلتقوى” و حتى آلتنويه و الأشارة بل و آلأدّعاء بالأتصال بآلأئمة مباشرةً محاولين حصر الدّين بأنفسهم من دون عامّة المسلمين سواءاً كانوا مسلمين أو يهود أو نصارى أو صابئة أو غيرهم بإعتبارهم جميعاً مسلمين, و هؤلاء مع كل مدّعياتهم ليس فقط لا يفسرون القرآن, بل لا يدرسونه في الحوزة أساساً: و لا أدري كيف يدّعي الأعلمية و هو لا يدرس كتاب الله .. سوى آيات الأحكام ألخمسمائة فقط!؟

و آلحال أنّ كتاب الله الخاتم هو الثقل الأكبر و هو دستور واضح و جامع للبشريّة كما يقولون لكونه آخر رسالة كونيّة و خاتمة عن آلمرسلين من الله حسب معتقد المسلمين المؤمنين بآلثقلين(القرآن و العترة) و يفترض بهم دراسته قبل دراسة السير و التواريخ, و إنّ ضرورة ذلك تأتي بعد ما تعدَّدَت طوائف المسلمين إلى أكثر من 73 فرقة كلّ فرقة تدعي بأنّها هي النّاجية و آلبقية في النار(13), و الحال أنني أعتقد ألعكس تماماً و ذلك بكون البقية – جميع الفرق – في الجّنة و واحدة في النار و هي تلك الفرقة التي تُكفّر و تقتل ألآخرين؟

فليس من المعقول .. بل لا يناسب الصّفات الألهية العظيمة التي جاوزت الألف و في مقدمتها (الرحمن الرحيم)؛ أن يدخل الجنة فئة قليلة(واحدة) لا تتعدى 3- 5% من مجموع المسلمين بمعناه الأوسع, فيما لو سلمنا بصحة الحديث المروي ألذي إتفق عليه الجميع للأسف بسبب ألشّدّ المذهبيّ و التعصب الديني بين المذاهب الأسلامية و الدينية و التي أسس لها طلاب الدّنيا لتشويه الدّين من الأساس!؟

ثمّ لم كل هذا العناء و الفناء بعد الحساب؟
هل حقاً هذه الحياة تستحق كل ذلك!؟
ما هي أصل القصّة؟
و أين يكمن السّر؟

أقوال و سيرة محمد (ألسُّنة) بدورها أيضا لا تختلف عن القرآن كثيراً, و هي الأخرى إحتملت العديد من التأويلات و التناقضات لكنها أكثر تفصيلاً و  إتّساعاً و تشابكاً من القرآن و شخصيّة الرّسول محمّد(ص) من خلال التعامل مع الصّحابة الذين كان بضمنهم 70 منافقاً؛ بدورها جعلت من سُنّة محمد إشكاليّة كبرى و لغزاً لم يصل أحد لحلّه, فقراراته(ص) كانت بدورها و في كثير من الأحيان حدّية و أحيان أخرى تشاوريّة و تارةً  مزاجيّة ربّما غلبت عليها آلعاطفة الأنسانيّة أو الأعراف السائدة لبعض الحدود, مقابل ذلك كلّه يزكي القرآن أقوال و أفعال الرّسول محمد(ص) بقوله تعالى: […إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ و ما أنا إلا نذير و مبين](14), و قوله تعالى: [… إن هو إلا وحي يوحا](15), لكن المؤرخين و الفقهاء حين يدرسون تأريخ الرسول(ص) من خلال المنقول من التواريخ و الرّواة و أقواله(ص)؛ يُعانون و يتصارعون كثيرا من أجل رفع تلكم الإشكالات العميقة و التناقضات الشديدة, ممّا أدخل المسلمين في دوامة التفسير و التفسير ألمضاد و التأويل و التأويل المضاد و خلق تبريرات و من ثمّ مذاهب إسلاميّة عديدة في التفسير تصارعت بضراوة منذ وفاته (ص) و الى يومنا هذا و لا أرى أنّها ستتوقف أبداً لتستمر المهزلة الإسلاميّة و تتسع و كأنهم يتخاصمون كما يقولون؛
على ثوب هريء .. أيّهم يفوز به أوّلا؟

و هكذا ثوب لن يسترهم أو يقيهم حراً و لا برداً حتى ظهور المنقذ الموعود لتحقيق العدالة المفقودة في الأرض بعد إمتلائها بآلشّر نتيجة التناقض و الفتاوى المختلفة و سيطرة الحكومات الوضعية على مقاليد الأمور.

يُمكنك في الإسلام فعل الشيء و نقيضهُ!
و قول الشيء و ضدّهُ في الكثير من العقائد و التشريعات!
و يُمكنك أنْ تجد الأسس الشرعيّة – ألدّينية التبريريّة لكلّ المتناقضات!
و من أبرزها و أقواها: مسألة عزّة النفس(التعالي و التكبر) التي جعلها الله صفة إيجابيّة يرتقي بها المؤمن الملتزم المعالي و الشرف,  لكن في نفس الوقت يُقابلها مسألة التذلل و التواضع للناس و التي جعلها الله تعالى أيضاً صفة يرتقى بها المؤمن لمصاف الأنبياء و أكثر .. بآلأضافة إلى التعصب المذهبي لدى كل فرقة إعتبرت نفسها هي الناجية و الباقية في النار!

فكيف تطلب من شعوب تعيش تحت وطأة هكذا ضغط ديني شمولي و عقيدي غير واضح أنْ تتطوّر و تخلق إنسانا صالحاً, خصوصاً إذا علمنا أن مراجعه من الجّهة الأخرى يؤيدون أو على أقل تقدير .. أو يسيرون بصمتٍ يشوبه التأييد لمسالك و نهج الحكومات الوضعية التي عادة ما تُعمّق الطبقية و الفوارق الأجتماعية, هذا إذا لم نقل أنها تساعد في توطينهم من خلال جمع أموال الخمس و الزكاة و إيداعها في بنوكهم لتقوية إقتصادهم و مشاريعهم!؟

بل العكس – سيكون مع هذا الوضع – شخص و مجتمع متناقض مضطرب متعب و مجهد فكرياً و إنسانياً بالتبعية .. مسلوب الأرادة, لا يقوى على شيء سوى القبول بما يُمليه عليه ولاة الأمر و رجال الدِّين, ليكون أداة طيّعة لتحقيق أغراضهم و وجاهتهم و هي أغراض غير نزيهة في الأعم الأغلب ..
أو ينشأ لديك أشخاص متطرفون مضطربون لا يعرفون ما يريدون, حين تُغلق الأبواب بوجوههم!؟
يقضون حياتهم في حيرة من أمرهم تلاحقهم عقدة الذنب و التقصير و يجدون في العمل الشرير(ألأرهاب) مهرباً لهم من الشّر ذاته!

