أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السّنةُ الرَّابِعَة (٢٧)

                                                                                             نــــــــــزار حيدر

   {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.

   فاذا أَردتَ أَن تستأجرَ أَحداً لإِنجازِ مهمَّةٍ أَو واجبٍ ما أَو مندوباً ليمثِّلك في قيَمِك ومبادئِكَ ويحمي مصالحَك ويحقِّق تطلُّعاتك وأَهدافكَ ويحفظ بلدكَ وخيراتهُ ويكون أَميناً على مستقبلِ أَولادكَ، فلابدَّ أَن تبحثَ عمَّن يتميَّز بهتَين الخصلتَين الأَساسيَّتَين؛ القوَّة والأَمانة؟!.

   فهل يعني ذلك أَن لا تُعير بقيَّة الصِّفات إِهتماماً؟! فلا تبحث عمَّن يتَّصف بالنَّزاهة مثلاً والخِبرة والعِلم وغير ذلك من الصِّفات التي نعرف جميعاً أَنَّها ضروريَّة كذلك لتحقيقِ ما أَشرنا اليهِ آنفاً؟!.

   بلا؛ إِنَّ كلَّ هذهِ الصِّفات ضروريَّة ومهمَّة، ولكن، لو ننظُر في جوهر صفتَي القوَّة والأَمانة فسننتبهَ إِلى أَنَّهما تجمعان كلَّ الصِّفات الأُخرى، بمعنى آخر؛ أَنَّ القوَّة والأَمانة تستبطن كلَّ الصِّفات الأُخرى التي هي مطلوبة في الوكيل او الممثِّل كذلك، على غرارِ مثلاً قول أَميرُ المؤمنين (ع)؛

   {فَإِنَّ الْبُخْلَ وَالْجُبْنَ وَالْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللهِ}.

   خصلةٌ تجمعُ بين ثناياها خصالٌ شتَّى!.

   من جانبٍ آخر فانَّ لكلِّ موقعِ مسؤوليَّةٍ يتصدَّى لَهُ المرءُ معاييرَ أَساسيَّةٍ هي الأُمُّ والجوهر وأُخرى ثانويَّة بمعنى أَنَّها تنبثقُ منها وهي المكمِّلة لها.

   ولذلك نلاحظُ مثلاً أَنَّ القرآن الكريم يذكر صفتَين أَساسيَّتَين لكلِّ موقع مسؤوليَّة أَشار إِليهِ، ففي المسؤوليَّة التي تصدَّى لها نبيَّ الله يوسُف (ع) صفتَين أَساسيَّتَين هُما غير الصِّفتَين الأَساسيَّتَين الَّلتين وردتا في مسؤوليَّة القائِد العسكري طالوت الذي قادَ الشَّعب الاسرائيلي في الحَرْبِ ضد جَالُوت، وهكذا! وهذا أَمرٌ علميٌّ وطبيعيٌّ وواقعيٌٍّّ تفرضهُ نوعيَّة المسؤوليَّة!.

   والمشكلةُ تبرز عندما يكونُ المسؤولُ عندنا [سوبر مسؤُول] لكلِّ الأَدوار والمهامِّ والمسؤوليَّات! كالطَّماطِم! أَو عندما تختلط علينا الأُمور فتختلط الصِّفات المطلوبة للمسؤوليَّة مورد الحاجة! وهو الشَّيء الذي إِبتُلينا بهِ الآن في الْعِراقِ بسبب المُحاصصة والحزبيَّة الضّيِّقة!.  

   والآن؛

   كيف ومتى تتحقَّق صفتَي الشَّجاعة والأَمانة عند المسؤُول؟!.

   ١/ عندما يعتقد بأَنَّ الموقع مسؤوليَّة وليسَ تشريفي أَو هِبةً أَو هديَّةً من حزبهِ! أَو لكسبِ الامتيازات، كما يتعاملُ معه الآن الكثير من المسؤُولين في الْعِراقِ الجديد! فترى الكُتل السِّياسيَّة تختلف وتتخاصم وتتشاجر مع بعضِها وتعمد كلَّها الى نشرِ الغسيل القذِر لبعضِها وكلُّ ذَلِكَ من أَجلِ أَن تظفرَ بموقعٍ، وزارةٌ مثلاً أَو مقعدٌ في البرلمان أَو منصبٌ ما في المحافظةِ أَو ما أَشبهَ! وعندما تضمِن الموقع لا تقدِّم شيئاً يُذكر للنَّاس! سوى أَنَّها تحلِب الموقع كمنافعَ وإِمتيازات حزبيَّة وربَّما عائليَّة وعلى مُختلفِ الأَصعِدةِ، الأَمنيَّة والسياسيَّة والاستثمار والاقتصاد وغير ذلك!.

