المرأة، الحب ـ ـ ضوؤها الشاعر ! *

وفي السبعينات درج (نزار) على ان يصور نفسه للقارئ بانه الشاعر المضطهد من قبل السلطات والمطلوب من قبل رجال البوليس في العالم العربي ان تتعقبه في كل مكان، في نفس الوقت يقيم امسياته الشعرية ويشارك في المهرجانات الشعرية وتنقل وكالات الانباء العربية شعره على اجهزة التلفاز، كما تم في مهرجان المربد في العراق عام 1986
وبالرغم من هذا فان نزار يظهر نفسه بمظهر المتمرد المطارد – وهو نوع آخر من تكريس النرجسية – لم يغفل ان يردد في اشعاره دائما بان دمه مهدور.

عندما قلت لك
(أحبك)
كنت اعرف – ان المتوحشين سيتعقبونني
بالرماح المسمومة – واقواس النشاب
وان صوري
ستلصق على كل الحيطان
وان بصماتي
ستوزع على كل المخافر
وان جائزة كبرى
ستعطى لمن يحمل لهم رأسي
ليعلق على بوابة المدينة

ويبدو ان نزار لم يترك قوة طبيعية الا وتمثل بها – – – فكان الضوء والضياء وكان الرعد والبرق وكان القديس وكان واهب الاطفال.
وكان كذلك في ديوان (كل عام وانت حبيبتي) البحر الذي ترحل فيه الأناثي الجميلات

انا بحرك يا سيدتي
فلا تسأليني عن تفاصيل الرحلة
ووقت الاقلاع والوصول
كل ما هو مطلوب منك
ان تنسي غرائزك البرية
وتطيعين قوانين البحر
وتخترقيني – – كسمكة مجنونة
تشطر السفينة الى نصفين
والافق الى نصفين وحياتي الى نصفين

وفي عام 1981 تحولت مهمته من اللعب بالنساء الى كتابة تاريخ النساء ومن صانع للحدث العاطفي الى مؤرخ لهذا الحدث – – بدأ يشعر شعور الانسان العاجز عن القيام بما كان يقوم به في ايام شبابه وربيع عمره واخذ بتعاليم الحكماء ويعتزل الحياة والناس والسكون الى الطمأنينة – – طمأنينة الكبر والشيب.
فكان يلصق (التهم) بعشيقاته اللائي اصبحن غير قادرات على حبه لينجي نفسه من موضع العجز وليصور ذاته بانها لا زالت هي الذات الشابة التي تبحث عن المغامرة وكأنها في مقتبل العمر.

ايتها المثقفة الى درجة التجلد
الأكاديمية الى درجة القشعريرة
ايتها المحاصرة
بين جدران الكلمات المأثورة
وتعاليم حكماء الهند
ولزوميات ما لا يلزم
انت مأخوذة بأبي العتاهية
وانا مؤخوذ بالشعراء الصعاليك
انت مهتمة بالمعتزلة
وانا مهتم بأبي نؤاس
انت معجبة برقص (الباليه)
وانا معجب برقص الدراويش
انت تسكنين مراكب الورق
وان اسكن البحر
انت تسكنين الطمأنينة
وانا اسكن الانتحار
ايتها الضائعة في غبار النصوص
ان دمي انقى من حبر مخطوطاتك
وقراءة فمي – – اهم من جميع قراءاتك
فلماذا لا تتثقفين على يدي ؟
فأنا الثقافة – – انا الثقافة – – انا الثقافة
انا الذي استطيع ان احول نهديك الى حمامة
وفخذيك الى سبيكتي ذهب
وفمك الى عش للعصافير
انا الذي استطيع ان اجعلك
ملكة – – او جارية
سمكة – – او غزالة
او قمرا في بادية

وفي عام 1961 استغل نزار شعره لتأكيد ذاته من جديد، فنصب نفسه شاعرا على كل شرفات الجميلات واخذ يعرض بضاعته تحت شرفات الحسناوات كما يبيع باعة الشوارع على عرباتهم بضائعهم المختلفة، مشبها نفسه بالشعراء الجوالين.

انا لست وحيدا في الدنيا
عائلتي – – حزمة ابيات
انا شاعر حب جوال
تعرفه كل الشرفات
تعرفه كل الحلوات
عندي للحب تعابير
ما مرت في بال دواة
انبش في اعماق الموجات
ابحث في جوف الصدفات
عن حرف كالقمر الاخضر
اهديه لعين مولاتي
فكل امرأة لا تعبر من خلال ذراع نزار لن تكن هي الجميلة في يوم من الايام :
ليس يكفيك ان تكوني جميلة
كان لا بد من مرورك يوما
بذراعي
كي تصيري جميلة
اني رسول الحب
احمل للنساء مفاجأتي
انني اقدر في بساطة
ان ارسم النساء في كراستي
بهيئة اشجار
واجهل النهد الذي اختاره
طيارة من ورق او زهرة من نار

هذه هي (الأنا) المنتصرة المستأسدة
وهذه هي (الأنا) المهزومة المنكسرة
انا احدق في الستائر والمقاعد والظلام
واعيش اسوأ حالات انفصامي
القي على نهديك نظرة سائح
وامر بالاشياء – – من غير اهتمام
ماذا جرى لأصابعي ؟
وانا الذي حركت باللمسات عاطفة الرخام
ماذا جرى لزوابعي
وانا الذي في ذات يوم
كنت سلطانا على عرش الغرام

وفي نهاية السبعينات وجد نزار ان من حقه ان يصبح قديسا بعد ان كان الشاعر الممطر، المرعد، والمبرق. – – وهذه الصورة المتعددة ل (الأنا) ما هي الا مجموعة من الطرق والاساليب التي تؤكد ذاته من حين لاخر :
انا القديس تأتيني نساء العالم الثالث
فاغسلهن بالكافور والحنة – –
وأغمرهن بالبركات
واعطي كل واحدة بنفسجة – – وموّالا
وارزقهن اطفالا
وازرعهن كالاشجار في الغابات
واوصيهن ان يحفظن اشعاري
فشعري يدخل الجنة

* مقتبس من كتاب (المرأة، اللعبة، ضوؤها الشاعر) لنزار قباني

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here