إنّ التاريخ و المُثل و كثير من الشخوص و النصوص الإسلاميّة التي وصلتنا, و للأسباب التي أشرنا لها خصوصاً خلال [ألسُّنة و السّلف الذي يسمونه (بالصالح)] لم تكن أخلاقيّة في زمن النبي محمد(ص) بمقاييس عصره(ص) ذاته ناهيك عن مقاييس العصور اللاحقة و عصرنا الحاليّ يشهد الكثير من التدهور و الفساد و الأرهاب المجتمعيّ لدى المسلمين عموماً, و ما رأيناه و نراه من تردي شبه كامل في الوضع العام لدى المسلمين و مراجعهم؛ مردّه حسب اعتقادي إلى تلك الأسباب!

فكان التردي الأخلاقي للمسلمين مثيرا للاستغراب و الحيرة للكثيرين الذين ليس لديهم خلفية اسلاميّة خصوصاً الذين لم يطلعوا على النصوص الدّينية و التاريخ الإسلامي و بشكلٍ أخص حين أهملوا صوت المعارضة التي كانت على طول التأريخ الأسلامي تتعرّض للقتل و التنكيل و كانت متمثلة بنهج أهل البيت(ع) الذين جميعهم شرّدوا و قتلوا إلا آخرهم أنجاه الله تعالى لأعداده لعصر الظهور الحتمي لأنقاذ البشرية.

إن التاريخ الذي كتبه المنتصر و المتوكل و الناصر و القائم بآلله و الذين قمعوا صوت المعارضين و نكلوا بأهل بيت النبي(ص), لا يمثل حقيقة الدين, فهارون الرشيد مثلاً كان يقول لأبنه؛[بني ألملك عقيم, لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه رأسك], ثم بعد هذه التربية نرى أن إبنه المأمون يقتل أخيه الأمين طمعاً بآلخلافة و كأنه يذبح شاتاً لا أخاً من أمّه و أبيه .. بل هناك شوارد تسرّبت بعضها متكاملة و بعضها الآخر ناقصة .. قد نقلها المؤرخون عن تلكم الحقب يندى له الجبين و تثبت حقيقة ما ذهبت إليه, بحيث تركت إسقاطات كبيرة على مناهج المراجع الحاليين الذين يدّعون “ألأعلمية” بدين الله و يحصرون الدِّين بأنفسهم و لا يعترفون بغيرهم .. بل يستهزأ بعضهم ببعض أحياناً بتهمة الجّهل و السّطحية بآلمعارف الدّينية لتمويه أفكار مقلديهم المساكين الذين يقلدونهم بلا وعي و معرفة كاملة بفلسفة الدّين!

و بعضهم يرى بأن الدين مواسم تختصر بشهر رمضان المبارك و بآليوم العاشر من محرم و كفى, و لذلك نراهم يرسلون المبلغين للبلدان و الامصار ليلقوا على الناس بعض المحاضرات التكرارية التي لا تزيدهم علماً .. هذا إن لم نقل بأنها تُعمّق الجهل!

و هناك طوائف ترى الدِّين ينحصر بشهر رمضان فقط, و كفى!

و طائفة أكبر ترى بأنّ دين الأسلام يتعلق بمجموعة من رجال الدِّين الذي يدرسون في الحوزات و المراكز, و لا دخل لهم بما يجري على الشعوب و في العالم من مظالم لأنها لا ترتبط بهم لا من قريب و لا من بعيد!
و الحقيقة لم أرَ أجهل و أكثر أنانيّة من هؤلاء المُدّعين الذين حصروا الدين بأنفسهم من دون الناس, و الحال أن أكثر خطب القرآن الكريم يتعلّق بآلناس حين يخاطبهم الله تعالى بـ (يا أيها الناس …)!

إسقاطات كثيرة خلّفتها التفاسير و الروايات بحقّ الدِّين, حتى التأريخ لم يصلنا بشكل صحيح بسبب سياسة المتسلطين الذين أدلجوا التأريخ بما يناسب مصالحهم, و هكذا سار معظم رجال الدين في مسالكهم, فواجه الأسلام شتى المحن و النكبات بدءاً بمعارضة قريش و إنتهاءاً بما نحن عليه اليوم من حركات و توجهات علمانية و إشتراكية و شيوعية و ديمقراطية ترفض الدين جملة و تفصيلا, بل تعتبرها مصدرا ًللتخلف و الأرهاب و القتل!

إنّ ما يُؤكد عدم اهتمام قريش برسالة النبي محمد(ص) و آلدّين الجديد جهلاً أو تجاهلاً؛ أنّ مكة ذاتها كانت مركزاً للعديد من الأديان .. و قيل أنّ فيها آلهة بعدد قبائل العرب إضافة الى وجود الدّيانة ألنصرانيّة و اليهوديّة و الصابئيّة و الحنيفية و حتى الزردشتية بنسب متفاوتة ممّا عقّد الأمر أمام الدعوة الجديدة .. أيّ أنّ مكة كانت عاصمة دينيّة للكثير من الطوائف و الملل إضافة الى مركزها الدّيني يحجّ إليها العرب و غير العرب من كلّ مكان في الجزيرة و خارج الجزيرة من مختلف الملل و النحل و قد كان التسامح المكيّ ضرورياً لأهل مكة و أزدهارها فقد كانت مكانا مقفراً بوادٍ غير ذي زرع يكاد لا ينبت فيه شيئاً و كان السلام و التعددية ضرورياً بمكان لتلك المدينة الصحراوية, مع وجود أخلاقيات لا إنسانية للقبائل البدوية خارج مكة كواد البنات و سلب القوافل و غيرها.

و هناك من يعترض على سياسة ألدّولة التي شكّلها النبي محمد(ص) و ينتقد بعض أخلاقياته التي أنشأها و الصّحابة و التي طفت على السطح عندما إمتلكوا القوة و المنعة خصوصاً بعد وفاته(ص) في يثرب و صار الخلفاء قادرين على الأمر و النهي و مهاجمة القبائل الأخرى التي أتهمت بـ (الرّدة) لسلب قوافلها تماما كما يحصل في عصرنا الحاضر عندما ظهرت العديد من الحركات الأٍسلامية متبعة أسلوب المداهنة و النعومة و التقية في بادئ الأمر لكنها كشّرتْ عن أنيابها بمجرّد امتلاكها للسلطة و النفوذ و ما السعودية الوهابية و طالبان في أفغانستان و باكستان و داعش و الأحزاب الأسلامية الدعوية الأخوانية في العراق و سوريا و سواها من بلاد المسلمين إلا خير مصداق على ذلك الأرهابي.

