الحرب الحقيقية مع داعش تبدأ عندما تتوقف العمليات العسكرية/ العراق أنموذجا

د.عامر صالح

أعلن القائد العام للقوات المسلحة العراقية ورئيس الوزراء السيد حيدر العبادي في 29ـ6ـ2017 القضاء الرسمي على تنظيم داعش ” تنظيم دولة الخلافة الإسلامية ” متخذا من رمزية السيطرة على أنقاض جامع النوري والحدباء أشارة جغروسياسية لأعلان النصر حيث من هذا المكان أعلن التنظيم دولته الشؤوم قبل ثلاثة أعوام تقريبا, ولكن الحقائق الميدانية تؤكد ان تنظيم داعش لازال يلتقط انفاسه الاخيرة في عمليات كر وفر في الساحل الأيمن من الموصل, الى جانب تواجده المبعثر وتمترسه في مناطق شتى في العراق بما فيها حزام بغداد وكركوك في الحويجة وتلعفر وعلى شكل خلايا نائمة ونشطة في كل المناطق المحررة !!!.

بالتأكيد أن كسر الذراع العسكري لتنظيم داعش الارهابي هو أنجاز كبير ومشرف للقوات المسلحة العراقية, وقد قدمت فيه قوافل من الشهداء ومن خيرة ابناء الشعب العراقي ممن أقتنعوا بمقاتلة الارهاب وابعاد شبحه عن العراق, وقد خلفت المعارك الشرسة مع عدو لا يعرف في قاموسه الرحمة, خراب شامل في البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ومئات الالوف من النازحين من الموصل بشقيها الايسر والايمن, اما على مستوى آخر فقد بلغ النزوح بالملايين من مناطق العراق الاخرى التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش, الى جانب استنزاف المؤسسة العسكرية من حيث عدتها وعنصرها البشري وفي ظروف العراق الحرجه وهو بأمس الحاجة لبناء مؤسسته العسكرية واجهزته الامنية والمخابراتية, كأي دولة تطمح لبناء تلك المؤسسات الدفاعية لحماية البلد من الاطماع الخارجية وتقوية الجبهة الداخلية !!!.

في هذه اللحظات الحرجة يتكالب النظام الطائفي السياسي والاثني ويبذل أشد ما لديه من سوء نية في أفراغ النصر من محتواه وتحويله الى موضوع خلاف لأضعاف الجبهة الداخلية, فهناك من يرى ان رئيس الوزراء استمع الى نصائح الامريكان ولم يشرك الحشد الشعبي مباشرة في تحرير نينوى, مما ألحق بخراب شامل في هذه المدينة وكأن داعش تقاتل بالحلوى والشوكولاته, وهي جزء من صراعات حزب الدعوة لسحب بساط النصر من تحت أقدام حيدر العبادي ولأضعافه سياسيا, وهناك في الجبهة السنية السياسية من يرى ان التحرير كان منجزا خاصا بأهل مناطقها ولا فضل لأحد عليها, وهي دعوى مبطنة لتغذية الاحتقان الطائفي من جديد وتكريس العزلة النفسية والسلوكية لأهلها وتوظيف ذلك في مختلف مشاريع الاستمالة بما فيها الانفصال, الى جانب عدم الاعتراف بشهداء التحرير من العراق كله !!!.

التركة الثقيلة في المناطق الغربية او ما يسمى ” السنية ” هي تركة ليست هينة أبدا, فألى جانب الخراب في البنية التحتية الاقتصادية وتوقف الحياة بالكامل, هناك الخراب الفكري الذي أسست له داعش ودول الاقليم الداعمة للارهاب والقائم على قاعدة الصراع الشيعي ـ السني والغير قابل للحل ومن خلال تغذيته بنماذج السوء تاريخيا لأبقائه مستعرا بدون نهاية, ويشكل هنا النظام المحصصاتي الطائفي والاثني عاملا مسهلا لتلك الصراعات وديمومتها, فهو قابل بفعل طبيعته التشنجية ان يعطي الضوء الاخضر لهذا الطرف على حساب الآخر.

أن معالجة آثار الارهاب ومخلفاته النفسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتعزيز مكاسب الانتصار العسكري على داعش يجب أن تبدأ أولا بأعادة النظر جذريا في النظام السياسي القائم, بما فيه الدستور وقانون الاحزاب والانتخابات ومفوضيتها, ومتزامنا مع كل الجهود الحريصة لمحاربة الفساد الاداري والمالي والسياسي, لأن داعش نتاج لهذا كله الى جانب العوامل الخارجية.

أن الفساد الاداري والمالي في المناطق الغربية ” السنية ” بما فيه سرقة الاموال المخصصة لمساعدة النازحين واعادة اعمار مناطقهم يحجب الحديث كليا عن اعادة بناء البنية التحتية المدمرة ويجعل سكان مناطقها في مهب الريح اذا لم يقترن في اعادة بناء العملية السياسية القائمة على المحاصصة السياسية الطائفية والاثنية, الى جانب ما يجري من فساد متعدد الوجوه في الوسط والجنوب او ما يسمى بالمناطق ” الشيعية ” ينخر الدولة ومؤسساتها, فالسارق والفاسد واحد باختلاف هويته الطائفية !!!.

الاحتفاظ بزخم الانتصارات المتحققة في جبهات المعارك ضد تنظيم الدولة الاسلامية ” داعش ” يجب ان يقترن بحرص اطراف العملية السياسية على ايجاد مخارج لأحتقانات العملية السياسية لدعم الانتصارات المتحققة على جبهات القتال ضد داعش والابتعاد عن منطق المحاصصة الطائفية الذي سبى العراق والعراقيين وكلفهم اعز ما يملكون من أبنائهم وثرواتهم ومستقبلهم. داعش ستكون في مزبلة التاريخ عندما يكون الوطن صالحا للجميع أما عدا ذلك فالقادم أسوء !!!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here