المنارة الحدباء ليست حجارة .. انها تأريخ خالد وحضارة !!

احمد الحاج

مذ سقوط الموصل بيد مايسمى بتنظيم داعش صيف 2014 في سيناريو يصدق فيه قول الفنان جعفر السعدي، بمسلسل ” الذئب – النسر – وعيون المدينة ” الشهير ( عجيب أمور غريب قضية ) لم يكشف النقاب عن ملابساته بعد وأظنه لن يكشف كونه سيطيح برؤوس كبيرة وكل قومي رؤوس كمزرعة البصل حين انسحبت تشكيلات عسكرية بعدتها وعديدها فجأة امام بضع مئات من المسلحين من اصحاب الشعور الطويلة المرخاة كشعور النساء واللحى الاطول ، ظهروا كالاشباح من حيث ﻻيدري احد ، تاركين اسلحة ومعدات حربية اميركية حديثة الصنع خلف ظهورهم تقدر بملايين الدولارات تكفي لتحرير فلسطين ، لم يعثر عليها بعد فيما لم يستخدمها داعش في قتاله على مدى شهور ومنذ بدء عمليات استعادة الموصل بضمنها مدافع ودبابات ، اين ذهبت ، لمن بيعت ، لمن هربت ، لمن خزنت ؟ الله اعلم !

فيما اكدت صحيفة “فاينانشال تايمز” نقلا عن منظمة العفو الدولية ، أن القوات الأمريكية فقدت أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة تتجاوز ‏الـمليار دولار تم إرسالها إلى العراق في السنوات الأخيرة – من فلوسنه ، تره مو بلوشي ها ، دفعا للبس والتوهم – سبقها البنتاغون حين اعلن في ايار / 2015 إن الجيش العراقي خلف وراءه خلال عملية انسحابه المفاجئة من الرمادي، 6 دبابات وعددا مماثلا من المدافع الثقيلة، إلى جانب 100 عربة هامفي مدرعة، وكميات غير محددة من الذخائر المتوسطة والثقيلة ، تماما كما حدث في الموصل في حزيران 2014 !

اقول منذ سقوط الموصل وأنا أتوقع تفجير مسجد النوري الكبير ومئذنته الحدباء وهما رمز للمدينة ولتأريخها الضارب في القدم على مدى 8 قرون ، أمر ببنائهما هازم الصليبيين ، نور الدين زنكي ، سنة 566 هـ، ، توسعة للمصلين ممن ضاق بهم المسجد الاموي الوحيد هناك ، ومنذ تفجيرهما في ليلة القدر في رمضان الحالي تحديدا وانا اسمع من يردد ما قاله سابقا عند تفجير آثار النمرود والحضر وتدمير القطع النفيسة التي ﻻتقدر بثمن في متحف الموصل وقبلها تفجير جامع النبي يونس والنبي شيت والنبي جرجيس ،وقبلها حين سرقت 16 قطعة آثارية ابان الغزو الغاشم عام 2003 ” انها مجرد حجارة ..والبشر أولى بالحزن من الحجر !!”

وأسأل : الم تنقلب الدنيا ولم تقعد في شباط 2006 غضبا لتفجير قبتين مشيدتين من الحجارة ايضا في سامراء وماتلاها من اعمال طائفية وتفجير مساجد وتهجير واعمال حرق وتخريب ونهب وسلب يشيب لهولها الولدان ذهب ضحيتها الاف الابرياء ومن كل الطوائف حتى ان الشرطة كانت ترفع 50 جثة مجهولة الهوية في اليوم الواحد ، معصوبة العينين ، مقيدة اليدين ، من قارعة الطرق ومكبات النفايات في بغداد لوحدها ؟!

