انتصار الموصل … هل نستثمر الفرصة التاريخية الاخيرة ..؟

انتصار الموصل … هل نستثمر الفرصة التاريخية الاخيرة ..؟
مر العراق طيلة المائة عام الماضية بتحولات سياسية وعسكرية كبرى جعلته منقسما على نفسه الى مكونات، مناطق جغرافية، مذاهب وقوميات، وحينما جاءت حرب الخليج الثالثة عام 2003 كشفت اللثام عن حجم هذا الانقسام الحاد داخل البنية الاجتماعية العراقية، ذلك الانقسام كان بعيدا عن متناول الاعلام. الانقسام الحاد، الاحتقان المتبادل وبعد استثمرت فيه مختلف الاطراف المحلية والدولية توّج بشرخ كبير في مرحلة داعش وكانت مرحلة سقوط الموصل ومجزرة سبايكر تحولا هائلا في رصيد المنادين بتمزيق ما تبقى من نسيج الشعب العراقي، لهول ما حصل بعضهم كان يعتبر العام 2014 عاما للاعلان رسميا عن نهاية الدولة العراقية.
اليوم اصبحنا ببركة جهود الخيرين من ابناء هذا البلد واصدقاء العراقيين هنا وهناك اصبحنا على مشارف اعلان تحرير كامل مدينة الموصل، ان لحظة الانتصار على مرحلة داعش بعد تحرير الفلوجة تتمثل في تحرير مدينة الموصل وخصوصا المدينة القديمة وجامع النور المكان الوحيد الذي ظهر فيه ابو بكر البغدادي علنا.
ان الانتصار على تنظيم داعش في العراق لا يمثل تحرير مساحات جغرافية سيطر عليها التنظيم فحسب، ولا حتى حرمانه من موارد مالية او بشرية بقيت تحت تصرفه لاكثر من سنتين، بل يعني اضافة لكل ما تقدم الدخول عمليا في مرحلة ما بعد تنظيم داعش.
تلك اللحظة التي تسيطر فيها الدولة العراقية على معظم مدن وقصبات محافظة نينوى يفترض ان تكون لحظة انتصار يفخر بها العراقيون، لحظة استعادة الهوية العراقية الممزقة، لحظة اعادة الهيبة للقوات العراقية التي انهارت في غفلة من الزمن، لحظة اعادة الحياة لمبدأ “التعايش” الذي كان اول ضحايا التطرف والارهاب، ليس جديدا ان الشعب العراقي يعاني من جروح عميقة مزقت نسيجه الاجتماعي وقد تمثل لحظة الانتصار في الموصل آخر الفرص التاريخية لبقاء العراق موحدا.
ان سمحنا باعادة الاحتقان من جديد، بتغلغل الارهاب مرة اخرى، بحصول مجزرة كبرى كما حصل عام 2014 فربما نكون قد اطلقنا بانفسنا رصاصة الرحمة على العراق الذي نعرفه. ان الساسة مطالبين بتحمل المسؤولية وضرورة التعلم من الماضي باعتبارهم اصحاب القرار، لكن وبصراحة تامة ان ترك الامور لمزاج السياسي في مثل هذه الظروف يعني اننا نضع جميع رصيدنا على طاولة المقامرين!
علينا جميع ان نتحمل المسؤولية ونبادر كل من موقعه، ان جهود المؤسسات الرسمية وحدها حتى وان عملت بجد واخلاص فهي ليست كافية لمعالجة ما حدث ومن اجل تلافي ما قد يحصل في المستقبل، ناهيك عن ان تلك المؤسسات في اغلب الاحيان لا تقوم بما يجب عليها ان تفعله وهذا ما يزيد الطين بلة.
لقد شاهدنا في الاسابيع الاخيرة مبادرات شبابية واعلامية ملفتة وهي جهود تستحق الاهتمام، انها نواة لحراك شعبي هادف، لكن الجهود مهما كانت كبيرة قد لا تكون كافية لردم الهوة الكبيرة بين مكونات الشعب العراقي. الجهود الهادفة في تحد منقطع النظير، اننا لسنا مطالبين فقط بمعالجة ما حصل، بل بتفويت الفرصة على المحاولات التي يجري التفويت لها قبل اعلان لحظة الانتصار، هناك جهات رفعت لافتة “استفتاء اقليم كردستان” وجهات اخرى تروّج مرة اخرى وبقوة للاقليم السني، واخرى تصرف الانظار من المنجز الميداني على الارض الى الجدل الدائر حول ما يحصل في البادية السورية والصراع الدولي هناك، وان الانتصار الميداني في غرب العراق بمجمله هو ليس الا حلقة في هذا المشروع التآمري!
في اغلب الظن فان من يريد الدفع بملفات من هذا النوع هو لا يهدف بالدرجة الاولى الى تحقيقها على الارض فقد لا يكون ذلك ممكنا حاليا الكل يعرف ذلك، لكنه يهدف قبل كل شيء الى التشويش على لحظة الانتصار على داعش وهي لحظة يتوحد فيها جميع الوطنيين العراقيين.

جمال الخرسان

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here