ألمرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر !

بقلم د. رضا العطار

لا يلبث نزار وهو في مطلع الخمسين الا ان يعود الى منطق شبابه، عندما كان في العشرين – وكانها الدورة الغزلية الحسية تعود من جديد.
هناك اشارتان شعريتان، تعيد هذه الدورة من جديد، فيخاطب نزار (امية الشفتين) :

أمية الشفتين – – لا تتبرمي
اني اتيتك هاديا ومبشرا
حتى اعلمك الهوى فتعلمي
ما زال قانون القبيلة حاكما
جسد النساء – – فحاولي ان تحكمي
اصغي إليّ – – فإن وقتي ضيق
والقمح ينبت مرة في الموسم

ثم عاد نزار في السبعينات يقرأ في شفتيها بعد ان توقف عن البكاء طويلا.

تحبين – – او لا تحبين
ان القضية تعنيك انت على اي حال
فلست اجيد القراءة في شفتيك
لكي اتنبأ في اي وقت
سينفجر الماء تحت الرمال
وفي اي شهر تكونين اكثر عشبا
واكثر خصبا
وفي اي يوم تكونين قابلة للوصال.

لم يكن شعر المرأة في الغزل العربي وعلى امتداد خارطة الشعر العربي مظهرا جنسيا صارخا مثل النهد والشفة والساق عموما – – لذا فاننا نجد ان الشعراء الذين اغرقوا في النظر الى المرأة كجسد فقط وكمظهر جنسي خالص، لم يذكروا شَعر المرأة في شِعرهم كثيرا، الا ان بعضهم قد زاد من ذكر الشَعر والعيون في نظمهم، علما ان للنهد والشفة والساق والخصر، ابوابا اوسع واقصر الطرق اليه من الشَعر والعيون والصوت واللغة ومظاهر اخرى.
نزار قباني لم يذكر شَعر المرأة كثيرا في دواوينه العشرين بل ربما لم يتعد عدد المرات التي ذكر بها شَعر المرأة في كل دواوينه عدد اصابع اليدين – وكذلك كان حاله مع عيون المرأة الجميلة – فهو كشاعر جنسي لا يعنيه هذا المظهران الجميلان في المرأة قدر عنايته بالمظاهر الجنسية المثيرة الاثارة السريعة في المرأة

وعندما دخل نزار سن اللاعودة وسن النوم المبكر والحرص على المشي يوميا وفحص الدم من حين لاخر والتأكد من نسبة الملح و الكولسترول، بدأ يتذكر ويعيد ذكرياته كعمل يومي، بدأ يدخل مدارا جديدا اذ يقول :

صحيح ان التاريخ يعيد نفسه
ولكن الأنوثة – ياسيدتي – لا تعيد نفسها
انها شرارة لا تقبل النسخ والتكرار
هذا ما كنت اشرحه لك، وانت في السادسة عشر’
يوم كانت الشمس لا تغيب عن ممتلكاتك
وجيوشك تملأ البر والبحر
وجسدك الياسميني – – يأمر – – وينهي
ويقول للشئ : كن – – فيكون

سُئل نزار ذات يوم عن عطر المرأة وماذا يقول له العطر، فكان جوابه التالي :

–       العطر لغة لها مفرداتها وحروفها وابجديتها ككل اللغات – فالعطور اصناف وامزجة ، منها ما هو تمتمة، ومنها ما هو غزوة بربرية.
–       وللعطر المتحضر روعته، كما للعطر المتوحش سحره، وهذا يتوقف بالطبع على الحالة النفسية التي نكون فيها عندما نستعمل العطر – – وعلى نوع المرأة التي تضع العطر.
–       والرجل يلعب لعبته في تقييم العطر، بمعنى ان انف الرجل مرتبط بمستواه وحضارته.
–       فهناك رجال يفضلون العطور التي تهمس – – – ورجال يفضلون العطور التي تصرخ – – ورجال يفضلون العطور التي تغتال.
–       ثم ان نوعية علاقتنا بالمرأة تلعب دورها في تحديد نوع العطر الذي يعجبنا.
–       فعطر الحبيبة شئ – – وعطر العشيقة شئ – – وعطر الطالبة ذات السبع عشرة سنة شئ – – وعطر السيدة في الاربعين شئ.

وبالنسبة لي يتغير العطر الذي احب، بتغير حالتي النفسية – ففي بعض الاحيان احب العطر الذي يلامسني برفق –  وفي بعض الاحيان احب العطر الذي يعلن علي الثورة
وفي بعض الاحيان احب العطر الذي يدخل في حوار طويل معي – – ولكن المرأة التي تشعل اعصابي، هي التي تأتيني بالغمامة. وهي لا تحمل على جلدها الا قطرات الماء.
وكان نزار حريصا على ان يضع في احب دواوينه الى نفسه قصيدته المعروفة ب كرستيان ديور وهو العطر الفرنسي المشهور والذي يقول فيها :

شذاي الفرنسي، هل اثملك ؟
حبيبي، فاني تطيبت لك
باصغر نقطة عطر
ذراع تمد لتستقبلك
تناديك في الركن قارورة
ويسألني الطيب ان اسألك
شذاك المفضل هرّقته
على بدن طالما اذهلك
هناك عند نحري – – هنا خلف اذني
شكوتك لليل ما اكسلك

كانت نرجسية نزار جزءا من لعبته مع المرأة – بل انني ازعم بان معظم شعر نزار النسائي كان وسيلة كبيرة لتحقيق ذاته التي سعى الى تحقيقها، كما يحلو له ويستطيع من خلاله ان يصبح امبراطورا – – – ولذا فقد اعلن عن تنصيب نفسه على ( جمهورية شعر الغزل العربي ) التي تمتد من المحيط الى الخليج.

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here