الشعب الأخير الذي لا حدود له
قد يكون الشعب الكردي هو الشعب الوحيد من بين شعوب الأرض الذي يملك كل مقومات الدولة الحديثة من ارض و شعب و نظام حكم سياسي و مع ذلك كله ليس لديه كيان مستقل و قد يكون الشعب الكردي هو الوحيد من بين شعوب الأرض الأكثر انشغالآ بالثورات الشعبية و التمردات العسكرية المطالبة بالأستقلال و تكوين الدولة العتيدة و لكنه لم يحظى بها بعد و قد يكون الشعب الكردي هو الوحيد من بين شعوب الأرض الذي استخدمت ضده جميع الأسلحة المدمرة و المحرمة بما في ذلك السلاح الكيمياوي الذي اباد الالاف من البشر و دمر مدينة بأكملها توأم ( هيروشيما ) الكارثي ( حلبجة ) .
لا نأت بجديد عند قولنا ان مبدأ تقرير المصير و تكوين الدولة القومية المستقلة حق مكفول و مضمون لكل شعوب الأرض و لا مجال للشك في ان الشعب الكردي من ضمن تلك الشعوب لا بل من اكثرها تعطشآ للحرية و الأنعتاق من الوحدة القسرية و الأجبارية و التي يرزح تحت نيرها منذ سنين طويلة و وفق عناوين و شعارات متعددة و مهترئة و كانت اكثر الأتهامات مدعاة للسخرية و الأستهزاء هو تعريض ( الوحدة الوطنية ) للخطر و كأن البلد الذي يحكمه و منذ سقوط ( صدام حسين ) حزب اسلامي طائفي ضيق الأفق بالكاد يمثل الجزء البسيط من جماهير طائفته و اليه يرجع ( الفضل ) في تأسيس الكانتونات و المكونات و هو يشق الجيوب نائحآ على الدولة المهددة بالتشرذم و التقسيم اذ ما استقل الأكراد بدولتهم و اقاموا كيانهم المنشود .
لم يكلف ( الحكام ) في العراق انفسهم ( عناء ) البحث و التفكير في الأسباب الملحة ( نترك الشعور القومي ) و التي تجعل من الأكراد تواقين للأنفصال و اقامة الدولة بسرعة و على عجل للتخلص و النفاذ من تبعات الأتحاد مع دولة اقل ما يمكن ان توصف به انها فاشلة تقع تحت قبضة حكم حزب طائفي لم يستطع حماية البلاد و المواطنين الذين يقطنونها و جعلها تخوض في غمار حروب اهلية مدمرة من خلال الخطاب الطائفي الأنعزالي و الذي جعل اتباع الأديان و الطوائف الأخرى في حالة توجس و خوف من طغيان طائفة الأكثرية العددية الى الفلتان الأمني و انتشار العصابات المسلحة المنافسة للجيش و الشرطة و بعلم السلطة الحاكمة الى سيادة القانون العشائري و انحسار القانون المدني و ضياع هيبة ( الدولة ) و المؤسسات الحكومية .
امام هذا الواقع المرير و هذا الركام و الحطام المسمى ( دولة ) وجد الأكراد ان الفرصة امامهم متاحة و سانحة ( اقتناص الفرص هو مبدأ سياسي لا غبار عليه ) في اجراء الأستفتاء الذي يسبق اعلان الدولة المستقلة و جس نبض الدول الأقليمية المحيطة و كذلك الدول الكبرى اذ من المستحيل قيام الدولة الكردية المستقلة دون موافقة الدول العظمى و كذلك الدول المحيطة و التي سوف تبدي اعتراضها الشديد ( حسب اعتقادنا ) و على الأغلب لأن الأجزاء المتبقية من ( كردستان الكبرى ) تقع ضمن اراضي تلك الدول و هي الدول المجاورة التي تعتبر تأسيس دولة كردية في الجزء العراقي بمثابة تحريض و شحذ همم لبقية الأكراد في اجزاء كردستان المقسمة في الأقتداء و التمرد و هذا ما لا تقبله حكومات تلك الدول مثل ايران و تركيا المعادية لتطلعات الشعوب في الحرية و الأنعتاق .
كان الشعب العربي في العراق و بحكم وعيه السياسي العميق و المبكر من اكثر الشعوب تعاطفآ و مناصرة للشعب الكردي المضطهد و حقوقه المسلوبة و كان الكثير من الأحزاب السياسية العراقية البارزة تناصر و تدعم تطلعات الشعب الكردي المشروعة في الحرية و الأستقلال و تقرير المصير و كذلك وقفت بعض المرجعيات الدينية بالضد من الحروب التي كانت تشنها الطغم العسكرية الحاكمة في بغداد على الشعب الكردي .
يخبرنا التأريخ ان الشعوب الثائرة من اجل حريتها و استقلالها لم تستأذن من احد للقيام بتلك الثورات و التي هي الخطوة الأولى في تكوين الدولة الوطنية فلماذا يطالب الشعب الكردي اخذ موافقة الحكومة العراقية و من ثم اخذ موافقة حكومات الدول الأقليمية المجاورة ان هي قبلت بذلك و لاحقآ اخذ الأذن و السماح في الأعلان عن الكيان المستقل من الدول الكبرى فأن كان ذلك في توافق مع مصالحها رضيت به و ان لم يكن كذلك رفضته و ابقت الحال على ما هو عليه .
كانت القضية الكردية احدى مشكلات العراق المزمنة و التي تهدد ما بقي منه ان لم يكن هناك من حل جذري لها فألأنفصال و استقلال ( كردستان ) له فائدتان الأولى في التعبير الوجداني للأمة الكردية من خلال الدولة المستقلة و الهوية الوطنية و الأخرى في ان احدى المشاكل الخطيرة و المستعصية و التي كانت السبب في الكثير من الحروب و الويلات و المآسي للشعبين قد انتهت و بدأ عهد جديد و علاقات وطيدة و متميزة بين البلدين و الدولتين الأقرب الى بعضهما العراق و كردستان .
حيدر الصراف
Read our Privacy Policy by clicking here