كاتب ومفكر عراقي: قيام الدولة الكوردية حق مطلق

هذا الحوار اجراه الكاتب الكوردي جان دوست مع المفكر والكاتب العراقي الكبير الراحل هادي العلوي،الذي تبرأ من جنسيته العراقية بعد قصف مدينة حلبجة بالسلاح الكيمياوي من قبل نظام الطاغية صدام حسين.

في هذا الحوار الذي نشر لاول مرة في عام 2004 ، يتحدث المفكر الراحل عن حق الكورد في إقامة دولتهم المستقلة وعن نظرة شعوب المنطقة لهذا الحق .

نص الحوار:

جان دوست: تخوضون منذ فترة طويلة غمار التراث الإسلامي, كيف وجدتم صورة الإنسان الكوردي, أو بالأحرى صورة الشعب الكوردي في هذا التراث؟ و هل أنتم متفقون مع تلك الصورة التي قدمها ذلك التراث؟

هادي العلوي: ليس هناك ما يشكل صورة للشعب الكوردي في التراث الإسلامي. الكورد من عناصر هذا التراث, و هم مساهمون رئيسيون فيه, إلى جانب العرب و الفرس و الترك( شعوب الإسلام الأربعة الكبرى), على أن اتساع ظاهرة التمرد الكوردي و اشتداد حالة الصراع اليومي في كوردستان أوجد بعض الارتكاسات الأساطيرية بخصوصهم. فنسبهم بعض الرواة إلى أصول شيطانية, و لم تتحول هذه إلى صورة شائعة, بل هي من الانطباعات العابرة عن الأحداث الجارية في نطاق شعب أو إقليم معين. لقد ارتقى خطيب شهرزور المنبر مرة و قرأ: الكورد أشد كفراً و نفاقاً, فاعترضه المصلون: ما هكذا الآية, بل هي: الأعراب أشد كفراً و نفاقاً. فرد عليهم: إن الله لم يأت إلى شهرزور حتى يرى ما يفعل الكورد. و هذه أقرب إلى النكتة منها إلى الفكرة. و تبدو المصادر الإسلامية لمن يقرأها جيداً, و لا يعتمد على نصوص هامشية منتزعة بتصميم سابق, أميل إلى تكريم الكورد و احترامهم. و قد تحدث المؤرخون عن بعض الأمراء الكورد الذين حكموا في بعض أجزاء كوردستان, بإعجاب شديد, و سجلوا مآثرهم و نددوا بآخرين, كما يفعلون مع غيرهم, كلاً حسب سيرته و أفعاله. و أشاد الأدب الإسلامي ببطولات الكورد في الحروب الصليبية, و في هذا الشعر تذكر شعوب الإسلام الثلاثة الذين تصدوا للصليبيين, و هو في مدح أحد خلفاء الظاهر بيبرس:

للروم و الإفرنج منك مصائب بالترك و الكورد و العربان

و لم أقف حتى الآن على شعر يندد بالكورد, بينما يندد بالعرب و الفرس و الأتراك… و الأدب العربي الإسلامي حافل بذم العرب, كما هو معروف لقرائه و باحثيه, و لا نجد ما يماثله بخصوص الكورد. إن الصورة التي يتحدث عنها السؤال, هي التي يحاول المستشرقون إيجادها بالاستناد إلى بعض الهوامش لغرض ينسجم مع أهداف الاستشراق كمعرفة مسيسة. و بعضها يستفيد منه القوميون العرب, لا سيما تلك التي تضع أصلاً عربياً للكورد . و هذه وردت عند بعض المؤرخين في بحثهم عن أصول الأشياء و الأسماء, و لم تكن موجهة لغرض سياسي, لأن النزعة القومية لم تكن ظاهرة آنذاك, و هي من نتاج الفكر الحديث الوارد من الغرب.

جان دوست: ثمة مستويات متباينة في نظرة المثقف العربي إلى القضية الكوردية, و القضايا القومية” قضايا الأقليات كما يحب البعض تسميتها” . كيف تقيمون مثل هذه المستويات المتباينة؟

نظرة المثقف العربي للكورد

هادي العلوي: المثقف العربي, غير العراقي, يعادي القضية الكوردية, و يصدق ذلك على اليسار العربي و ليس القوميين العرب وحدهم.

إن النظرة السائدة في الوسط السياسي و الثقافي العربي للكورد في العراق, أنهم أقلية قومية و ليسوا جزءاً من أمة كبيرة, و هذا عند التقدميين و اليساريين. أما القوميون فالكورد عندهم عرب ناطقون باللغة الكوردية المأخوذة بدورها من العربية! و قد قال لي قومي عربي مرة:” الكورد إخوتنا”, قلت : نعم, لأنهم عرب!!! و كان هذا هو غرضه من جعلهم إخوة له. لا تنتظروا الصدقات من أحد. فالحق لا يأتي إلا بالقوة. و سواء أيدكم المثقف العربي أم ناهضكم, فهو لا يقدم لكم شيئاً و لا يستطيع أن يمنع عنكم شيئاً, و هو عاجز عن أن يفعل شيئاً لنفسه فكيف لغيره؟.

