نواب ناكرون للجميل بكل معنى الكلمة

بقلم: د. آزاد عثمان*
بالأمس قدّم خمسة نواب تركمان أعضاء بمجلس نواب العراق، الذي يُشّكل دستوريا أحد مجلسي برلمان جمهورية العراق الأتحادية المنشود والغائب لحد الآن، بسبب تعثر عميلتي الديمقراطية والفيدرالية في العراق حتى بعد زوال النظام البعثي المُستبد، بالرغم من أنفلة اكثر من 180000 نسمة من النساء والأطفال والرجال الكورد وتدمير اكثر من  4000 قرية في كوردستان – العراق، بسبب بقاء عقلية شرعنة التسلط وفرض الأتحاد الإجباري بين العراق العربي و كوردستان الجنوبية و الأستمرار في تجاهل حق الشعب الكوردي على أرض وطنه في تقرير مصيره بنفسه، أُسوة بالشعوب التركية و العربية والفارسية! شكوى ضد رئيس مجلس محافظة كركوك الى المحكمة الأتحادية العليا في بغداد بسبب رفع علم إقليم كوردستان على مباني و مؤسسات محافظة كركوك (المبتورة والمقّسمة) الى جانب العلم الأتحادي العراقي، وفقاَ لقرار أُتّخذ في جلسة عادية وعلنية لمجلس المُحافظة قبل عدة أسابيع، حسب الأصول المُتبعة وباغلبية أصوات أعضاء المجلس! علماً بان السادة النواب يعلمون جيدا الحقائق التاريخية و يعرفون طبعاً الخرائط الجغرافية و البيانات الأحصائية العثمانية والعراقية الرسمية الوفيرة والمتوفرة باللغات التركية و العربية والمحفوظة في أرشيفات دولتي العراق وتركيا المؤسستين في عامي 1921 و1923، والتي تؤكد جميعا الهوية الجغرافية الكوردستانية لجميع مناطق كوردستان الجنوبية (خاصة تقرير لجنة تقصي الحقائق لعصبة الأمم و خارطة الدولة العثمانية لعام 1893)، والتى كانت تمثل الجزء الجنوبي لكوردستان الخاضعة للدولة العثمانية المُنهارة عام 1918، والمُحتلة آنذاك من قبل الأستعمار البريطاني، و التي كان من المفروض أن تصبح جزءً من دولة كوردستان طبقاً للمادة 124 من معاهدة السلام الدولية (سيفر) في عام 1921 أي بعد مرور عام على توقيق المعاهدة، والتي ألحقتها عُصبة الأمم في العام 1925 بمملكة العراق، على أثر طلب بريطانيا بذلك، بعد إجراء أستفتاء دولى صوري في ولاية الموصل، الذي أُجبر بموجبه السكان حينذاك على الأختيار بين الألحاق ب”تركيا الكمالية أو بالمملكة العراقية الهاشمية”!
نعم، إنّ السادة المُشتكون يدركون الحقائق المذكورة أعلاه أو بامكانهم التأكد منها، لآنهم يعرفون اللغتين التركية والعربية بصورة جيدة كما هو معلوم. ويعلم هؤلاء أيضاً بانّ محافظة كركوك المجزأة والمقسمة من قبل البعث لأسباب عنصرية وجميع المناطق الكوردستانية المُستقطعة (سابقاً من منطقة الحكم الذاتي و لاحقا من منطقة الملاذ الآمن وأخيراً من إقليم كوردستان) تُسمي وفي الدستور أيضاً ب “مناطق مُتنازع عليها” بين حكومة الأقليم و الحكومة الأتحادية، وبأنّ النزاع إفتعله النظام البعثي الظالم ضد شعب كوردستان المظلوم، ويعلمون جيداً بان ممثلي الأحزاب الكوردستانية بالرغم من ذلك الغُبن الجلي وكل المظالم المُرتكبة بحق الشعب الكوردي و دياره إتفقوا مع أطراف المعارضة العراقية السابقة على حل سلمي قانوني وسط ومن ثم أصبح هذا الحل دستورياً بعد أن تمت المصادقة عليه أيضا مع مصادقة الشعب في كل مناطق العراق على الدستور الأتحادي الدائم عبر إستفتاء عادل ومشروع، وتم تثبيته في مادتين دستوريتين أساسيتين وهي المادة 140 والمادة 143. وهم يعلمون جيدا بان الحكومات العراقية المُتعاقبة على دست الحكم منذ سقوط البعث مقصرة في تنفيذ محتوى المادة (الحل المتفق عليه)، لأنه كان من المفروض الأنتهاء من تنفيذه في نهاية عام 2007. وبهذه المُناسبة يتحتم على كل من حكومة إقليم كوردستان و حكومة محافظة كركوك المحلية و مجلس محافظة كركوك تقديم شكوى لدى المحكمة الأتحادية العراقية العليا بصدد عدم تنفيذ المادة 140 من الدستور أو بالأحرى عدم حل مشكلة المناطق المُستقطعة من إقليم كوردستان والتي تُسمى بمشكلة المناطق المُتنازع عليها. وبعد مرور اكثر من سبع سنوات على التقصير والأهمال من جانب الحكومة الأتحادية العراقية بهذا الشأن، فلقد حان الوقت لتطبيق المرحلة النهائية من المراحل الثلاثة الخاصة بتنفيذ المادة (الحل) وهي مرحلة الأستفتاء، فمادام تم تجاوز جوهرالحق والسقف الزمني المُحدد للحل دستورياً من قبل الحكومة المسؤولة عن سيادة القانون وحماية الدستور، إذاً يحق لسكان المناطق المذكورة أخذ زمام المُبادرة بانفسهم لأخذ الحق، لأن الحق في هذه الحالة يُؤخذ ولا يُعطى.
