خمسون عاما من الإحتلال غير الأخلاقي

اليوم وصل الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية المعلم البارز وهو 50 عاماً ستُذكر بالعار.

خمسون عاما جُرّد خلالها الإحتلال والمُحتلّ على حدّ سواء من الإنسانيّة. سنوات من الفشل لحشد الشجاعة لتصويب الخطأ.

خمسون عاما ً لم تولد إلاّ الكراهية واحتقار الآخرين. سنوات من الأوهام في محاولة لإنكار حقّ الآخرين في أن يكون لهم وطنا ً خاصاً بهم.

خمسون عاما من التوق إلى السلام لم يكن مصيره إلاّ أن يُسحق مراراً وتكراراً. سنوات الخضوع والإستسلام لليأس والإحباط.

خمسون عاما من التشاؤم والشلل والتخلي عن المسؤولية. سنوات من الخوف لإدراك الحل الوحيد، ولكن بدلا ً من ذلك إختيار التمسك بخداع الذات.

خمسون عاما من المشاركة الخادعة بين الأطراف من أجل قضية السلام الأكثر قيمة. سنوات من الإيذاء المتبادل وإيجاد الراحة في الرّثاء للذات والأحلام المسروقة.

خمسون عاما من الإحتلال تتجاوز عتبة الأخلاق الإنسانية، مخضعة ً الفلسطينيين للخداع واليأس. أجل، سنوات من الإستعمار، وهدم المنازل والغارات الليلية المرعبة واقتلاع أشجار الزيتون. سنوات من اغتصاب الأراضي الفلسطينية وسلب الفلسطينيين حلمهم بالإستقلال والحرية.

خمسون عاما من إلحاق الألم والكرب الذي لم ينجو منه سوى قلّة. سنوات من الخوف المستمر من الإعتقال الإداري والسجن مع آلاف السجناء السياسيين الذين يقبعون في السجون. سنوات من حرمانهم من حقوقهم الأساسية ودون معرفة ما سيجلب لهم الغد. سنوات من احتجاج الشباب الفلسطيني الذي ولد وترعرع تحت الإحتلال بلا أمل ودون رؤية أي احتمال للتخلّص من قيود وسلاسل المهانة والعار واليأس.

لقد أنكرت إسرائيل لخمسين عاما ً حق الفلسطينيين في تقرير المصير، مبررة ً ذلك باسم الأمن القومي، ولكن لا شيء يهدد أمنها أكثر من استمرار الإحتلال. إن خرق القانون الأخلاقي والتهرب من الحقوق الإنسانية للفلسطينيين لا يغذي إلا جيلا آخر يعيش ليمتعض، يعيش ليكره، ويعيش ليؤذي، لأنه لم يبق أمامه أي شيء يخاف على فقدانه.

ويبدو بالنسبة للعديد من الإسرائيليين أن خمسين عاما من الإحتلال قد مرّت كما لو كانت طبيعية، فقد اكتنفت هذه المدة ظروفاً اعتادوا عليها ببساطة، غير مبالين بأن التآكل الأخلاقي قد أصاب النسيج الإجتماعي للإسرائيليين، متحدّين المبدأ الأخلاقي الذي أقيمت عليه الدولة.

لقد تمّ تضليلهم من قبل قادة فاسدين تنقصهم شجاعة الإقتناع بضرورة تغيير الإتجاه، معفين أنفسهم من الإلتزام الأخلاقي بأن يكونوا عادلين ونزيهين. لقد أصبحوا غير مبالين وراضين، عميان عن رؤية النّور، غير قلقين كثيرا ً بشأن أين ستكون إسرائيل في عشر أو خمس عشرة سنة إذا هم لم ينهوا الإحتلال اللاإنساني.

لقد أمضت إسرائيل خمسين عاما لإعداد شبابها من أجل المعركة العنيفة القادمة، حاقنة ً سمّ الكراهية في عروقهم وإلقاء نظرة على الفلسطينيين كأشياء يمكن التخلص منها دون أي شعور بالذنب الأخلاقي.

ولإنهاء الإحتلال أيضا ً يجب على الفلسطينيين أن يقوموا بنصيبهم. لقد مرّت سنوات من التضليل والإنقسام والتطرف العنيف، هذا في حين بقاء العزم على تدمير إسرائيل وتحريض الشعب على العنف لم يكن سوى هزيمة ذاتية.

وبسبب التشرذم الفصائلي والتنافس الأعمى فوّت الفلسطينيون على أنفسهم فرصة تلو الأخرى للوصول إلى السلام واختاروا بدلاً من ذلك الخوض بشكل ٍ ميؤوس ٍ منه في حروب لا يمكن الإنتصار فيها مما جعلهم محطمين حتى الآن وهم لا يزالوا متمسكين بالوهم بأن بمقدورهم الغلبة.

لقد أمضى القادة الفلسطينيون خمسين عاما في تبديد الموارد لتحقيق مكاسب شخصية وحراسة سلطتهم، وركبوا أثناء ذلك على ظهور الفقراء والقانطين. لقد ضحوا بجيل ٍ تلو الآخر سالبين هذه الأجيال مستقبلها الواعد، وأقصوها تاركينها قابعة ً في ظلمة اليأس بدلا من تحدي الإسرائيليين ببناء بلد حر ومستقل ومزدهر يمكن أن يفخروا به.

متى سينتهي هذا كله ؟ كم هو عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا من أجل هدف بعيد المنال يتحدى الواقع والحس السليم؟ يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يؤمنون بمصير مشترك ألا يوافقوا أبدا على التعاون مع الزعماء الفاسدين الذين يغفلون عن واقع يتنبّا ً بكم سيكون المستقبل مشؤوما ً ومنذرا ً بالسوء إذا لم يحدث أي تغيير.

يجب على القادة الإسرائيليين أن ينهوا الإحتلال وأن يتوقفوا عن إيجاد متعة ً في أكاذيب هم خلقوها. لقد حان الوقت للإدراك بأن الإحتلال هو قطرس يخنق كل إسرائيلي ببطء أكثر من أي وقت مضى، مضعفا ً عزائمهم ومفسدا ً أرواحهم ومجرداً إسرائيل واليهود في جميع أنحاء العالم من قيم ما هو حق وما هو عادل وما يستحقّ الرعاية، وهذه جميعها أركان بقائهم.

وأدعو كل رجل وامرأة عنده وعي  وضمير إلى إنهاء جنون هذا الصراع المنهك. لا ينبغي أن يموت أي طفل إسرائيلي أو فلسطيني في صراع عنيف آخر بين الجانبين لن يغير شيئا سوى جلب المزيد من المعاناة واليأس وإراقة الدماء والحزن.

وكما قال الرئيس الراحل كينيدي في الستينيات، “يتوقع الناس منّا أكثر من صرخات الإستياء والهجوم. الأوقات خطيرة جداً، والتحدي ملحّ جداً والمخاطر عالية جداً … “

لقد حان الوقت لكلا الجانبين لكي ينهضا ويطلبا من قادتهما التوصل إلى حل  وسط وإلى واقع لا يمكن لأي طرف ٍ منهما أن يغيّره، والسعي وراء حل عادل ومنصف يجب أن يضع حدا للإحتلال.

وإذا استمر الإسرائيليون والفلسطينيون في الكراهية والإستياء وقتل بعضهم البعض، فسوف تستهلكهم الأرض التي يقاتلون من أجلها. ولكن إذا تعلموا أن يعيشوا في وئام وسلام، سيجعلون معا الأرض تدرّ لبنا ً وعسلا ً وتبشر بنهضة لم ُيشهد أبدا ً مثلها من قبل.

ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here