ألأخلاق البشريّة و العلاقات الأجتماعية تطوّرت بشكلٍ ملحوظ منذ نشوء الحضارة البشريّة التي مرّت بمراحل عديدة و تعرّضت للنقد و التحليل و التعديل لكن مشكلة المسلمين عموماً أنّ اخلاقياتهم أو بالأحرى لا اخلاقياتهم وصلتهم كنصوصٍ جاهزة من قبل الذين تسلطوا على الأمة بغير حقّ, تلك النصوص التي  لم يُمكنهم نقدها و تحليلها أو اختيارها أو تعديلها.

و الوضوح دوماً – خصوصاً عند الفلاسفة – سمة أساسيّة لأيّ مبدأ أو سلوك أخلاقي للفرد و بالتالي لكل مجتمع يقرّ بأنّ الأشياء جيدة لذاتها أو سيئة لذاتها .. يُمكنك حينها أنْ تطمئن على وجود فكر مجتمعيّ مستقرّ و إيجابيّ و بهذا تخلق وعياً لدى آلناس لتمييز السيئ عن الشيء الجيد و العكس صحيح .. لا أن تأتي بفكرٍ أشبه بمتاهة تدخل فيها و لا تخرج منها الا بشق الأنفس هذا انْ استطعت الخروج منها يوما ما؟

و إنْ خرجت منه يكون القتل مصيرك لأنك مرتد .. و حكم المرتد هو القتل!

عندما تعطي طعاماً شهياً للنّاس و تعلم أنهُ يحوي سماً زعافاً فإنك تشارك في جريمة قتل و عندما تربي إبنك او إبنتك على تعاليم بربريّة همجيّة فإنكَ تخلق انساناً معتوها فاسداً شريراً صعب بمكان أن تغير نهج حياته الشرير إلى الجانب الإنسانيّ, و هنا تكمن خطورة الأمر, بل الأسلام الأصيل يأمرك أن تكون مصداقاً للخير و ساعياً له و مبادراً لفعل الخير, فلو رأيت رجلاً أعمى يسير في طريق و هو يقترب من بئرٍ وسط الطريق قد يقع فيه؛ فأن الأسلام يأمرك بأنْ تأخذ بيديه لتُنقذه من المأزق الذي سيواجهه حتماً, لكن للأسف نرى الفقه الأسلامي في جميع المذاهب الأسلامية حتى الديانات الأخرى؛ ترى أنّه ليس من الواجب أن تفعل ذلك و إن وقع ذلك الأعمى في البئر فهو نصيب قدّره الله تعالى له .. من هنا فسّر الفقهاء و المراجع المسائل الأسلامية بشكل خاطئ, فسبب الأرهاب و الأنا و تمزيق الصف الأسلامي – الأنساني!

الأخلاق العربية – الأسلامية المعاصرة و التي إمتزجتْ بأخلاق و دين محمد(ص) و صحبه من خلال ألتأريخ المؤدلج المنقول لنا؛ لم تعد للأسف بدعة أخلاقيّة مستحدثة فقط .. بل تُعتبر نتيجة أخلاق عدوانية متجذرة في الثقافة العربية ناهيك عن الثقافة الإسلاميّة المذهبية و التي انعكست على جميع مناحي الحياة تقريبا و استمرت لمدة ألف و أربعمائة عام, فكل المجتمعات المسلمة تعاني اليوم و لا تستطيع ان تتخلص من معاناتها مهما ثارت و مهما أصلحت من نفسها لأنّ الأسس التي بنيت عليها هي أسس خاطئة بل و شريرة أيما شرّ و المعضلة بل الطامة الكبرى أنهم لا يعتبرونها شريرة مطلقاً بل أمراً اعتيادياً جدّاً و حتى ضرورياً للتقرب من الله!
و لا أدري لماذا لا يسأل هؤلاء المتأسلمون أنفسهم سؤآلا بسيطاً و احداً هو:
لماذا إختار الله من بين ألف صفة و صفة لنفسه كلمة (الرّحمن) ثم كرّرها بـ (الرّحيم) في جملة واحدة – بل في عنوان واحد كبير و هي تخالف البلاغة التي ترفض التكرار .. بل و تكررت في بداية كلّ سورة من سور القرآن الكريم كعنوان و إسم لحقيقته جلّ و علا؟

مسألة أخرى أهمّ: لماذا إستعان القرآن الكريم – الذي أنزله الله تعالى قرآناً عربياً – الكثير من الكلمات و المصطلحات الغير العربية!؟
أ لا يدلّ هذا على أن القرآن يأمرنا .. بل و يدفعنا لئن نستفيد من الثقافات الأخرى, فما ضير من الأستعانة بآلأدب و الفكر الفارسي الأصيل الذي يتوافق في أكثر مفاصله مع القرآن نفسه!؟
ما ضير أن نُطالع الآداب و الفنون الأخرى و حتى التوراة و الأنجيل لنرى التوافق أو ربما موارد الخلاف إن وجدت مع القرآن!؟

أ لا يعتبر معرفة ثقافة شعب من الشعوب قوة و دعماً و نهضة!؟

أخلاقيات العرب وغيرهم قبل الإسلام :-
لقد ضيّق الإسلام على كثير من المصادر الأخلاقية فكانت أخلاق العرب جاهلية بتعريف المتكلمين والفقهاء المسلمين وأخلاقيات الأمم الأخرى أخلاقيات دونية لا ترقى إلى ما جاء به محمد وقرآنه وأخلاقيات الفلاسفة أخلاقيات بدعية لا يمكن ان تعتبر نهجا مقبولا على الإطلاق فخسرنا التنوع و التطور الأخلاقيين وها هم المسلمون يطالبون العالم المتحضر بتغيير أخلاقياته لتنسجم مع اخلاقياتهم !!!!

المجرمون المتأسلمون بكلّ اطيافهم و مذاهبهم ارتكبوا الجرائم البواق و هم يظنون أنهم يحسنون صنعا و يتقربون إلى الله بتعصبهم و بما يفعلون من إرهاب و هذه هي الطامة الكبرى, و ممّا زاد الطين بلّة أنهم سوقوا أنفسهم مُصلحين و أصحاب حركات إصلاحية  و أوصياء على الناس وخلقوا مثلا( أخلاقية ) فرضوها على الناس و من يرفض هكذا تعاليم و مثل ( أخلاقية ) فجزاؤه النبذ أو حتى القتل أو الموت جوعاً عبر الأرهاب الناعم كأخبث طريقة للأصلاحيين الجدد!

و كل التجارب التاريخية و المعاصرة و التعليم الحديث لم تؤثر على ارتقاء الشعوب العربية و الإسلامية إلا قليلا بل أن الحركات الأرهابية و الدكتاتوريات العربية و المسلمة حاولت الأنتفاع من هذا التطور البشري كي يكون أداة لها لتطويع الشعوب و لشراء السلاح و تكوين الأحلاف و تدعيم الحكم المتسلط و ليس لخدمة شعوبها للأسف.

