زوال دولة الخرافة عهد إلهي

قال تعالى {{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}}. البقرة: 30

في هذه الآية الكريمة مدلول واضح على إن الإرادة الإلهية اقتضت بجعل الخلافة على الأرض بيد البشر, وتمثلت هذه الخلافة بالرسل والأنبياء والصالحين والأئمة ومن يمثلهم من امتداد طبيعي لهم من الأتقياء الأنقياء من البشر وليس دونهم, فالخليفة يمثل إرادة الله سبحانه وتعالى في الأرض لقيادة المجتمعات نحو التكامل والرقي في كل مجالات الحياة وكذلك تحصين المجتمعات البشرية من الإنحرافات والبدع والضلالات وتصحيح مسار من شذ منها بالدعوة الصالحة وبالمجادلة بالحسنى والحكمة والموعظة مع ترك فسحة ومجال لحرية إختيار الدين والمعتقد وهذا ما يبينه قوله تعالى {{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }} البقرة256 …

فمن يؤمن بالخلفاء الذين مثلوا الإرادة الإلهية فقد استمسك بالعروة الوثقى ومن لم يؤمن بهؤلاء فأكيد إن حسابه على الله سبحانه وتعالى في دار الآخرة, وهذا إن دل على شيء فأنه يدل على إن الخلافة أو خليفة الله في أرضه هو شخص وقع عليه الاختيار من قبل الله سبحانه وتعالى, وليس الخليفة من يختاره الناس أو يفرض نفسه عليهم بالقوة والسيف والتفجير والتفخيخ والقتل وسفك الدماء والتهجير والترويع للناس كما فعل ويفعل أصحاب دولة الخرافة الداعشية ومن أسس لها من أئمة وشيوخ التكفير, فنصبوا أنفسهم خلفاءً في الأرض وبصورة بعيدة كل البعد عن الإرادة الإلهية حتى في طريقة الدعوة لدولتهم الخرافية التي خالفت كل القيم والتعاليم السماوية عموماً والإسلامية خصوصاً فخرجت عن منهاج النوبة الذي نسبته لنفسها كذباً وزيفاً وخدعاً من أجل التغرير بالناس البسطاء والسذج, وهذا ما يجعلنا نسأل : هل فجر النبي محمد ” صلى الله عليه وآله وسلم ” نفسه أو الصحابة فجروا والمسلمين أنفسهم في مكة وبين مشركي مكة ؟ هل فخخوا وفجروا وهجروا الناس حتى يقول الدواعش وخليفتهم المزعوم بأن دولتهم على منهاج النبوة ويرفعون هذا القول كشعارٍ لهم ؟!..

فكانت الخلافة لله سبحانه وتعالى ولمن اختار من الأنبياء والرسل والأئمة ” عليهم سلام الله أجمعين ” وليس لمن نصف نفسه أو من نصبه الناس بعيداً عن إرادة الله جل وعلا, فهذا النص القرآني ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ ) بمفرده أو بانفراده كافٍ للدلالة على وجوب الإمامة والإمام؛ وجوب تنصيب و تحديد وتشخيص الإمام من الله سبحانه وتعالى، فالملائكة وهي العقول النورانية لم يؤخذ برأيها ولا إجماعها في تحديد وجعل الخليفة، ولم يؤخذ برأي أهل الحل والعقد منها لتحديد وجعل الإمام والخليفة، فالله سبحانه وتعالى تجاوز هذه العقول الملائكية النورانية والملكوتية واختار بنفسه الخليفة والإمام، وتصدى بنفسه لتحديده، فهذا الحال مع الملائكة وهم العقول النورانية فكيف مع الناس، الذين يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء بتصريح الملائكة وإمضاء الله سبحانه وتعالى لهذا التصريح.

أي إن الله سبحانه وتعالى لم يأخذ بكلام الملائكة وهم أصحاب عقول نورانية ولم يلتفت لرأيها وإجماعها في إختيار الخليفة لأن إرادته جل وعلا إقتضت بإختيار الخليفة فهل نتصور ونعقل بأن الله سبحانه وتعالى يقبل بخليفة من اختيار الناس الذين يفسدون ويسفكون الدماء أو بتنصيب أحدهم نفسه خليفة ؟! لم يقبل الله برأي الملائكة وهم أفضل من البشر من الناحية العقلية فهل يقبل برأي البشر ؟؟!…

ولهذا نجد إن كل من رفع عنوان الخلافة خارجاً عن الإرادة الإلهية فكان مصيره الهلاك والتشرذم والهلاك المحتوم وهذا عهد من الله سبحانه وتعالى الذي وعد به المؤمنون به وبرسالته وبخط الخلافة الإلهية بأن يمكنهم في الأرض وليس غيرهم, وما حصل ويحصل الآن من تشرذم لدولة الخلافة الخرافية الإرهابية هو عهد أيضاَ لأنها خارجة ومارقة عن الإرادة الإلهية الحقة, قال جلت قدرته {{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }} النور55 .

بقلم احمد الجارالله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here