   ٢/ وعندما يستوعب المسؤُول أَهمِّيَّة وضرورة هذا الموقع في خدمةِ البلادِ والمُجتمع!.

   ذاتَ مرّةً سأَلتُ أَحد السَّادة النُّوَّاب عن سرِّ عدم حضورهِ جلسات مجلس النُّوَّاب؟! وقضاء أَغلب وقته متنقِّلاً بين العواصمِ وفِي المنتجعاتِ؟! فأَجابني وبكلِّ صلافةٍ ووقاحةٍ؛

   أَنا لا أَحضر في مجلس النُّوَّاب إِلَّا عندما أُريدُ أَن [أَبولَ] عليهِ!.

   آخر إِنقضت عليهِ دورةٌ برلمانيَّةٌ كاملةٌ (٤) سنوات لم يحضر خلالها حتَّى جلسةً برلمانيَّةً واحدةً! وعندما سألتهُ عن علَّة ذلك قَالَ؛ أَنا أَكبرُ مِن البرلمان!.

   أَمَّا النَّائبة في مجلس العُموم البريطاني فقد إِصطحبت معها مولودَها الرَّضيع الذي فتحَ عينيهِ للتوِّ على الحياة، إِصطحبتهُ معها الى البرلمان للمشاركةِ في التَّصويت على قانونٍ جديدٍ كان يحتاجُ صوتها لتمريرهِ! معتبرةً أَنَّ صوتها أَمانةٌ تحمَّلتها نيابةً عن الذين إِنتخبوها لا يحقُّ لها التَّفريط أَو التَّهاون بهِ لأَيِّ سببٍ كان!.

   أَمَّا قصَّة نوَّاب رئيس الجمهوريَّة، وهي المناصب التي فُصِّلت للرَّواتب والامتيازات فقط! فلسنا بحاجةٍ الى أَن نُفَصِّل عنها الحديث!. 

   ٣/ وأَخيراً؛ عندما يحترم المسؤُولُ النَّاسَ الذين وثِقوا به فحمَلوهُ الى موقعِ المسؤوليَّة! أَمّا المسؤُول الذي يعتقد أَنَّ الشَّعب ليس أَكثر من همجٍ رُعاعٍ لا يستحقُّون شيئاً! وأَنَّهم في خدمتهِ وخدمةِ [العائلةِ الحاكمةِ] وما أَكثرها اليوم! وأَنَّهُ متفضِّلٌ عليهِ إِذَا لوَّحَ لهم بيدهِ [الشَّريفة] إِذ يكفي أَنَّهُ تصدَّى لموقعِ المسؤوليَّة باسمهم! فماذا يريدونَ مِنْهُ أَكثر من هذا؟ وبماذا يطلبونهُ؟! فانَّ هذا النَّوع من المسؤُولين لا يمكنُ أَن يكونَ قويّاً في موقعهِ أَمينا عليهِ أَبداً!.

   أَن تؤمنَ بالشَّعب وأَن تؤمن بفضلهِ عليك! أَوَّل مصادر القوَّة والأَمانة في أَيِّ موقعٍ للمسؤُوليَّة!. 

   إِنَّ من أَبرز مصاديق مَن لا يؤمن بالشَّعب هم المسؤولون الفاسِدون والفاشِلون الذين ابتُليَ بهِم الشَّعب العراقي منذ سقوط نِظامُ الطّاغية الذَّليل صدَّام حسين في ٩ نيسان عام ٢٠٠٣ ولحدِّ الآن!. 

   ٢١ حزيران ٢٠١٧

                            لِلتّواصُل؛

‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com

‏Face Book: Nazar Haidar

‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1

(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here