المسلمون لم يضطهدوا غير المسلمين فحسب .. بل اضطهد بعضهم البعض و دارت حروب عديدة بينهم و كان الصّراع الطائفيّ الإسلاميّ خطير و صادم و مرعب بين الطوائف الإسلامية و ما نراه في العراق و سوريا و البحرين و السعودية و اليمن و غيرها ليس وليد لحظة .. بل انفجار لبركان ظلّ نائماً لعقود بل لقرون و البراكين الإسلامية تنفجر كل مدّة و قد تطول هذه الفترة أو تقصر لتخلف ركاماً هائلا من الجثث و الخراب و قدراً مروعاً من الخوف و الألم و الأحزان.

حركات الإصلاح الإسلاميّة:
كانت لدينا العديد من حركات الإصلاح في التاريخ الإسلامي, لكن كالعادة لا يوجد لدينا اتفاق على مدى صحة إصلاحات هذه الحركات, خصوصاً بعد معرفة تصرفات و مواقف مبتدعيها, فإن ظهرت جماعة هنا تظهر جماعة تناصبها العداء هناك, و لم يكن العداء لفظياً في الأعم الأغلب بل اشتمل على عمليات قتل و إبادة بل و حروب و أعمال شغب, و بعضها تستخدم (الأقتصاد و المال) كوسيلة لنشر الأرهاب الناعم و كما بيّنا ذلك في مقال مفصل كانت على شكل رسالة للحاكمين في بغداد بعنوا: [آخر رسالة تهم مستقبل العراق].

لقد ظهرت لدينا فرقة القرامطة كحركة إصلاحيّة قام بها العبيد و المضطهدون و حققوا نوعاً متميزاً من الاشتراكية القائمة على العدالة الاجتماعيّة و لكن هناك دوماً مَنْ يعترض خصوصاً أصحاب المصالح و المناصب!

إذْ توحّد الحكام و الفقهاء و العسكر من أمثال (المتوكلين) و (العثمانيين) للقضاء عليها و كانت الإبادة الجماعيّة كالعادة أسهل و أسرع طريقة لحلّ المشاكل آنذاك, علما أن هذه الحركة أيضاً قامت إبتداءاً بفظائع دموية حالها حال جميع الحركات الثورية الأخرى, لأنّ المصدر كان دوما هو الإسلام ألمشوّة الذي وصل بأيدينا حتى يومنا هذا, فحكام العرب من بغداد إلى مصر و السعودية و الجزائر و تونس و غيرها ما برحوا يتكلمون عن الأسلام و حتى العدالة, و لكن حين تنظر إلى راتبه و مخصصاته و فساده في المال العام؛ تقف حائرا ًبماذا و كيف تتعامل مع هؤلاء المنافقين ألذين يتمترسون بآلأحزاب و اللوبيات الأجنبية التي تحميهم.

إنّ المعتزلة كفرقة قدّست ألعقل و المعرفة .. متأثرة بالفكر الإغريقي, كان لها الأثر الكبير في ارتقاء المجتمع آنذاك و قد إتسع نطاقها لدى النّخبة المثقفة و المتعلمة بل و حتى الأمراء و القادة المجتمعيين و قيل أن الخليفة المأمون كان قد تأثر بهم و كان للمعتزلة نتاج فكريّ و ثقافيّ, بل و حتى ديني كبير وعظيم و كالعادة برز الخلفاء و الفقهاء في العصر اللاحق مستخدمين ما لديهم من نفوذ و قوة لقمع هؤلاء المتنورين ليخسر المجتمع المسلم فسحة فكرية لم تتكرر لاحقا إلا قليلا.

كما كانت لدينا حركات تنويرية عديدة وجدت نفسها خارج الإسلام طوعاً أو كرهاً لأنّ مبادئها كانت تصطدم بالضرورة بالإسلام المؤدلج و إختارت هذه الحركات أنْ تكون لها نظاماً دينيا و اجتماعيا مستقلاً بها كما هو الحال مع العلويين في تركيا أو في سوريا اضافة الى الدروز و البهائيين و الفرقة الأحمدية و القاديانية و إخوان الصّفا و سواهم, لكن جميعها  بالطبع تعرضوا لعمليات قمع و إبادة منها ما يزال سارياً لغاية هذا اليوم.

بروز الدكتاتوريات العربيّة :
إذا خصصنا الكلام عن العرب في العهد القديم و تأريخهم الأسلامي الذي أقصى أهل البيت(ع) عن الخلافة بعد الرسول(ص)؛ فكان لا بد أن يقود الأمر إلى ظهور الملوك و الديكتاتوريات العربيّة في العصور اللاحقة و الحالية, بل إن ظهورها كان مطلوبا ليتوافق مع النسق العام للمجتمعات المسلمة و تطورها, أيّ أنّ المجتمعات كانت متوافقة مع ظهور الإرهاب و الدكتاتورية و منسجمة معه إن لم يمكن حتمياً بسبب الثقافة و النمط الأخلاقي الذي تربى عليه قروناً بسبب مَنْ تسلطوا عليه بعد رسول الله(ص).

و إنّ (داعش) و أخواتها هي الأخرى .. كانت نتيجة طبيعيّة و حتميّة للدِّين ألمؤدلج ألذي لم يبق منه إلّا شكله و طقوسهُ؛ كان حتمياً أن تظهر كل تلك الحركات الأسلاميّة و الحزبية و الإرهابيّة بنوعيه (ألناعم) و (المتوحش) في عصرنا الحالي (عصر ما بعد المعلومات), و آلتي كانتْ ظهورها صادماً للمجتمع الدّولي إعلامياً فضلاً عن المجتمع المسلم ذاته الذي عاش مؤخراً – بعد إنتصار الثورة الأسلامية – فترة لا بأس بها في ظل نهج الثورة الأسلامية و أطلالتها العلميّة و الثقافيّة التي غيّرت الكثير من المنعطفات التأريخيّة و العقائد العلمانيّة الهشة و الأشتراكية و الديمقراطية الغربية و غيرها, من خلال النهج العلميّ و الأخلاقيّ الجديد و المغاير لما كان سائداً, ممّا هدّد مصالح القوى العظمى التي توحّدت للقضاء عليها أو أجهاضها و تحجيمها على الأقل!

إن مشكلتنا اليوم: هي أن الغرب و بدعم الحكومات الوضعيّة مالياً خصوصا الوهابيّة في الخليج و في مقدمتها السعودية سارعوا لأحتضان تلك الجماعات الأرهابيّة لضرب عصفورين بل عدّة عصافير بحجرٍ واحد كما يقول المثل, و تحقّق لهم بعض ما خططوا له, حيث كانت النتيجة إخضاع و إجبار جميع القوى الوطنية و الأسلاميّة و غيرها .. لئن تُعلن الطاعة و الولاء مرغمة للسّيادة الأمريكيّة التي دخلت المنطقة بقوّة مفتخرة أمام الناس بأنها تحارب الأرهاب الأسلاميّ, و هكذا هزمت جميع أسلحة الحركات الأسلاميّة بما فيها الفكريّة العقائديّة التي سارع المتصدين فيها بآلتأقلم مع الشيطان الأكبر, بل و بدأت تنادي بإستبدال حركاتها و تأريخ شهدائها بآلعلمنة و النظام الرأسمالي لأجل مصالحها الحزبية الخاصة!

