الوهابية والاخوان المسلمين، صراع الأخوة الأعداء هل يتحول لقتال؟

فرات المحسن

مثل ظهور قناة العربية الوجه الأبرز لطبيعة الصراع والتنافس الإعلامي بين العربية السعودية ودولة قطر والذي جاء على خلفية نزاع خفي كانت قد بدأت ناره تستعر على أرض أفغانستان داخل أوساط المجاهدين العرب وإثر اكتساح طالبان لباقي الفصائل وتحالفها مع القاعدة.

دائما ما كان يقلق السعودية الطموح غير العادي لدولة قطر ودفعها الأموال الطائلة للظهور كقطب مؤثر في السياسة الإقليمية والدولية، وما كان هذا الفعل القطري ليثير السعودية فقط وإنما أثار ولازال حفيظة بلدان المنطقة وبالذات منها أقطاب مجلس التعاون الخليجي شركاء قطر في تلك المؤسسة.

مثل ما سمي بالربيع العربي نقطة فارقة في استعار النزاع بين الطرفين حين اصطف السعوديون مع الرئيس التونسي ومنحوه حق اللجوء في المملكة ونددوا بما جرى هناك وفعلوا مثل هذا مع ثورة الشعب المصري ووقفوا ومازالوا يمجدون فترة حكم حسني مبارك. وفي جميع مجريات الأحداث كانت قطر تلعب لعبتها الكبرى في الدفع نحو تصعيد الصراعات في تونس ومصر وباقي بلدان المنطقة.

فوز الأخوان المسلمين برئاسة جمهورية مصر العربية أثار حفيظة السعودية والأمارات ودفعهم منذ لحظة اعتلاء محمد مرسي كرسي الحكم للعمل على إعادة ترتيب حساباتهم ووضع جميع الإمكانيات المادية لغرض الإطاحة بحكم الأخوان وإعادة حكم حسني مبارك بنموذج جديد تمثل في صعود رجل الجيش القوي المارشال عبد الفتاح  السيسي، الذي ظهر كمنقذ لمصر من أحداث جسام . وكانت أولى التهم التي وجهت لمرسي تهمة التخابر مع قطر وإعطائها معلومات عن الجيش والحياة العامة في مصر.

أكثر ما تخشاه السعودية هم الأخوان المسلمين كمنافس مذهبي لمؤسستها ومنظومتها الفكرية الدينية الوهابية التي تقود مؤسسات الدولة جميعها ، فرغم تماثل مصادر الفكر الوهابي والاخوني فالحذر السعودي يأتي على خلفية التنافس السياسي الممزوج بالمذهبية المتطرفة المنغلقة، وصعود نجم الأخوان في مصر سبب صداعا عظيما للسعودية وحلفاءها وبدأت تشعر بالتهديد يقترب من حدودها. فرسوخ حكم الأخوان في مصر سوف يجعل المنافس المذهبي ماثل أمامها وجار لها وينافس بشدة منظومة القيادة في الدولة السعودية، ومع مضي الوقت سوف يعمل على الطعن بالفكر الوهابي ويسعى لوضعه في موضع التشكيك والتبخيس، وتلك الحقيقة تدركها المؤسسة الدينية الوهابية الماسكة والمسيرة بقوة لمؤسسات الدولة السعودية. وهذا الخوف دفع السعودية والإمارات للوقوف بقوة مع النظام المصري الجديد بقيادة المارشال السيسي وتقديم المليارات له . وبالمقابل قامت قطر وجميع قنواتها الإعلامية بالوقوف ضد الحكم الجديد في القاهرة وتبني الخصومة معه على المكشوف، واحتضان أقطاب ودعاة الأخوان المسلمين نكاية بالسعودية والإمارات، وكل ذلك لأجل جاء لغرض كسر مساع السعودية للسيطرة وفرض خياراتها على مجلس التعاون الخليجي وعموم المنطقة، وقد تجلى ذلك في معركة الإطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي  والأصطفافات والصراعات داخل المعارضة السورية .

