العراقيون والفتنة الكبرى

الفتنة تعني الاختبار والابتلاء والامتحان, ويتعرض الفرد المسلم لشتى أنواع الفتن وكذا الحال بالنسبة للمجتمعات الإسلامية, وهذا يعني أنه هناك نوعين من الفتن وهما الخاصة التي تصيب الفرد والعامة التي تصيب المجتمع, فتؤدي تلك الفتن لإنحراف الفرد أو المجتمع عن جادة الصواب والطريق المستقيم فتزين له عمله وفعله فيصبح يرى الباطل حقاً والحق باطلاً, ويرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً, وأسباب الإفتتان أو الوقوع في الفتنة عديدة منها ما يتعلق بالفرد أو المجتمع نفسه ولعل أبرزها هو تغييب العقل, بحيث يعزف الفرد عن التفكير ويتجرد منه في تمييز الحقائق والأمور والأحداث التي تعترضه في حياته ويسلم أمره بيد غيره ويأخذ منه المسلمات وكأنه أودع عقله عند غيره من الناس, ومن أمثلة ذلك هو التسليم الواضح لوسائل الإعلام بكل أنواعها حيث يأخذ منها الفرد المسلمات ويصدق بها حتى وإن كان ما يرد فيها من معلومات منافياً للعقل والمنطق حتى يتحول الأمر إلى سلوك جمعي وليس فرد.

ولعل المجتمع العراقي بصورة عامة من أكثر المجتمعات تعرضاً للفتن وما نعيشه اليوم في ظل تواجد تنظيم داعش الإرهابي والذي يرافقه كثرة مصادر المعلومات من وسائل إعلام وتصريحات من شخصيات تحمل صفة القيادة الإجتماعية والسياسية والدينية وتسليم الفرد والمجتمع لتلك المصادر صار العراقيون يخوضون غمار فتنة كبرى, فمنهم من يرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً, وخير شاهد على ذلك الكلام هو إننا نرى بعض الأشخاص يظهر التشفي والفرح والسرور عندما يسمع بأن هناك شخص قتل أو وقع إنفجاراً في منطقة ما أو يتعرض مجموعة من الناس للتهجير, وكذلك نجد هناك من يبرر ويدافع عن الفساد والإفساد الذي يحصل في الدولة ويرى بأنه أمر مباح ولا إشكال فيه تحت حجج ومبررات واهية, بل حتى هناك من يقوم بترك الواجب ويعمل بالمستحب ويراه بأنه أوجب من الواجب ويرى بأن الواجب مستحباً على أقل تقدير وأيضاً تحت حجج واهية وغير شرعية أو عقلية.

إذن كيف نعرف إن الفتنة قد أصابتنا ؟ كيف يعرف الإنسان انه قد أصابته الفتنة ؟ هذا هو المهم هنا، تعرف الفتن تميز الفتن تعدد الفتن نظرياً لكن نأتي إلى التطبيق نأتي إلى العمل نأتي إلى السلوك نأتي إلى المنهج نأتي إلى المعتقد, المائز أن ينظر الرجل فإذا رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة فليرجع نفسه، وان كان يرى الحرام ويراه حلالاً ويقول بحليته ويعمل على أنه حلال فقد أصابته الفتنة…

الآن كل إنسان يسأل نفسه : هل إن قتل الأخ من أبناء الوطن من أبناء الدين من أبناء الإنسانية هل تراه حلالاً أم حراماً ؟ هل كان حلالاً وصرت تراه حراماً أو كان حراماً وصرت تراه حلالاً ؟ هل تهجير الناس هل الفرح بما يصيب الأبرياء هل قتل الأبرياء هل تهجير الأبرياء هل إثارة الطائفية هل الفساد والإفساد هل السكوت على الفساد والإفساد كل هذا تراه حلالاً ؟ هل كنت تراه حراماً وصرت تراه حلالاً ؟ أم أنت قد فقدت الاتزان والميزان والتمييز من البداية ومن الأصل عليك أن تميز أن تفكر، أن تحدد هل انك أصابته الفتنة أم لا ؟.

فالنجاح في هذه الابتلاءات والخروج منها يستلزم تحكيم العقل والتجرد من كل ميل أو هوى شخصي أو مذهبي أو فئوي أو حزبي, والابتعاد عن كل ماهو مخالف للعقل مهما كان مصدره لأن خلاف ذلك يعني السقوط في الفتنة…

بقلم احمد الجارالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here