تعلموا من علي عليه السلام معنى السياسة “7”

عباس الكتبي
الدعامة الثانية في سياسة أمير المؤمنين “عليه السلام‘” المالية، هي: الإنفاق على تطوير الحياة الاقتصادية.
يقول عليه السلام، في عهده لمالك الأشتر، وهو يوصيه على إصلاح الأرض: (( وليكن نظرك في إصلاح الأرض أبلغ من نظرك في أستجلاب الخراج، لأنّ ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلاّ قليلا …))، كما انه عليه السلام، وجه عدة رسائل الى ولاته، يوصيهم بلزوم الاهتمام بتطوير الاقتصاد العام.
الغاية من هذه الوصايا، هو القضاء على شبح الفقر والحرمان في البلاد، وتحسين وزيادة الدخل الفردي للمواطن، وفعلاً نجح الإمام عليه السلام، في سنوات حكمه ان يقضي على الفقر نهائياً، حتى أنه”ع” أستغرب في يوم من الأيام، عندما رأى رجلاً من النصارى يسأل الناس”يستجدي”، فقال كلمته المشهورة فيه:( ما انصفتموه.. استعملتموه شاباً..حتى اذا كبر وعجز تركتموه)، ثم خصص له راتباً من بيت مال المسلمين.
كانت الزراعة في ذلك العصر، تعد بمنزلة النفط والغاز الآن، والى اليوم يقولون( الزراعة نفط دائم)، لذا سلام الله عليه، كان يؤكد على رعاية إصلاح الأراضي وعمارتها، فالشيء الذي يرفد خزينة الدولة بالمال، لابد من الإنفاق عليه وتطويره حتى يجلب أموالاً أكثر فأكثر، لينتعش بذلك إقتصاد الدولة والمواطن.
العراق، في زمن كانت ميزانية سنة واحدة من ميزانياته، تعادل ميزانية خمس دول أو أكثر، لم يحسن التعامل، والتطوير، والاستثمار، مع الحقول النفطية، كالزيادة في إنشاء المنشآت والمصافي للنفط ومشتقاته، أو أكتشاف آبار جديدة، وخاصة ان العراق بلد عائم على النفط.
نتيجة سوء الإدارة، أول قل نتيجة الفساد المالي والإداري، وخاصة في الحكومة السابقة، كان العراق يحرق ملايين الدولارات، من الغاز المحروق هدراً، ولم تنفق الدولة عليه للإستفادة منه، أوتستثمره ليصبح مورداً مالياً آخر للبلد، أو عالاقل يغنينا عن استيراد الغاز، اللهم إلاّ مؤخراً في زمن وزارة السيد عادل عبد المهدي، التفت الحكومة إليه عندما جاعت.
آواخر السبعينيات من القرن المنصرم، خبراء الإقتصاد العراقي، يسمّون هذه السنوات بالفترة الإقتصادية الذهبية، بحيث ان الدينار الكويتي، كان أقوى عملة في المنطقة، دينارنا العراقي تجاوزه، وأصبح الدينار الواحد يعادل ثلاثة دولارات، حتى ان العراقي اذا سافر الى أوربا، كان يعيش ملكاً في تلك البلاد، وترفع له القبعة، وتؤخذ له التحية، اذا نزل في مطارات أو سار في شوارع أوربا.
كل هذا الإجلال والاحترام، كان بسبب قوة الدينار العراقي، وقوته جاءت من قوة إقتصاد البلد بطبيعة الحال، إذاً من أين أتت هذه القوة الاقتصادية؟ أتت بفضل الناتج المحلي الوطني، الذي يقدّر ب”50%” من الموارد العامة للبلاد أنذاك، حتى أصبح فائض خزينة الدولة سنويا “60%”، وأصبح الفقر شبه منعدم بالعراق، الى ان جاء سفاح العراق، اللقيط الملعون صدام المقبور، فقضى على هذا الازدهار الإقتصادي، وأدخلنا في حروب، لا ناقة لنا فيها ولا دجاجة، ما زلنا الى الآن نعاني من آثارها، حروب كانت من ورائها أيادي يهودية، وخليجية، وغربية، الهدف منها تدمير العراق وشعبه.
كان بودي التحدّث عن الإقتصادي التركي، عندما أصابته أزمة زادت من شدتها في بداية الألفية الثانية، كاد الشعب التركي أن يستجدي من ورائها، عالعموم الموضوع طويل وعريض، بالنتيحة الآن النظام الاقتصادي التركي، من الأنظمة المتقدمة في مجال الإقتصاد العالمي، وهذا كله بفضل تطوير الناتج الوطني، ولم تتأثر تركيا ولا إيران بالازمة المالية التي ضربت العالم قبل سنوات، بسبب الأكتفاء الذاتي للدولتين من ناتجهما المحلي المتعدد الموارد.
سياسيو العراق الجديد، أو بالأحرى حكومتنا الرشيدة السابقة!! ضيّعت “المشتين” بتعبير أهلنا، لا هي طوّرت من القطاع الننفطي وحافظت عليه، بل “حجي” نوري، و”حجي” حسين، سلما موردنا الوحيد الى الشركات الاجنبية بعقود التراخيص، ولا هي قامت بالإنفاق على تطوير القطاع الصناعي والزراعي والسياحي، لتزيد من مواردنا المالية، وتنعش اقتصادنا، ولا أعرف ماذا يحلّ بنا، لو- لا سامح الله- أصابت البصرة هزة ارضية، او زلزال ضرب حقولها النفطية، وأدى الى دمارها بشكل كامل!؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here