يبدو أن النار كانت كامنة تحت الرّماد .. و إستعرتْ فجأةً بعد إنتصار الثورة الأسلاميّة, و خوف المستكبرين من خسارة النفط الخليجي الذي كان يُنهب بفضل الحكومات القائمة عليه, خصوصا بعد ما نشطت حركات العودة إلى الهوية الإسلامية و التبشير الإسلامي للعودة إلى الجذور التأريخية الشريرة التي أشرنا لها ..

فما كان منهم إلا أن ركّزوا على تلك الجذور المتوحشة الكامنة فيها و التي لم ترحم و لن ترحم, و جميعها تزامنت مع بدء نجاح الثورة الأسلامية بقيادة الأمام الخميني عام 1979م, لحرق الأخضر و اليابس كما يقول المثل العراقيّ, حين جعلت الثورة الأسلامية مصدراً للأرهاب بحسب تعريفها و بمصاف الحركات التكفيرية التي إصطبغت بلون الأسلام.

و الحقيقة إن الأرهاب الأسلاميّ ليس ردّة فعل فحسب .. و لم تظهر في ليلة و ضحاها .. بل هو فعل مقصود و مدروس لهُ أسسه الأيديولوجيّة و العقائديّة و الماديّة توفرت له ركيزتان أساسيتان ألمال و القوّة العقائدية – البشريّة, و الأخطر من ذلك هو إحتضانها و دعمها من قبل الأستكبار  .. لردع الثورة الأسلاميّة التي جاءت أساسا لتحارب الأرهاب, حيث إستطاعت القوى العظمى بقيادة أمريكا و بقوة الأعلام الجّبار الذي تملكه .. من إستغلال الموقف بشكلٍ مثاليّ لتصفيّة الحساب معها!

لكن ما البديل و سط هذه المستنقعات الآسنة؟
هذا هو السؤآل المحوري الأهمّ و الذي لو إستطعنا الجّواب عليه؛ سنكون قد قدّمنا المنهج الأمثل ليس للمسلمين فحسب .. بل للبشرية جمعاء:

إبتداءاً .. من آلسّهل أنتقاد كثيرين .. ينتقدون الإسلام, لكن ظلّ البديل شبه غائب على الأرض بفعل الأعلام الغربي الموجّه بجانب جهل الأمة بآلأسلام الحقيقي و تمسكهم بدين تقليدي ظلّ مركوناً في غرف الحوزة و مدارس الدرس في النجف و الأزهر و غيرهما بسبب المحنة الفكريّة التي أصابتهم بعد منع تدوين الحديث و تفسير الأمام عليّ(ع) و تسلم زمام الأمة الأسلامية من لم يكن أهلاً لذلك .. نعم هناك تنظيرات عديدة و محاولات كثيرة صاخبة و خافتة ظهرت و عانت من مصاعب جمّة على الساحة الواقعيّة و السّبب هو العنف و العنف المضاد لتلك البدائل و التنظيرات التي كانت تشوبها النظرة الشوفينية القومية العربيّة و الإسلاميّة المتمذهبة .. لكني أؤمن أنّ أخلاقيات الإسلام العربي الداعشيّ الوهابيّ في طريقها إلى الزوال سواء الآن أو بعد عشرة عشرون ثلاثون أو حتى مائة سنة فهي زائلة لا محالة لأنّ الحضارة الحديثة بقيادة الدولة الأسلامية السلمية  قد كشفتْ زيف تلك الحركات و لم تعد تتقبل هكذا معتقد إسلاميّ ساديّ ساد للآن .. و على المسلمين قبل غيرهم أن يأخذوا زمام المبادرة قبل أن تفرض عليهم و أن يتأقلموا مع الواقع الجديد و العودة إلى آدميتهم مرة اخرى.

و بآلمقابل فأن الثورة الأسلامية بمنطقها الأخلاقي و العلمي و الحضاري ستُهزم كل القوى العظمى مستقبلاًّ

لكن الخوف الأكبر ألآن يتجلّى بوضوح و كما بيّنا؛ في  الأرهاب ألنّاعم الذي تستخدمه الحكومات المستحدثة و التي بعضها تأتي للحكم حتى عن طريق الدّيمقراطية “المستهدفة” .. لا الدّيمقراطية الهادفة التي تستخدم الوسائل الشرعيّة للوصول إلى الحكم, فعادّة مّا تكون الأموال و الوجاهات و الدّجل و الخديعة و خلق الأعداء الوهميين و العمالة للقوى العظمى وسائل فعالة لفوز حزب أو شخص معيّن, ترتاح له القوى العظمى في المنظمة الأقتصادية العالميّة لضمان نهبها و تسلطها, و هنا تكمن الخطورة الكبرى على الشعوب في المستقبل.

من جانب آخر .. على العرب و معهم المسلمين المتعصبين أن يوقفوا مدارس تحفيظ و تفسير القرآن بآلشكل الذي ساد للآن و رفض تعليم سُنّة (محمد الوهابيّ التيمي), و إستبدالها بدراسة تأريخ الأسلام من جديد و بيان الصّفات الألهية الرّحيمية و الفلسفة و العلوم الاجتماعية الحديثة و إدخال مناهج أدبية و إنسانيّة عرفانيّة من جميع الثقافات حتى ألليبرالية و آلعلمانية إن كانت تحوي على شيئ منها لتستلهم من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان و المثل (الديمقراطية الهادفة) و (الإنسانية السّمحة) مادتها الرئيسيّة و الإستفادة من تجارب الأمم الأخرى, ألّتي ارتقت بأخلاقياتها لتصبح على ما هي عليه الآن من تقدم مدنيّ لا حضاريّ(16) كآلجمهورية الأسلامية الأيرانية, لأنّ المطلوب كما بيّنا في مقدمة البحث تحقيق الأتجاهين(ألمدنيّ و الحضاريّ) معاً لتحقيق سعادة جميع المجتمع و ليس فئة خاصة تملك زمام الأقتصاد و المال و الثروة, و هذا ما يسعى له الغرب, و لهذا يفصل بينهما, و هي بآلحقيقة إنّما تؤشر بآلعمق لمسألة الأخلاق قبل كلّ شيئ .. و التي مصدرها الأساس هي الأديان السماوية, لأنّ الدّين الذي يأمر بآلأخلاق الأنسانيّة يرفض مبادئ السيّاسة اللعينة ألسّائدة و التي تبيح جميع الوسائل للوصول إلى الغاية .. حتى لو كانت الوسيلة قتل شعوب بأكملها و كما فعلت و تفعل الدول العظمى التي تحكمها أمريكا و كندا و فرنسا و ألمانيا من قبل و التي سببت حروباً عالمية و غيرها من الدول التي ما برحت تؤجج الحروب و تقتل الشعوب بدعاوى مختلفة منها محاربة الأرهاب .. ذلك الأرهاب الذي هم أنفسهم دعموه بآلسلاح و التعبئة و الدّعم المالي عن طريق الحكومات التابعة لهم مستغلين بذلك الصفحات الأسلامية ألتأريخية السوداء التي تدعو لها الوهابية اليوم بقيادة آل سعود!