وليعلم السادة النواب المُشتكون وغيرهم بأنه و طبقاً للقانون الدولي أيضاً يحق لطرفي النزاع في جميع المناطق المُتنازع عليها في كل مكان وزمان رفع العلم الرسمي للكيانين المُختلفين لحين تسوية النزاع القائم قانونيا وفعلياً. ويعلم هؤلاء السادة النواب بان علم إقليم كوردستان هو علم كيان إقليم كوردستان رسمياً ودستورياً، فهو ليس علم القومية الكوردية في العراق كما يدّعون، لكي يطالبوا هم أيضا أو غيرهم برفع علم حزب معين أو أطراف سياسية لقومية معينة الى جانب العلمين الأتحادي و الأقليمي، فالمسألة هنا لاتتمثل في جمع الأعلام للمكونات السكانية، بل في التواجد الشرعي والمشروع لرموز رسمية لطرفي النزاع معاً! ويبدوا أنّ النواب الخمسة المُشتكون يتجاهلون حقيقة حق محافطة كركوك الدستوري والشرعي في الأنضمام الى إقليم كوردستان- العراق، وفقاً للبند الثالث من القانون رقم 13 لسنة 2008، الصادر من المجلس الذي ينتمون اليه، وانهم يتجاهلون الطلب الخاص بهذا الحق من الأغلبية المُطلقة لأعضاء مجلس محافظة كركوك في نفس العام بشأن الأنضمام القانوني لأقليم كوردستان، والذي بقى مُعلقا مع الأسف الشديد لحد الآن، لسبب معين يخص موقف القيادة السياسية في الأقليم غير الحازم، فيما يتعلق بالخطوة الثانية المُتمثلة في رفع الطلب الى برلمان الأقليم للمصادقة عليه وارساله الى مجلس الوزراء في بغداد ليحوله الى الهيئة العليا المستقلة للأنتخابات بغية إجراء الأستفتاء الخاص بذلك. إلا أنّ تنفيذ هذا الطلب يتطلب قبل كل شئ إعادة تفعيل برلمان كوردستان المُعطّل بغية القيام أيضاً بالأجراء القانوني المناسب و المطلوب بهذا الصدد. لذا أطلب هنا كمواطن كوردستاني و كاستاذ جامعي مختص بالعلاقات الدولية و باحث أكاديمي في العلوم السياسية من كل الكتل البرلمانية في الأقليم الى إعادة تفعيل برلمان الأقليم في إجتماع موسع يضم الجميع (بلا إستثناء وبدون تغيّب) بدون قيد أو شرط مُسبق و بالرئاسة الحالية و لحين إنتهاء المدة القانونية الخاصة بهذه الدورة، لأن تحقيق المصلحة والأهداف الوطنية العليا، وشروط حل مشاكل و مسائل الأقليم و دقة ظروف العراق المتجزأ وخطورة أوضاع المنطقة المُتصارعة ومتطلبات كسب الأحترام والتضامن الدولي بصدد الحقوق المهضومة والمشروعة تحتم ذلك، وكذلك يجب إتباع إستراتيجية منطقية ومتوازنة ومدروسة بصورة دقيقة من قبل المختصين و الخبراء بشؤون علوم الدولة، وفي مقدمتها علم إدارة الأزمات.
وهنا نريد العودة الى عنوان المقال، فلقد تم في ظل علم إقليم كوردستان و بدماء وجهود البيشمركة البواسل حماية بقية محافظة كركوك المبتورة، بعد إحتلال نصف مساحتها المتمثلة في قضاء الحويجة و نواحيها الأربعة من قبل عصابات منظمة داعش الأرهابية قبل ثلاث سنوات، وتم ويتم لحد الآن الدفاع عن حياة و شرف و كرامة و ممتلكات الكورد والتركمان والعرب و الكلدان والآشوريون والأرمن والمندائيين بدون تمييز، من قبل هؤلاء الرجال ليلاً ونهاراً، والسادة النواب وأهاليهم شاهدون على ذلك، وتمت حماية قضاء خانقين و قضاء دوزخورماتو، وتم تحرير قضائي مخمور و سنجار، وغيرها من المناطق المُستقطعة والمُتنازع عليها من قبل البيشمركة وتحت راية الأقليم، والآ لكان مصير تلك المناطق كمصير الحويجة والموصل وتكريت والرمادي والفلوجة … الأسود تحت راية داعش السوداء! ألا يُمثل ذلك فعلاً ىُكرانا لجميل وتضحيات هؤلاء الرجال و عوائلهم من قبل النواب الخمسة المُشتكين؟ ولقد صدق رسول الله محمد (ص) حين قال: “إتقِّ شرّ من أحسنت إليه”.
* أستاذ العلااقات الدولية المُساعد في جامعة صلاح الدين – اربيل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here