نوعان من المعتقدات الخرافية ! ح 2 *

   بقلم د. رضا العطار

 المادية الجدلية والتاريخية تتكشف عن امثلة واضحة من الفشل في تطبيق المنهج العلمي على الحياة،  والتاريخ عندما ينتهي الى هذه المقولات الشهيرة : (الدين افيون الشعوب) وان القانون (هو ارادة الطبقة الحاكمة) وان القضاء على نظام العبيد كان (في مصلحة النمو الرأسمالي)، وان الفلاسفة والادباء من امثال (كنت) و(غوته) (المدافعين عن النظام الرأسمالي) وان الفلسفة العبثية (انعكاس لأزمة النظام الرأسمالي).  كما وان احد الكتًاب الماركسيين زعم ان فلسفة (سارتر) عن الخوف والموت ليست إلا تعبيرا عن ازمة نظام إلانتاج.

ولقد شارك الاديب الفرنسي (بلزاك) في هذا النوع من الاخطاء عندما الحق برواية شهيرة له مقدمة اقل شهرة حاول فيها ان يحلل الكائن الانساني باستخدام اساليب علمية وضعية.  ومقدمة (بلزاك) هذه مثل مناسب على اخفاق المنهج العلمي في تناول الحياة الباطنية للانسان. ولذلك وجدنا انفصالا تاما بين ما وصف به المؤلف الحقيقة الانسانية في روايته (الكوموديا الانسانية) فكان وصفا مخلصا وحيا، وبين التفسيرات الفكرية لمصائر البشر كما اوردها في مقدمة الرواية.
عندما يصف العلم قطعة فنية، فإنه يختزلها الى ظاهرة نفسية. فالفنان في نظر العلم ضحية حالة من الذهان (الاضطراب العقلي)، فقد قرر عالم النفس (ستيكال) ان بحوثه اقنعته انه لا يوجد فرق بين الشاعر العصابي.  ان العلم يرى ان افضل من يحلل الابداع الفني هو علم النفس التحليلي.  وكانت نتيجة هذا الاتجاه التطايق بين الابداع والعصاب.
وجدنا ايضا في فن المعمار (ميلز فان درروه) يستخلص نتيجة منطقية تتمشى مع مذهبه في (الفن الوظيفي) حينما قال ( إذا بنينا باخلاص، فان الكتدرالية لا ينبغي ان تكون مختلفة عن المصنع) فمن الناحية العقلانية لا مجال للاعتراض على بناء المدن الصناعية او الثكنات الحربية.  ولكن اذا اقتصر المعمار على هذا الجانب الوظيفي العقلاني، فإنه يلغي نفسه بنفسه.

وذهب علم البيولوجيا الى ان الانسان ليس في الحقيقة إلا حيوانا، وان الحيوان في حقيقته شيء، وان الحياة في النهاية مجرد آليات، يعني لا حياة.
و حدث تطور مماثل في علم الاخلاق، فقد استنتج العقل ان الفعل الذي نسميه اخلاقيا هو مجرد نوع من الانانية المغربلة او (المستنيرة) – اي ان الاخلاق نفيً للاخلاق.  هكذا انتهى البحث العلمي في الحقل الانساني الى سلسلة من الانكارات : فقد انكر اولا وجود الله، ثم وفقا لأسلوب من التدرج النازل، انكر الانسان ثم انكر الحياة.  ووصل اخيرا الى نتيجة ان كل شيء مجرد لعبة وتبادل تفاعلات لقوى الجزئيات – – – إن العقل في نهاية المطاف لم يستطع ان يجد شيئا آخر في هذا الكون سوى نفسه : الآلية والسببية.
الى الحلقة التالية !
 * مقتبس من كتاب (الاسلام بين الشرق والغرب) لعلي عزت بيجوفيتش

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here