إنّ الجواب الأدق لمعرفة حقيقة الأسلام الطاهر و صفات المسلم و المؤمن الحقيقي هو ما ورد في القرآن و الأحاديث المتواترة التي نقلها المعارضون لا آلسلاطين و وعاظهم, و هي على مستووين:
ألشّخصي؛ و تشمل:
آيات عديدة جاوزت المئة بيّنت أخلاقية و صفات المسلمين ثمّ بعدها خصوصيات المؤمنين, و بعدها ألأبرار فالصّديقيين .. ثم الأولياء المقربين, وصولاً إلى الأنبياء و المعصومين(ع), و قد ضمّت سورة (المؤمنون) باقة جميلة من الصّفات الأخلاقيّة العالية للمؤمنين بوضوح .. يمكنكم مراجعتها و الأستلهام منها.

كما أن هناك روايات عديدة و مفصّلة, بيّنتْ صفات ألمؤمن الحقيقيّ بآلغيب و بقيم الأنسان المسلم الكونيّ, إخترتُ لكم ألتالي و أعتقد بأنّها كافية لبيان الهدف من هذا المقال:
عن ميسرة قال: قال أبو جعفر عليه السلام : [يا ميسر أَ لَا أخبركَ بشيعتنا؟ قلتُ : بلى جعلتُ فداك ، قال: إنّهم حصونٌ حصينة ، في صدور أمينة، و أحلام رزينة، ليسوا بالمذاييع البذر, و لا بالجفاة المُرآئين، رهبان بالليل، أسد بالنهار، و (البذر القوم الذين لا يكتمون الكلام)].

عن ابى عبدالله عليه السلام قال: [إنّ شيعة عليّ خُمّص البطون ذبل الشفاه من الذكر].
عنه عليه السلام قال : [إنّ أصحاب عليّ(ع) كانوا المنظور اليهم في القبايل، و كانوا أصحاب الودايع، مرضيين عند الناس, سهّار الليل مصابيح النهارٍ].

و قال ابن حجر في الصواعق: أخرج الطبراني عن علي ( عليه السلام ): إنّ خليلي رسول اللّه قال: [يا علي إنك ستقدم على اللّه و شيعتك راضين مرضيين و يقدم عليه أعداؤك غضابي مقمحين].
الخصال وج 15 كتاب الكفر ص 30 : عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: [ما ابتلى الله به شيعتنا فلن يبتليهم بأربع: بأن يكونوا لغير رشدة، و أن يسألوا بأكفّهم، و أن يؤتوا في أدبارهم، و أن يكون فيهم أخضر أزرق].
الخصال ج 16/123، وج 20/40 : عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: [ما كان في شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء: لا يكون فيهم من يسأل بكفّه، و لا يكون فيهم بخيل، و لا يكون فيهم من يؤتى في دبره].
ثواب الأعمال ط كمباني ج 15 كتاب العشرة ص 211: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: [إنّ الله عزّوجلّ لم يبتل شيعتنا بأربع: أن يسألوا الناس في أكفّهم، و أن يؤتوا في أنفسهم، و أن يبتليهم بولاية سوء، و لا يولد لهم أزرق أخضر.
الخصال وط كمباني ج18 كتاب الطهارة ص134: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: [إنّ الله عزّوجلّ أعفى شيعتنا من ستّ: من الجنون، و الجذام، و البَرَص، و الاُبنة، و أن يولد له من زنا، و أن يسأل الناس بكفّه].
الخصال وط كمباني ج 20/40: عن المفضّل، عن الصّادق(عليه السلام) قال: [أ لا أنّ شيعتنا قد أعاذهم الله عزّ َو جلَّ من ستّ: من أن يطمعوا طمع الغراب، أو يهرّوا هرير الكلب، أو أن ينكحوا في أدبارهم، أو يولدوا من الزنا، أو يولد لهم من الزنا، أو يتصدّقوا على الأبواب].
عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: [شيعتنا ثلاثة أصناف: صنف يأكلون الناس بنا، و صنف كالزجاج ينهشم، و صنف كالذهب الأحمر، كلّما اُدخل النار ازداد جودة, و تقدّم في «أكل» ما يتعلّق بذلك].
عن ابى بصير قال ابوعبد الله ( عليه السلام ): [إياك و السفلة من الناس ، قلت : جعلت فداك و ما السفلة؟ قال : من لا يخاف الله إنّما شيعة جعفر من عفّ بطنهُ و فرجهُ وعمل لخالقه و إذا رأيت أولئك فهم أصحاب جعفر].
عن ابى عبد الله ( عليه السلام ) [ سأله فروة, بأيّ شئ يعرفون شيعتك؟ قال: الذين يأتونا من تحت أقدامنا].
عن ابى عبدالله بن بكير قال : [قال أبو الحسن ( عليه السلام ), يا بن بكير, أنى لَأَقول قَولاً قد كانت آبائي عليهم السلام تقوله : (لو كان فيكم عدّة أهل بدر لقام قائمنا يا عبدالله, إنا نداوي الناس و نعلم ما هم ، فمنهم من يصدّقنا المودة و يبذل مهجته لنا, و منهم من ليس في قلبه حقيقة ما يظهر بلسانه و منهم من هو عين لعدونا علينا يسمع حديثنا و ان أطمع في شئ قليل من الدّنيا كان اشدّ علينا من عدونا، و كيف يرون هؤلاء السرور و هذه صفتهم؟ إنّ للحقّ أهلا و للباطل أهلا ، فأهل الحقّ في شغل عن أهل الباطل ينتظرون أمرنا و يرغبون إلى الله ان يروا دولتنا ليسوا بالبذر المذيعين و لا بالجفاة المُرائين، و لا بنا مستأكلين ، و لا بالطمعين ، خيار الأمّة نور في ظلمات الارض، و نور في ظلمات الفت، و نور هدى يستضاء بهم ، لا يمنعون الخير اوليائهم، و لا يطمع فيهم اعداؤهم، إنْ ذكرنا بالخير إستبشروا و إبتهجوا و إطمأنت قلوبهم و أضاءت وجوههم، و إن ذكرنا بالقبح إشمئزّت قلوبهم و إقشعرّت جلودهم و كلحت وجوههم و ابدوا نصرتهم و بدا ضمير افئدتهم، و قد شمروا فاحتذوا بحذونا، و عملوا بأمرنا, تعرف الرهبانية في وجوههم، يصبحون في غير ما الناس فيه و يمسون في غير ما الناس فيه، يجأرون إلى الله في اصلاح الأمّة بنا، و أن يبعثنا الله رحمة للضعفاء و العامة، يا عبد الله؛ (أولئك شيعتنا و أولئك منا ، و أولئك حزبنا، و أؤلئك أهل ولايتنا].
و قال الصادق ( عليه السلام ): [إنّما شيعة عليّ من عفّ بطنهُ و فرجهُ ، و إشتدّ جهاده ، و عمل لخالقه و رجا ثوابه، و خاف عقابه، فاذا رأيت أولئك, فاولئك شيعة جعفر].
نختم الكلام برواية ذهبيّة إختصرت كلّ ما ورد سابقاً تقريباً عن صفات المؤمن الحقيقيّ, عن الأمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام), حيث قال لجابر و هو يصف المؤمن الحقيقيّ: [يا جابر؛ أ يَكْتَفي مَنْ إنْتحل آلتّشيّع أنْ يقولَ بحبّنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلّا مَنْ إتّقى الله و أطاعهُ، و ما كانوا يعرفون إلاّ بالتواضع و آلتّخشع و كثرة ذكر الله و آلصّوم و الصّلاة و آلتّعهد للجيران من آلفقراء و أهل المسكنة و الغارمين و الأيتام و صدق الحديث و تلاوة القرآن و كفّ الألسن عن الناس إلّا من خير, و كانوا أمناء عشايرهم في الأشياء].

