أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (٢٥)

نــــــــــزار حيدر

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}.

مشكلتُنا مع القراءات الفاسدة للنصِّ المقدَّس! فعندما يجتهدُ كلَّ من هبَّ ودبَّ! بِمن فيهم الارهابيُّون وأَنصاف المتعلِّمين والفُقهاء! في تقديمِ قِراءةٍ ما للنُّصوصِ {بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ} وقتها نعيشُ الفوضى في الفهمِ والوعيِ والاستيعابِ! كما هو حالِنا اليوم!.

وللأَسف الشَّديد فانَّ موضة هذا الزَّمن هو أَنَّ من يطلب الشُّهرة فما عليه إِلّا أَن [يتحرَّش] بالله وبدينهِ وكتابهِ وآياتهِ! تارةً بعنوانِ التَّجديدِ والحداثةِ وأُخرى بعنوان الانفتاح والعصرنة! فذلك أَقصر الطُّرق للشُّهرةِ والنُّجومية! وهذا ما نلمسهُ اليوم بشَكلٍ واسعٍ من خلال وسائل التَّواصل الاجتماعي!.

فبينَ من [يجتهد] فيخرج علينا بنظريَّةِ الخلافة بأَسوءِ صورِها ورموزها التّاريخيّة ليفرض [دينهُ] على الآخرين ومن يرفض فليس أَمامهُ إِلّا القتل أَو الجزية والسَّبي كَما يفعل الارهابيُّون نتاج الفكر التَّكفيري الوهابيِّ! في مخالفةٍ صريحةٍ للآيةِ المُباركةِ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وهي الآية التي تُقِرُّ تعدديَّة المُعتقد! وبين من [يجتهد] فيتزمَّت بالدِّين ليعيِّن نَفْسهُ وكيلاً عن الله تعالى من دونِ النَّاسِ! فيقرِّر الجنَّةِ لِمَن يشاء والنَّارَ لِمَن يشاء وكأَنَّهُ ظلُّ الله في الأَرض! مشغولٌ يومهُ بإصدارِ صكوكِ الغُفران وشهادات حسن السُّلوك وقَبول الاعمال! فهذا ضالٌّ وذاكَ مُضلٌّ وثالث منحرفٌ ورابع خطيرٌ! وهو الذي لا يُحسِنُ قراءة آية في كتابِ الله!.

الغريبُ في الأَمرِ هو أَنَّ النَّاسَ يلجأُون للمتخصِّص في كلِّ علمٍ يحتاجونهُ إِلَّا الدِّين والقرآن وأَحكامهما فيأخذونها من كلِّ مَن هبَّ ودبَّ! حتَّى باتَ عددُ الذين يخوضون بالدّين لا يُعَدُّ ولا يُحصى! والنَّتيجة؟! المزيدُ من الإِلحاد والارهابِ والتمرُّد وسوء الأَخلاق والجرائم المنظَّمة والخِلافات والصِّراعات وحالات التفكُّك الأُسَري والأُميَّة وغياب النَّظافة والفوضى والظُّلم والفساد والفشل!.

لماذا إِذا أَرادَ المرءُ أَن يُراجعَ طبيب الأسنان يبحث عن الأَفضلِ والأَشهر والأَمهر، فلا يسلِّم فمهُ إِلّا للطَّبيب الحاذق في مهنتهِ المشهور بخبرتهِ ونجاحاتهِ! واذا أَراد أَن يحصلَ على شهادةٍ علميَّةٍ أَكاديميَّةٍ في تخصُّصٍ علميِّ تراهُ يبحث عن أَفضل الجامعات وعن أَشعر الأَساتذة في المادَّة العلميَّة مورد الرَّغبة في الاختصاص! وإِذا أَراد أَن يبني بيتاً فيبحث عن أَمهرِ المهندسين المعمارييِّن ليرسمَ لَهُ الخارطة المثاليَّة في نظرهِ! ولكنّهُ عندما يريدُ السُّؤالَ عن دينهِ وعقيدتهِ تراهُ يأخذَ الجواب من [علماءٍ] يجلسونَ على قارعةِ الطَّريق! وبِلا تثبُّتٍ أَو تمحيصٍ أَو درايةٍ ومعرفةٍ بالشَّخص وهويَّتهُ وعلميَّتهُ وخبرتهُ؟!.

فتراهُ يأخذَ دينهُ من العميانِ والعورانِ من فقهاء التَّكفير وفُقهاء البِلاط الذين لا يُحسنونَ حتَّى الحديثِ والكلامِ السَّليم!.

لذلك إِنتشر الفكر التكفيريِّ ومناهج التَّضليل والشَّعوذة وثقافة الأَحلام ونظريَّات التَّوقيت ومناهج الانتظار التي تزرقُ النَّاسَ بحُقن التَّخدير والاتِّكاليَّة!.

لشدَّ ما أَستغربُ؛ أَنَّ مَن يمتلكُ عليّاً (ع) لماذا يبحث عن آخرين؟! وأَنَّ مَن يمتلك الحُسين (ع) لماذا يتيهُ بين هذا المجهولِ وذاك المخبولِ؟! وأَنَّ من يمتلك الصَّادق (ع) كيف يشغل نَفْسهُ بالبحثِ عن [عُلماءَ] ومَن يسمّونهُ بـ [شيخِ الاسلام] وتلامذتهُ الذين هم أَصل الفكر التَّكفيري الذي أَنتجَ الارهاب في العصرِ الحديثِ؟!.

هل رأَيتُم أَو سمعتُم أَو قرأتُم يوماً أَنَّ غيرَ أَميرِ المؤمنين (ع) إِستوعب القرآن الكريم بهذا التَّفصيل الدَّقيق الذي يصفهُ بقولهِ (ع)؛

{كِتَابَ رَبِّكُمْ [فِيكُمْ:] مُبَيِّناً حَلاَلَهُ وَحَرامَهُ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ، وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ، وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ، مُفَسِّراً جُمَلَهُ، وَمُبَيِّناً غَوَامِضَهُ.

بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ، وَمُوَسَّع عَلَى العِبَادِ في جَهْلِهِ، وَبَيْنَ مُثْبَت في الكِتابِ فَرْضُهُ، وَمَعْلُوم في السُّنَّهِ نَسْخُهُ، وَوَاجب في السُّنَّةِ أَخْذُهُ، وَمُرَخَّص في الكِتابِ تَرْكُهُ، وَبَيْنَ وَاجِب بِوَقْتِهِ، وَزَائِل في مُسْتَقْبَلِهِ، وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ، مِنْ كَبير أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ، أَوْ صَغِير أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ، وَبَيْنَ مَقْبُول في أَدْنَاهُ، ومُوَسَّع في أَقْصَاهُ}.

وصدقَ الله العليُّ العظيم الذي وصفَ أَميرَ المؤمنين (ع) بقولهِ في مُحكمِ كتابهِ الكريم بقولهِ {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}.

١٩ حزيران ٢٠١٧

لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here