ليست كل دول الحضارات الغابرة تشهد واقعا سيئا ، فقط تلك التي انفصمت عن ماضيها واضاعت كما يقول البغادة ” الجوخ والبداوي ” ، فهذه بلاد فارس مازالت قائمة وتتمدد ، وتلك بلاد الروم ، والاغريق ، والهند والصين واليابان ﻷنها حافظت على تراثها وتأريخها ناصعا وكاملا غير منقوص ، بلاد وشعوب جددت حاضرها فقط تماشيا مع الواقع ، مع الحفاظ على الهوية وبأصرار ﻻيلين ، التي ضاعت وستضيع هي فقط تلك التي تعاني انفصاما في الهوية او تشويها لها ” واعجب كل العجب من ان يخلد القرآن الكريم الحضارة التي اسقطت مملكتي اسرائيل وعاصمتها السامرة ، وممكلة يهوذا وعاصمتها اورشليم بـآيات تتلى اناء الليل وأطراف النهار ” بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا ” …ثم ” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا”، فيما نأنف نحن من سيرة اجدادنا معالمهم ، لقد ربط القرآن الكريم ماضي الامم بحاضرها و قمنا نحن بهدم كل ما يدل ويؤشر ويوثق ويشرح للاجيال تفاصيل ذلك كله بذريعة انها ” بقايا امم سادت ثم بادت ” بل ونهرنا من بكى لهدمها وطالب بأعمارها او الحفاظ عليها ، حتى اختفى من الموصل اليوم على سبيل المثال كل اثر يدل على ان هذه الارض واهلها هزموا الروم والفرس واليهود ذات يوم دفعة واحدة ( ولعل هذه احد اسباب ظهور داعش فيها وهدم اثارها قطعة قطعة ومن بينها مملكة الحضر والنمرود وعربايا ونحت ﻻمثيل له يظهر فيه الملك اﻻشوري واضعا قدمه على رقبة احد اشهر القادة المهزومين امامه ) ولن اتحدث عن اﻵثار العباسية المهملة في طول البلاد وعرضها ، بغداد في السينما العالمية اصبحت عبارة عن حكايات واساطير الف ليلة وليلة ودليلة والزئبق ، وبساط الريح والمارد القمقمي وعلي بابا والسندباد البحري واباحيات بشار بن برد ،وعنترة بن شداد ، المأمون يجلد ظهر ابن حنبل بفتنة خلق القرآن ، هارون الرشيد وقصوره وجواريه يقرب فقهاء ويهين آخرين ، ابو حنيفة في السجن ﻷنه رفض تولي القضاء ، محاكمة الحلاج واعدامه ، بينما لم يتحدث احد عن امبراطورية عظيمة حكمت العالم من بغداد الى الصين ، طأطا لها اباطرة الروم وملوك الفرنجة واحنوا لها رؤوسهم خجلا ووجلا ، لقد نجح الشعوبيون في فصلنا عن هويتنا وتراثنا حتى بتنا بلا جذور نفخر بها وﻻ هوية على الاطلاق ومن يفقد جذوره هام كريشة في مهب الريح .

ابحث عن الشعوبية اولا ، ثم ثني بكتابات المستشرقين والمستعربين وكم التشويه الهائل الذي تلقفته (هول يهوود) ﻻحقا واصبح عرفا ونمطا وعليك بتقليب بطون الكتب الصفراء والاطلاع على حجم التشويه المخيف الذي خلفته واسأل نفسك وكل من حولك ، لماذا نصب بغداد كلها تدور حول لصوص وسكارى ” كهرمانة والاربعين حرامي ، شهريار وشهرزاد ، المصباح السحري ، ابو نؤاس ” لماذا ليس ، الرازي وابن البيطار وابن القف والقراء السبعة ، وابن سينا والطبري والزهراوي والفارابي والكندي والغزالي وابن الهيثم وجابر بن حيان ووووو…ﻷن المطلوب هو ربط كأس الخمر ومصباح السحر والشعوذة واللصوص والجواري ببغداد التي حكمت العالم ذات يوم ، فيلم لص بغداد الذي انتج مرارا مثالا على ذلك وكفى ، واضيف ان تكرار ادراج بغداد على رأس العواصم الاكثر تخلفا وفسادا ورعبا في العالم يصب في هذا الاتجاه منذ 2003 والى يومنا هذا ومن دون تغيير يذكر وكأن يدا خفية تحتسي كرستالا وترياقا وخمرا ، تنظم شعرا يملؤها الفرح الغامر بكل هذه المثالب والمصائب التي تنجح في كل عام بأدراج بغداد في ذيل القائمة الاسوأ عالميا لتمحى صورتها المشرقة في التأريخ القديم والحديث على حد سواء وكذلك شقيقاتها ، الموصل الحدباء والبصرة الفيحاء . اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here