إختلط الحابل بالنابل

رضوان العسكري

(إختلط الحابل بالنابل) يتحدث هذا المثل عن ان الراعي بعد موسم عشار الماعز، يعمل على عزل القطيع، فيجعل المعاشير وهي «الماعز الغزيرة اللبن» على حدة وغير المعاشير على حدة ليبيعها، ويحتفظ بالمعاشير لتدر عليه أرباحاً وافرة. وتسمى المعاشير «حابل» وغيرالمعاشير «نابل»، فكثيراً من الأحيان تختلط المعاشير مع غير المعاشير فيستاء الراعي ويقول: ( إختلط الحابل بالنابل )، وهو تعبير أيضاً عند إختلاط الأمور على صاحبها.

كثيراً من السياسيين يعملون على خلط الأوراق، فيطلقون عبارات عديدة، يتهمون بها أنفسهم تارةً, وغيرهم تارةً أخرى، بالفساد السياسي والمالي، والفشل في ادارة السلطة، حيث توجه تلك الإتهامات الى السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وإنهم من سرق ونهب وضيع البلاد! وإن كل الطبقة السياسية على هذا النحو، هل هذه هي الحقيقة الفعلية الموجودة في العراق؟ أم هناك تدليس وتزييف للحقيقة الموجودة على أرض الواقع، لأنه لا يوجد شيء اسمه الكل إطلاقاً.

على مدى السنوات الماضية من الحكم الفاشل في العراق، فإن الأغلب يمتلك الشجاعة الزائفة ليتهم الكل بالفساد والسرقة، ولكن لا يوجد شخص واحد يمتلك الشجاعة الحقيقية، ممن يدعي الوطنية والشرف، أن يحدد من هو الفاسد ومن هو السارق، لأنه لو إتهم حزباً ما فإن ذلك الحزب سيفضحه هو وحزبه، لأنه وبكل تأكيد يمتلك عليه الأدلة الكافية والوافية لإدانته، بالإضافة الى وجود المحابات فيما بينهم، وبعضهم هو جبان بالفطرة، لأنه يخشى ان يساق للقضاء بحجة الإتهام والتشهير.

هناك فعلاً من هو يعلم بفساد نفسه, وفساد حزبه أو كتلته، لكنه يعمم هذا الشيء لكي تختلط الامور على الجميع، “فيختلط الحابل بالنابل” لكي ينجو من الحساب.

إن أكثر الأموال التي سرقت وضاعت، هي لدى الحكومة التنفيذية، لأنها المتسلط الوحيد على إنفاقها، لكن خلال الإثنتي عشر سنة الماضية لم نشاهد أحداً أودع السجن, او تمت محاسبته, او استرجع منه ما سرق، لأن اصل الحاكم فاسد، لأنه مرةً يغطي على الفاسدين، واخرى يغض البصر عنهم، وفي كلا الحالتين هو فاسد، لأن الفساد يجري بمرئ ومسمع منه.

بعض الأصوات التي تتحدث بالفساد وتعممه على الجميع، أعطت مساحة واسعة أمام السراق للسرقة، لأنهم يدركون جيداً لا عقاب لمن يسرق، فعندما نشاهد بعض دعاة الوطنية والشرف، يرفع ورقة بيده يدعي انها مستمسك، لفساد أحد الوزراء، لكن بعدما سُئِل عن ذلك المستند، ولماذا لا يقدمة ليكون حجة للإدانه، يقول إنها تكت طائرتي غداً! هل هذه فعلاً الصورة الحقيقية للسياسة؟.

للأسف اصبح الكثير من السياسيين يتاجرون بعواطف ومشاعر الناس، من خلال تدليس الحقائق وتزييفها، للجمهور ليظهر بمظهر الشرف والنبل، الذي لا يمتلك منه ذرة، لمكاسب سياسية وانتخابية قادمة، فعندها تضيع الحقائق، وتنهار العملية السياسية برمتها، يصبح هو في مأمن من القانون الغائب عن السياسيين الفاسدين، وهذا ما إنعكس سلباً في الشارع، فأصبح فاقداً الثقته بالجميع.

من يتابع الوضع العراقي، سيجد إن الشيعة جادين في إصلاح العملية السياسية برمتها، سياسياً وإمنياً وإقتصادياً, داخلياً وخارجياً على كافة المستويات والأصعدة، وهذا ما يثير حفيضة الأطراف الأخرى، كدعاة المدنية والمنادين بالعلمانية والفاسدين وغيرهم الكثير، من الذين حاولوا القاء مسؤولية فشل العملية السياسية في العراق، على عاتق الشيعة فقط، مع إنهم جميعهم مشاركون في العملية السياسية، كأحزاب وحركات سياسية، ولا يوجد منهم من هو في منئى عن ما يتهمون به غييرهم، ولم يكونوا اقل فساداً وهدراً للمال العام، لكنهم وبإعلامهم يحاولون إيصال رسالة للعالم بأن ساسة الشيعة فشِلوا في إدارة الحكم في العراق.

فهناك الكثير من يحاول خلط الاوراق على عامة الناس، لكي “يسلم الجمل بما حمل”، وللإسف الشديد هناك الكثير من صدق وروج لهذا الأمر، لجهله الحقائق وتصديقه الأكاذيب، مع إننا لا نبرر لبعض ساسة الشيعة فسادهم كما لغيرهم، فهناك فعلاً من افسد في جميع النواحي، لكن ليسوا الشيعة فقط وإنما الغالبية إما شارك في الفساد ونهب المال العام أو تغاضى عن الفاسدين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here