على خلفية مقتل نوشي: مخاوف من تراجع الحريات بعد داعش

مصطفى حبيب

الاحد الماضي عثر على جثة الممثل الشاب كرار نوشي في احد مكبات النفايات في منطقة شارع فلسطين احد أحياء بغداد الراقية، وقال ذووه إن كرار تعرض للتعذيب والشنق قبل اطلاق رصاصة في رأسه، بينما اكتفت وزارة الداخلية بفتح تحقيق بالحادثة وسط استياء أهالي بغداد الذين انشغلوا طيلة الأيام الماضية بالحادثة.

وقبل مقتله كان كرار احد مشاهير “فيسبوك” موقع التواصل الاجتماعي المفضل لدى العراقيين، لمواكبته الموضة من الملابس والإكسسوارات وشعره الطويل المصبوغ باللون الأشقر، وترشح لمسابقة ملك جمال العراق قبل أشهر.

وقال ذووه وأصدقاؤه خلال لقاءات في عدد من القنوات العراقية المحلية إن كرار سبق وان تعرض لتهديدات بالقتل بسبب أسلوب عيشه وطريقته في الحياة، كما انه ينشر بين الحين والآخر مقاطع فيديو تمثيلية حول الصداقة والحب وحب الوطن ومناهضة المتطرفين، كما انه ممثل يشارك في احدى المسرحيات المحلية في بغداد.

الحادثة أخذت أبعاداً أوسع وعادت إلى أذهان البغداديين الشهور التي أعقبت الحرب المذهبية التي اجتاحت البلاد خلال عامي 2006 و2007، بعدما توقف القتال بين الميليشيات والجماعات المسلحة وتحول الطرفان الى محاولة تطبيق أحكام دينية متطرفة عبر ملاحقة الشاذين جنسيا وقتلهم وتنامي ظاهرة السرقة والاختطاف، وهو ما يحصل الآن تماما مع اقتراب الحرب ضد “داعش” من نهايتها.

ويؤكد النقيب في جهاز الشرطة المحلية في بغداد خضر التميمي لـ “نقاش” أن “سجلات الوزارة الواردة من مراكز الشرطة المحلية في بغداد شهدت تصاعد عمليات السرقة والاختطاف، وغالبا ما يتعرض أثرياء لهذه الحوادث في مناطق مختلفة في العاصمة”.

وحول الانتقادات التي بدأت توجه الى قوات الشرطة بفشلها في فرض الأمن، يقول التميمي إن “فرض الأمن عملية مشتركة مع جميع قوات الأمن، وغالبا ما يستخدم المسلحون تسميات تنتمي إلى أحزاب سياسية وفصائل في الحشد يتبين انهم مدعون كاذبون”.

وتخشى أوساط سياسية وشعبية من الدور الذي ستلعبه فصائل “الحشد الشعبي” بعد انتهاء المعارك ضد “داعش” خصوصا وان عناصر هذه الفصائل كانوا عاطلين عن العمل، ووجدوا في قتال المتطرفين فرصة للحصول على عمل، ولكن انتهاء القتال والأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة قد تتسبب في قطع الرواتب عنهم ويتم تسريحهم وهنا يكمن الخطر.

الناشط المدني احمد عبد الحسين احد قادة التظاهرات في بغداد كتب على صفحته في الفيسبوك تعليقا على مقتل كرار “من يستطيع أن يخطف رجلاً ويقتله بدم بارد ويلقي بجثته في مزبلة بشارع فلسطين وسط بغداد دون أن تحدثه نفسه بخوف من شرطة أو قوات أمنية؟ هذه جهة متنفذة بالتأكيد وهي دولة داخل الدولة بل هي أقوى من أجهزة الدولة”، في إشارة إلى الفصائل الشيعية التي تنامت قوتها في الشهور الأخيرة داخل بغداد وباقي المحافظات على حساب قوات الشرطة المحلية.

الخوف الاكبر في البلاد هو من مرحلة ما بعد “داعش” ويتعلق بتراجع الحريات العامة، ويتداول ناشطون مدنيون على مواقع التواصل الاجتماعي ما يطلقون عليه تسمية “دواعش السياسة” في إشارة الى الأحكام والقوانين المقيدة للحريات العامة والتي يسعى نواب لتبنيها مستقبلا.

احد ابرز هذه القوانين مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المثير للجدل، وبعد اربع سنوات على رفضه داخل البرلمان، عاد البرلمان وقرر مناقشته مجددا الثلاثاء الماضي، وابرز الاعتراضات حول حقوق الزوجة في الزواج.

الغرض الرئيس من القانون هو تنظيم أمور الزواج والطلاق والميراث والوصاية على الأطفال القاصرين الخاصة بالطائفة الشيعية في العراق على الرغم من أن العراق لديه قانون للأحوال الشخصية متكامل من حيث البناء القانوني ولا توجد عليه أية اعتراضات.

عضو لجنة المرأة والأسرة والطفل في البرلمان النائبة ريزان دلير تقول لـ “نقاش” إن “كتلاً سياسية تسعى لإعادة طرح قانون الأحوال الجعفري بصيغة مختلفة عن سابقتها التي شهدت انتقادات كبيرة قبل سنوات، ان القانون يسعى لعودة أعراف اجتماعية متخلفة في الزواج”.

وتضيف ان “مثل هذه القوانين تقف ضد حقوق المرأة في مجتمع ذكوري خصوصا مع تصاعد نسب الطلاق وحالات انهيار الأسر وتزايد النزاعات الاجتماعية أمام المحاكم وفقا لتقارير مجلس القضاء الأعلى”.

وبمقارنة بسيطة فان القانون الساري المفعول الذي أُقر في زمن أول رئيس للنظام الجمهوري في البلاد عبد الكريم قاسم، فالقانون يمنع تعدد الزوجات وزواج القاصرات إلا بشروط معينة، ويمنح الأم الحق في حضانة صغارها، ويعطي الحق للزوجة بأخذ إرث زوجها في حال الوفاة على عكس بعض الآراء الفقهية الدينية كالمذهب الجعفري التي لا تورث الزوجة في العقارات والأراضي وتميل إلى منح الحضانة للأب.

ويقول الناشط المدني عمران نصيف لـ “نقاش” ان “هناك مخاوف من تراجع الحريات العامة في البلاد، بسبب تنامي سطوة المسلحين وضعف جهاز الشرطة واستخدام الحرب على داعش ذريعة لتحجيم حرية التعبير، عبر قوانين وأفعال جائرة، الجيش حارب داعش بسبب أفكاره المتطرفة، وليس من المنطقي ان تطبق الأحكام نفسها مجددا عبر جهات رسمية”.

قبل شهرين حاولت كتل سياسية مناقشة قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، ويقول محمد إن هذا القانون ضمن سلسلة القوانين التي بدأ السياسيون بتداولها في الآونة الأخيرة لإقرارها مستغلين انشغال الجميع بالحرب ضد داعش، ولكن التظاهرات الشعبية الأسبوعية تمكنت من الضغط على البرلمان لإيقاف إقرار القانون.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here