بعد جهود مضنية قامت بها السعودية وحليفها القريب الإمارات العربية لكبح جماح قطر وترويضها وتطويعها لانتهاج سياسة مماثلة لعموم سياسات مجلس التعاون الخليجي والاعتراف بقيادة العربية السعودية للمجلس، وقبل كل ذلك وفي المقدمة منه التخلي عن الأخوان المسلمين وطردهم من قطر، وبعد وساطة كويتية كبيرة ومضنية، وقعت قطر وبلدان المجلس وبرغبة وشروط السعودية في   ابريل 2014 على اتفاق لم تنفذ قطر أي من بنوده، وكانت أولى تلك البنود طرد قيادات الأخوان المسلمين من الدوحة والتوقف إعلاميا عن المناكفات والطعون التي توجه لسياسات بعض أعضاء مجلس التعاون وكذلك لجمهورية مصر العربية،وبالعكس من ذلك الاتفاق فإن السياسات القطرية زادت من شقة التباعد بينها وبين رغبات السعودية وصعدت في دعمها للإخوان المسلمين وزادت الطين بله بتقربها وتعاونها مع إيران .

الأزمة الحالية تأتي على وفق مشهد جديد ترتب بعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب حيث بدأت معه العربية السعودية تشعر بأن ميزان القوى يميل لصالحها بالضد من إيران ومن يتحالف معها متمثلا ببعض فصائل الأخوان المسلمين من مثل حماس الفلسطينية، وجاء تصريح أمير قطر في وسائل التواصل الاجتماعي عن قاعدة العيديد التي تمثل حصانة ضد اعتداءات دول الجوار، وكان يلمح بذلك التصريح للسعودية والأمارات ، ثم جاء تصريحه عن نجاح بلاده في بناء علاقة وطيدة مع إيران. هذه التصريحات والخلاف الأساس المتمثل بصراع المذاهب بين الاخونجية والوهابية مهد وأصبح نقطة الشروع للبدء بحسم الأمور وعزل ومن ثم معاقبة قطر بأشد العقوبات.

قررت السعودية حسم الموقف وإنهاء أولا المنافسة الإقليمية التي تعمل عليها قطر منذ زمن بعيد وأيضا وجود الأخوان المسلمين الذي يمثل الوجه الخفي للتهديد الأيدلوجي للمؤسسة الدينية والسياسية الوهابية في السعودية.

قطر من طرفها أعلنت عدم استسلامها للعقوبات والتهديدات واستمرار سياستها المعاندة والمناكفة للسعودية وراحت تصعد من تقربها لإيران وتركيا الأخوانية وهناك ما يشير لمساندة باكستان لدولة قطر. ومع هذا التصعيد يبدو أن المنطقة مقبلة على صيف ساخن جدا وشروخ وتصدع في العلاقات الإقليمية  فهل يدفع هذا الموقف المتشنج كلا الطرفين إلى صراع مسلح؟.

مثل هذا السؤال لا يخضع لرغبة السعودية التي تريد الأطباق بقوة على عنق قطر لإركاعها وتحجيم دورها وإبعاد أي دور للإخوان المسلمين في المنطقة. وهو أيضا بعيد جدا عن خيار قطر لو أرادت فك الحصار عنها، فالمشهد برمته لازال تحت سيطرة الأمريكان ويخضع لاشتراطات مصالحهم العليا. فالسعودية وقطر تمثلان بيادق مهمة جدا في رقعة المصالح العليا للولايات المتحدة ولهذا لن تترك أمريكا الصراع ليتحول في لحظة حرجة إلى صراع مسلح، ودخول تركيا على خط الأزمة عقد كثيرا فكرة الذهاب لمثل هذا الخيار . ولكن ربما يثار خيار أخر على خلفية سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وعدم اهتمامها بحياة شعوب هذه المنطقة ورغبتها بإشعال الحرائق في هذا الطرف من العالم ليتهيأ لها الجو لاحتلال أبار النفط مباشرة، عند هذه النقطة ربما سوف تدفع أمريكا لحرب إقليمية بدايتها تكون بين السعودية وحلفائها بالضد من قطر ثم وعلى خلفية تطور الأحداث وقرب الصراع من الحدود الإيرانية وحسب الاتفاق الموقع بين إيران وقطر عام 2010 تمتد الحرب لتشمل دول أخرى في المنطقة ويأخذ الصراع منحا أخر يتمثل في تصعيد النزاع المذهبي ويدخل الإقليم برمته في حرب ضروس لا تبقى ولا تذر .

 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط

Read our Privacy Policy by clicking here