أعتبر كوردستان العراق أرضاً محتلة

جان دوست : لكم مشروع قاموس كبير, تسمونه كما سمعت: “مشروع العمر”. ما هو نصيب الكورد في هذا المشروع الثقافي الهام؟

هادي العلوي:لا شأن للكورد بمشروعي المعجمي. هو مشروع للغة العربية, يسعى لحل مشكلات لغة البحث و الاصطلاح العلمي, و هو أمر يخص العرب و ليس الكورد. و غاية ما يقال هنا, أن مؤلف هذا المعجم عربي قح, لكنه نصير للأمة الكوردية, و يعتبر كوردستان العراق أرضاً محتلة كفلسطين تماماً. و هذه صفة المؤلف لا صفة القاموس. وهي أيضاً مجرد صدفة. فقد يكون مؤلف قاموس آخر قومي عربي, يتمسك بعروبة كوردستان و يفضلها على عروبة فلسطين.

الدولة الكوردية يجب أن تقوم

جان دوست: الدولة الكوردية حلم الملايين من الكورد…هذا الحلم يتعرض للاغتيال مع كل محاولة جادة لإقامة دولة كوردية مستقلة. و يلاحظ المرء من خلال قراءة الواقع و التاريخ, أن هناك حالة فوبيا عامة من طرح مثل هذه المسألة, سواء في الغرب, أو لدى الذين يسيطرون على أرض كوردستان. ترى ما مصدر هذه الفوبيا؟ و ما الذي ستخسره شعوب المنطقة و حكامها بعد نشوء دولة كوردية ربما تساهم في خلق استقرار أمني كبير في المنطقة بعد خروج القضية من ساحة اللعبة الدولية كورقة في يد الجميع لخلق حالة توتر دائم؟

هادي العلوي: نعم هو رهاب الكورد, مرض مشترك للغرب كله عدا استثناءات. و للعرب كلهم عدا استثناءات , و للفرس و الأتراك باسثناءات أحادية. لقد استوعب كلهم دولة إسرائيل التي قامت في غير أرضها, و تألفت من مهاجرين. و يتعذر عليهم استيعاب دولة كوردستان التي يراد إقامتها على أرضها و من سكانها أنفسهم. أمة عريقة تسبق شعوب المنطقة كلها إلى التوطن في إقليمها, لا يحق لها إقامة وطن قومي باتفاق الجميع. و تبلغ المفارقة حد الاستفهام من بعض الكورد أنفسهم, إذ تتحدث جريدة ريگای كوردستان عن حق اليهود في إقامة وطن قومي, و كأن هذه هي مهمتها كجريدة كوردية. و هذه من معادلات الفكر الغربي في وعي سياسيينا و مثقفينا, بيسارهم و يمينهم. وليس لدي تفسير لهذا الرهاب الذي يصيب الكثير بسبب الكورد, مع أنهم أقاموا دويلات عديدة ناجحة في أنحاء كوردستان على امتداد العصر الإسلامي, و منهم ظهر أعظم قائد إسلامي بعد “محمد” و أصحابه, و هو “صلاح الدين” الذي ينتمي, كما يقول ابن كثير في ” البداية و النهاية” إلى ” أشرف شعوب الكورد” . الدولة الكوردية يجب أن تقوم. و هذا هو شعاري الذي أرفعه و أهتف به:” لتذهب دولة إسرائيل و تأتي دولة كوردستان”. و لا يعنيني أن يغضب علي القوميون العرب الذين تستفزهم هذه الكلمة المحرمة, بينما يتعاملون مع دولة إسرائيل الغاصبة براحة ضمير.

و قيام الدولة الكوردية حق مطلق ولا يرتهن باعتبارات أو ذرائع أو مصالح تتعدى كونه حق مطلق. و قولك أنها ستساهم في خلق استقرار أمني كبير هو من فعل الترجمة . فأنت أيها الأخ الكوردي تتحدث بلسان دولي مبين. إن الاستقرار حاجة للقوى المتسلطة العاتية, لأنه يؤمن لها بقاء الأوضاع على حالها, بينما رفع الشيوعيون الصينيون في أيام عزهم هذه اللافتة: ” الاضطراب يعم الدنيا و الوضع جياش ”.

و كلما اضطربت الدنيا, اقترب المظلومون من نيل رغائبهم.فإذا استقرت و سكنت دام ظلمهم و انسحاقهم. إن دولة كوردستان ستكون عامل إثارة ضد الاستقرار الامبريالي. و هو السبب الذي يجعل الغربيين يتفقون على منع إقامتها و الاكتفاء بتزويد الكورد بعض المعونات الغذائية.

