كل عام وصحفيونا بألف همّ ونقيبهم بألف خير

علي علي
يحكى أن ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة وهم؛ عالم دين- محامي- فيزيائي. وعند لحظة الإعدام تقدم عالم الدين ووضعوا رأسه تحت المقصلة، وسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: الله.. الله.. الله.. هو من سينقذني، وعند تنفيذ الحكم نزلت المقصلة، وقبل وصولها رأس عالم الدين توقفت، فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال الله كلمته، ونجا عالم الدين.
وجاء دور المحامي إلى المقصلة، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولكن أعرف أكثر عن العدالة، العدالة.. العدالة.. العدالة.. هي من سينقذني. وعند تنفيذ الحكم نزلت المقصلة، وقبل وصولها رأسه توقفت فتعجب الناس، وقالوا: أطلقوا سراح المحامي، فقد قالت العدالة كلمتها، ونجا المحامي.
وأخيرا جاء دور الفيزيائي، فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تود قولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، ولكني أعرف أن هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من إكمال شوطها والوصول الى رأس المحكوم. فنظروا الى المقصلة ووجدوا بالفعل ان هناك عقدة تمنع المقصلة من النزول، فأصلحوا العقدة وانزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي وقطع رأسه!.
أسوق مقدمة مقالي هذا ونحن نحيا عيد الصحافة العراقية، حيث الكلمة الجريئة فرضت نفسها بوجه الجلادين، وقُطعت في سبيلها رقاب صحفيين وإعلاميين كثر، بمقصلات حكام مروا على دست الحكم، ذاك لأنهم نطقوا الحقيقة. حيث تمر هذه الأيام الذكرى الثامنة والأربعين بعد المئة على صدور جريدة الزوراء، أول جريدة عراقية. وكلنا يعلم أن الصحافة يطلق عليها السلطة الرابعة (Fourth Estate) ونعلم أيضا أن تسميتها هذه لم تتأتّ من كونها تنقل الأخبار فحسب، بل لأنها تمثل رأيا، وتنقل وجهة نظر، وتسلط الضوء على أمور يريد بعضهم إخفاءها، وتخوض في قضايا عامة أو خاصة بغية تنوير شرائح المجتمع بتفاصيلها، ولفت الأنظار الى ما يحيطها من غموض، كما أنها -الصحافة- تنطق باسم الشعب أمام الحكومة، وأحيانا تمثل الحكومة لدى الشعب، وهي أيضا تسهم بشكل مباشر في صنع القرار، أو التأثير في صنعه على أقل تقدير.
من مجمل ماتقدم من وظائف ومهام تقوم بها الصحافة، فإن تسمية السلطة الرابعة لائقة بمكانتها بين الأمم، ومناسبة لدورها الذي تقوم به في السلسلة الهرمية لتشكيلات الدول والحكومات، ومادام العراق دولة معترفا بها، تدير شؤونها حكومة شرعية، يرفرف فوق مؤسساتها علم، يعد من أول الأعلام العربية التي رفعت فوق سارية عصبة الأمم في جنيف، وذلك في 3 تشرين الاول 1932، يكون حريا بدستوره وقياداته إيلاء السلطة الرابعة اهتماما مناسبا، لاسيما وإن العراق الحديث منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، وحتى ساعة إعداد هذا المقال، بات ارضا خصبة لتقلبات سياسية، تتلاعب بدواليب عجلاتها شخصيات تلفت النظر، وتثير الانتباه والفضول، الأمر الذي يعد مادة دسمة للصحافة، وموضوعا ثرا للإعلام، زاخرا بتغيرات ومستجدات تغري الأقلام لمتابعة شؤونها، فهل أولت الحكومات المنتخبة بعد عام 2003 الاهتمام المناسب للسلطة الرابعة؟ هذا إذا سلمنا أن نظام ماقبل 2003 لم يولِها حق استحقاقها لأنه قمعي دكتاتوري!
مؤسف ومؤلم ومحزن -ومقرف ومقزز ومثير للاشمئزاز أيضا- ذاك هو مكانة الصحافة ومنزلتها لدى الحكومات في العراق الجديد، إذ تحتل الصحافة المنزلة العاشرة بعد المئة في قائمة اهتماماتها وجداول أعمالها، بل هي تشكل العدو الأول والثاني والثالث في حساباتها، وليس سلطة رابعة ولا خامسة ولا عاشرة.
أما الحديث عن حقوق العاملين فيها -مؤسسات وجهات وأفرادا- فأظنه ما عاد مادة ثرية أو مغرية للكتابة أو النقد، بل أضحى مادة مخزية ووصمة معيبة في تأريخ نقابة الصحافة العراقية -ونقبائها- لاسيما إذا علمنا أن المحسوبية والمنسوبية، والأخوانيات والشخصيات، والمعارف والمصارف، والجواري والمصاري، والمنافع والدوافع، والفوائد والمكائد، والأنانية والحزازية، هي الشروط الأساسية للانتساب الى النقابة وفق نظامها الداخلي.
أما مؤهلات المتقدمين لطلب الانتساب، فإنها لاتمت لمهنة الصحافة بأدنى صلة، إذ تخضع لمقاييس خاصة، وضعت وفق معايير أكثر خصوصية، هي الأخرى بعيدة كل البعد عن المهنية والحرفية، ولعل بعضها يندرج تحت لائحة القربى والزلفى وابن السبيل، والنطيحة والمتردية وأصحاب الفيل، ويأجوج ومأجوج، وغيرهم ممن يلجون البيوت من غير أبوابها.
والغريب في نقابة الصحفيين العراقيين، أنها يستوي عند نقيبها -الحالي- البحران، إذ سيان عنده عذب فرات وملح أجاج، ويبدو أن الهمزة اللمزة دستوره الدائم وليس المؤقت، فيا لبؤس الصحفيين العراقيين! وكل عام وهم بألف هم جديد، وكل عام ونقيبهم بألف خير.
[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here