و إنّ المؤمن يتعفّف عن الرئاسة و السّلطة إلّا بآلحقّ, حيث يحرّم أنْ يتصدى غير آلكفوء لمنصب لا يليق به، و لذلك وردت روايات كثيرة في ذمّ من يتصدّى لشؤون المسلمين و فيهم من هو أعلم منه, و كما هو واضح في الرّوايات التالية:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): [مَنْ أمَّ قوماً و فيهم من هو أعلم منهُ لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة](علل الشرائع: ص326).
و في حديث: [… و فيهم من أعلم منه و أفقه](
ثواب الأعمال و عقاب الأعمال: ص206 عقاب من أمَّ قوماً و فيهم من هو أعلم منه و أفقه).

و قال (صلى الله عليه و آله): [إنّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها، فمنْ دعا الناس إلى نفسه و فيهم من هو أعلمُ منه, لم ينظر الله إليه يوم القيامة](ألأختصاص: ص251).
و قال (صلى الله عليه و آله): [أ لا و مَنْ أمَّ قوماً إمامة عمياء, و في الأمّة من هو أعلمُ منه فقد كفر](الصراط المستقيم: ج3, ص 135).

و في تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [من ضربَ الناس بسيفه و دعاهم إلى نفسه, و في المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ مُتكلف]( تفسير العياشي: ج2 ص85 سورة البراءة ح40).
و قال (صلى الله عليه و آله): [ما ولّت أمّةٌ أمرها رجلاً و فيهم من هو أعلم منه, إلّا لم يزل يذهب أمرهم سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا](الأحتجاج: ص 151).
و آلإمام الحسن المجتبى (عليه السلام), قام على المنبر حين اجتمع الناس مع معاوية, فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: [أيّها الناس إنّ معاوية زعمَ أنّي رأيتهُ للخلافة أهلاً و لم أرَ نفسي لها أهلا، و كذّب معاوية, أنا أولى الناس في كتاب الله عز و جلّ و على لسان رسول الله (صلى الله عليه و آله)، أقسم بالله لو أنّ الناس بايعوني و أطاعوني و نصروني لأعطتهم السّماء قطرها و الأرض ببركتها و لما طمعتَ فيها يا معاوية, و قد قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): (ما ولّت أمّة أمرها رجلاً قط و فيهم من هو أعلم منه إلّا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل, و قد ترك بنو إسرائيل هارون و أعتكفوا على العجل و هم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى) (عليه السلام)](العدد القوية: ص51).
و قال (عليه السلام): [من دعا إلى نفسه و فيهم من هو أعلم منه فهو ضالّ مكلف]( مشكاة الأنوار: ص333 في الرّياسة).
و روي عن العالم (عليه السلام): [من دعا الناس إلى نفسه و فيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال](فقه ألرضا(ع), ص383 باب البدع و الضلالة).
و عن أبي ذر (رض): [إن إمامك شفيعك إلى الله تعالى, فلا تجعل شفيعكَ إلى الله سفيهاً و لا فاسقا](علل الشرائع, ص 326).
و أمّا على المستوى الأجتماعي – ألسياسيّ: فإنّ الأسلام أوّلاً رفض التحزب و التكتل و آلتنظيمات ألسّرية و المرجعيّات المختلفة التي تسعى لجلب الرئاسة و المال لنفسها و لمؤسسيها بعيداً عن مصلحة الأمّة و المجتمع .. ما لم يكن بإذن الولي الفقيه الأعلى الذي يُعتبر المرجع الأوحد للأمة الأسلاميّة و الأنسانيّة من خلال ألوزارات و ألمؤسسات الرّسمية و اللجان العلميّة و التخصصيّة التي تعمل ضمن التشريعات الألهية, و لمعرفة التفاصيل أرجو مراجعة بحثنا الموسوم بـ : [ألسياسة و الأخلاق؛ مَنْ يحكمُ مَنْ], و كذلك: [الشهيد الصدر؛ فقيه الفقهاء و فيلسوف الفلاسفة], حيث أوردنا في الفصول الأخيرة منها مباحث هامة بهذا الشأن, و الحمد لله على كل حال.

