الدبلوماسية الذكية، سعادة السفير الياباني مثالاً.

لعل من أصعب واهم مهام السفراء الأجانب هي إيجاد آلية ذكية ومتميزة يوصلون فيها رسائلهم الى شعوب وحكومات بلدان الضيافة والتي يكون لها اثر كبير في تقوية العلاقة بين الدولة المرسلة الام والدولة المضيفة.

عندما حصلت على شرف تمثيل العراق كسفير في اليابان كنّا كسفراء نبحث عن أفضل طريقة لإيصال رسائل الصداقة الإيجابية للحكومة والشعب في اليابان، ترانا نحضر هنا او هناك او نزور هذا المحفل او تلك المحافظة وهلم جرّا. لا شيء غريب في ذلك ولكن وقعه غالباً لا يكون قوي او مُلفت للانتباه والإعجاب الكبير وذلك لأنها تعتبر من الاعمال الروتينية للسفير. الاستثناء حصل في مشاركتي في مارثون طوكيو عام ٢٠١٢ كدعم للمجتمع الياباني بعد فاجعة زلزال فوكوشيما والذي كان له اثر كبير على المجتمع الياباني الرسمي والشعبي. الشيء ذاته حصل من إعجاب وتقدير أمريكي كبير جداً بعد انتقالي لواشنطن ومشاركتي في مارثون بوستن عام ٢٠١٤ بعد فاجعة العمل الإرهابي في الماراثون نفسه في السنة السابقة.

زميلنا سعادة السفير الياباني في العراق استطاع اثناء تواجده في بعثته في بغداد منذ اكثر من عام ونصف من إرسال عدة رسائل مهمة الى الشعب العراقي متعلقة بالمواطنة والإيثار والبناء القويم للمجتمع المدني في العراق بعد دمار الحروب. كما انه لم ينسى ان يعكس انه عراقي الهوى ويقدر عراقة بلاد الرافدين ويعرف حجم التحديات التي تواجهنا كعراقيين. اليات إرسال رسائله الهادفة تضمنت خطابات مباشرة كانت بعضها تحت عنوان “نحن العراق ونحن للعراق” او “ألم يعقبه أمل” او “صبر الأسلاف” او “الكرادة ومحنة كانتو”. ومن الضروري ان لا أنسى ذكر رسائله الفديوية القصيرة او التحدث باللهجة العراقية او صيام بضعة ايّام من شهر رمضان المبارك او اكل الأكلات الشعبية العراقية مثل القيمر والكاهي وايضاً قوله ( بسم الله) قبل بدء احاديثه ….الخ.

الملفت للنظر هي انفتاح السفير ورعايته الدقيقة للحالة العراقية، على سبيل المثال لا الحصر في رسالته في بداية هذا العام والتي كانت تحت عنوان “نحن العراق ونحنُّ للعراق” يبدأ سعادة السفير رسالته ب:

[[صديقي العزيز،

غالباً ما أقول لأصدقائنا العراقيين إن اليابان هي رفيقة درب العراق في طريقه نحو التعافي وإعادة الإعمار، وأني أخٌ لكم لم يولد في بلاد الرافدين، وأنا مؤمن أن الأخ الحقيقي يقدم النصح القاسي أيضاً عند الحاجة، كما في المثل العربي (أخوك من صدقك النصيحة). وفي هذا العمود، سأتجرأ على فعل ذلك، وآمل حقاً أن تصل كلماتي إلى قلوب أصدقائنا العراقيين.]]

هذا الرجل النبيل كأسلافه من السفراء اليابانيين في العراق يرسخون للعالم، ولنا نحن العراقيون، برسائلهم السلمية الشفافة وتواصلهم الذكي معنا ان تطور وبناء الامم يجب ان يكون اخلاقي قبل ان يكون مادي وصناعي. انه التحضر الياباني بعينه والشعور بالمسؤولية والتقدير للضيافة والترسيخ العملي لمفهوم ان الشعوب والحضارات تتطور بالحوار وليس بالحروب.

ارفع لك قبعتي سعادة السفير فوميو إيواي ودمت صديقاً عزيزاً للعراق الذي يحب اليابان وشعبه ويعتز بصداقته.

زميلك لقمان عبد الرحيم الفيلي

سفير العراق السابق في اليابان والولايات المتحدة الامريكية

٢٠١٧/٠٦/٢٨

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here