و أنا معك. لتخرج القضية الكوردية من ساحة اللعبة الدولية كورقة في يد الجميع و تكون بيد أهلها. و هذا يعني رحيل أمراء الحرب و استلام الوطنيين الشرفاء للقضية حتى تكون بأيد أمينة.

العرب و الأتراك و الفرس يضطهدون الكورد و يحتلون بلادهم

جان دوست: ما هي برأيكم الصيغة الأنسب للتعايش السلمي بين شعوب الشرق الأوسط؟

هادي العلوي: لنحدد. شعوب الشرق الأوسط هي: العرب, الكورد, الأتراك, الفرس. و الصراع قائم الآن بين هذه الشعوب و تغذيه الإمبريالية, و هو مع ذلك مسؤولية الشعوب نفسها. فالعرب و الأتراك و الفرس يضطهدون الكورد و يحتلون بلادهم. و الشعوب تشارك في هذا الاضطهاد, فهو ليس فعل الحكومات وحدها. إن الشعب العربي و الشعب الفارسي و الشعب التركي يوافق على احتلال كوردستان و يرفض النظر إليها كإقليم مختلف, و قابل للإنفصال. العرب يعتبرون الكورد عرباً و الأتراك يعتبرونهم أتراك, و الفرس يعتبرونهم فرس. و حتى الذين يؤيدون القضية الكوردية في هذه الشعوب لا ينظرون إليها كقضية أمة مجزأة و محرومة من وطنها القومي, بل ينطلقون كونها قضية أقلية قومية, يدافعون عن حقوقها ضمن دولتهم.

الأتراك بدورهم يحتلون أجزاء من الأراضي العربية, و يتحكمون في الأنهار العراقية و يعملون على قطع الرافدين لتصحير العراق. و الفرس من جهتهم يحتلون الضفة الشرقية لشط العرب, و يعملون لتوسيع حدودهم على حساب العراق. وهكذا فالصراع قائم في المنطقة بين الشعوب نفسها. و لا أرى أفقاً للتعايش السلمي بينها, ما لم يتخلى كل شعب عن مطامعه في البلد الآخر, فيجري إقرار حق الكورد في الاستقلال و حذف المطامع التوسعية الإيرانية في العراق, و إيقاف المخططات التركية ضد النهرين و إعادة الأراضي العربية التي تحتلها تركيا إلى أصحابها.

لمحة عن هادي العلوي

ولد هادي العلوي الملقب بأبي الحسن في بغداد عام1932, و تلقى معارفه الأولى على يد جده السيد سلمان و في مكتبته الغنية في مجالات التراث و الفقه و اللغة و التاريخ. حفظ القرآن و نهج البلاغة, كما حفظ الكثير من الشعر العربي. تخرج من كلية التجارة و الاقتصاد بتفوق عام1955.

منذ بداية الخمسينيات ساهم في الحركة الوطنية العراقية و تحول في وقت مبكر إلى النهج الماركسي و أقام صلات وثيقة مع الحركة الشيوعية.

اضطر لمغادرة العراق منذ العام1976 و تنقل بين الصين و لندن و بيروت و دمشق التي توفي فيها يوم 26 ايلول 1998و هو في قمة عطائه الفكري . اقتدى الراحل بشاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري في الامتناع عن أكل اللحم و بقي نباتياً إلى حين وفاته. كما أنه كان يمارس الزهد وعاش حياة متقشفة بالرغم من مرض الربو الذي كان يضغط عليه و كان من الأسباب التي أدت إلى وفاته.

أصدر هادي العلوي عدداً من المؤلفات منها: نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي. فصول في تاريخ الإسلام السياسي. مدارات صوفية. شخصيات غير قلقة في الإسلام. فصول عن المرأة. الرئي و اللامرئي في الأدب و السياسة. كما نشرت أعماله الكاملة عن دار المدى.

وهو ما برح يناصر القضية الكوردية و يجاهر برأيه الجريء القائل بوجوب إقامة دولة كوردية مستقلة حتى آخر لحظة في عمره. تبرأ من جنسيته العراقية بعد قصف حلبجة من قبل نظام الطاغية صدام حسين قائلاً في براءته الشهيرة إلى أطفال كوردستان: ( أيها الطفل الكوردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة، على فراشه، أو في ساحة لعبه، هذه براءتي من دمك أقدمها لك. معاهداً إياك، ألاّ أشرب نخب الأمجاد الوهمية، لجيوش العصر الحجري، أقدمها لك على استحياءٍ، ينتابني شعورٌ بالخجل منك، ويجللني شعورٌ بالعار أمام الناس، أني أحمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك. وليت الناس أراحوني منها، حتى يوفروا لي براءة حقيقية من دمك العزيز. أنا المفجوع بك. الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل. في زمن حكم الذئاب البشرية، لم نعد نملك فيه إلا البكاء. اقبلْها مني، أيها المغدور، فهي براءتي إليك من هويتي ).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here