عزيز الخزرجي
مفكر كونيّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بعد قضية السقيفة المعروفة, إنزوى الأمام(ع) في بيته يجمع ويرتب القرآن مع بعض الشروحات و التوضيحات الوافية بشأن أسباب نزول الآيات, لكن الخليفة الأول أبو بكر الصديق,منع ذلك الكتاب مُدّعياً خوفه من خلط المسلمين بين آيات القرآن و ما ورد في الهامش من بيانات و أسبابٍ للنزول, و بذلك حُرِمَ المسلمون من كنزٍ عظيم كان يمكن أن يوحد صفوفهم و فكرهم و منهجهم للأبد بعيدأً عما هم فيه الآن من الفرقة و المذاهب و التكفير.
(2) راجع الحلقة (8) من محنة الفكر الأنسانيّ.
(3) سورة آل عمران / 85.
(4) سورة الأنعام / 161.
(5) معنى(الشرع)؛ أي شرعا البيت: صار على طريق نافذ و  الباب إلى الطريق, أي شرع إلى الطريق, و جمعه شوارع, و هو آلطريق النافذ الذي يسلكه جميع الناس, و شرعا و شروعا في الماء, دخل فيه أو شرب بكفيه منه, و هو الطريق إلى الماء, و يأتي جمعه : بآلشرائع, أي مورد الشاربة, و يستفاد من ذلك ككناية لكل دين, بمعنى أن الأسلام هو البحر و أشرعة الدخول لهذا الأسلام متنوعة كما أشرعة البحر متنوعة و كثيرة.
(6) سورة المائدة / آية 48.
(7) سورة البقرة / 62.
(8) سورة آل عمران / 85.
(9) سورة النساء / 125.
(10) سورة الأسراء / 70.
(11) توجد خلافات كثيرة بين مراجع الشيعة كما مراجع الدين في المذاهب و آلأديان الآخرى, و ما يهمنا هو بيان الخلافات بين مراجع الشيعة الذين أكثرهم يتترسون تحت مسمى(الأعلمية) لأسكات الناس و سحب البساط من تحت أرجلهم, فمثلاً بعضهم يرى أن ولاية الكافرين واجبه عملياً و يرون لذلك تبريرات من خلال مبدأ (التزاحم) الفقهي, و لذلك فأن اللجوء في أحضانهم و أستمداد العون المالي منهم و حتى مشاركتهم في تحقيق برامجهم للثورة ضد المراجع الآخرين مسألة شرعيّة وهذا ما لاحظته في عدد من مراجع الدين التقليديين في النجف و حتى قم و كربلاء بشكل خاص, كما إن مراجع آخرين يفسرون آيات القرآن بما يتناسب مع وضعهم المالي و راحتهم الشخصية و العائلية, و هي في الحقيقة التكتم عن آيات الله لمصالحهم الخاصة, و منها كما أشرنا في موضوعات سابقة؛ مسألة تفسير آيات(الحكم) في سورة المائدة, أو سورة الجمعة او سورة محمد!
القضية لها جذور في عمق الفكر الأسلاميّ المنحرف أساساً بسبب مرجعيات الوجاهة و “الأعمية” التخديريّة التي دمّرت الأمّة و أجهضت نهضتها – خصوصا ألشيعة – و لقرون و قرون, بجانب العقلية العراقيّة و العربية التي تميّزت بآلجحود و التحجّر بآلنسبة لهذه الثورة العظيمة العملاقة التي هزت العالم و غيرت كل معادلات المنطقة و الغرب, بينما كان المفترض بهم و بمراجعهم التقليديون أن يكونوا قبل غيرهم من المناصرين تحت لوائها المبارك الذي أخبرنا عنه الآيات و الروايات قبل أكثر من 1400م , لكن يبدو أنهم ما زالوا يناقشون مسألة”التزاحم” و “الأحوط” و “الخرطات التسعة و العشرة”.
ألقضية تمتد لما هو أبعد من ذلك .. حيث لها جذور في عمق التأريخ الأسود الذي وصلنا من المغرضين بشكل يختلف تماما عمّا أراده الباري تعالى لنا؛ فقد وصلنا إسلام تقليديّ تجرّأ فيه بعض مراجع الدّين حتى على لَيّ و تفسير القرآن – ناهيك عن الروايات – بحسب مُشتهاهم و رؤيتهم و مصالحهم الخاصة, حين فسّروا حتى المحكمات كآية(و من لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون؛ الظالمون؛ الفاسقون)! و رغم عدم وجود كلمات أقوى و أفصح و أبْين و أدق من هذه الكلمات في اللغة العربيّة للتعبير عن وجوب إقامة الحكم الأسلامي؛ لكني سمعتُ بنفسي من بعض “مراجع” التخدير المقدسين لدى أهل العراق و غيرهم بأنّ تلك الآيات تتعلق بآلقضاء و ليس بآلحكم الأسلامي و كفى الله المؤمنين القتال و مسؤولية أقامة الحدود الأسلامية .. هذا من جانب, أمّا جانب إخواننا السُّنة التقليديون؛ فهم أيضاً قد غيروا حتى أصل و أصول الدّين و أمامة المسلمين, و القضية لا تحتاج إلى بيان أوضح .. كل هذا لأجل دنيا زائلة و إبقاء دكاكينهم مفتوحة للأسف!
قضية الوعي ما زالت غائبة عن عقول العلماء و المثقفين و الكتاب و المثقفين بما فيهم شبكات الأعلام العراقية و المراكز و الحوزات الدينية : لذلك فأنّ أمر غياب أمامنا المهضوم المهمو م الأمام الحجة(عج)  بسبب هؤلاء ستطول و تطول إلى آمادٍ أُخر .. و لا أعتقد بظهوره في هذا العصر و بهذه العجالة مهما دعونا في صلاةٍ تقليديّة ما لم نغيير قلوبنا و عقولنا التي حكمت على الأشياء بغير عدل و حكمة و مراد الله, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.

(12) ضم القرآن الكريم كما الكتب السماوية الأخرى سور و آيات كثيرة فيها؛ الناسخ و المنسوخ؛ العام و الخاصّ؛ المُحكم و المُتشابه؛ المُطلق و المُقيّد؛  ووووووإلخ.
(13) في أحاديث متواترة و قدسية, ورد عن الرسول(ص),قوله: [إفترقت أمة موسى إلى أحدى و سبعين فرقة و إفترقت أمة عيسى إلى إثنان و سبعين فرقة, و ستفترق أمتي إلى ثلاثة و سبعين فرقة, واحدة منها هي الناجية و الباقي في النار].
(14) سورة الأحقاف / 9.
(15) سورة النجم / 4.
(16) هناك معظلة كبرى في مسألة التمدن و التحضر, و الفرق بينهما, و الجدير قوله: هو أن الغرب تقدم في المجال التكنولوجي و العلمي .. لكنه أخفق في المجال الحضاري و الثقافي الأجتماعي, و السؤآل الذي يطرح نفسه , هو: هل التقدم التكنولوجي و العلمي لوحده يستطيع أن يحقق سعادة الأنسان؟ هذا السؤآل اجبنا عنه تفصيلاً في الحلقات الأولى من هذه الدراسة فيرجى مراجعة ذلك.
و للآن لم يجتمع علماء المسلمين على تفسير موحد لتلك المختلفات, ناهيك عن الأديان الأخرى!

حكمة: (لم يسبق لفيلسوف أنْ قتل رجل دين.. و لكن رجال الدين قتلوا الكثير من الفلاسفة). 

الفيلسوف ديدرو: (1713- 174).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here