إمام مسجد النوري يكشف أسراراً مثيرةً عن البغدادي و”دولة الخلافة”

تحدث إمام وخطيب مسجد النوري بالموصل، حمود عمر هلال، لشبكة رووداو الإعلامية، عن قصة إعلان زعيم تنظيم داعش، أبو بكر البغدادي، عن “دولة الخلافة”.

في يوم 27 حزيران من عام 2014، دخل مسلحو تنظيم داعش إلى مسجد النوري، وقالوا للإمام، حمود عمر هلال، إن شخصاً آخر سيلقي الخطبة بدلاً عنه، وكان ذلك الشخص هو زعيم التنظيم “إبراهيم عواد”، الذي لُقب بعدها بيومين بـ”أبو بكر البغدادي”، والذي طالب الناس بـ”البيعة” بعد إعلانه لـ”دولة الخلافة”، وفيما يلي نص المقابلة التي أجرتها شبكة رووداو الإعلامية، مع إمام وخطيب مسجد النوري بالموصل، حمود عمر هلال:

رووداو: متى علمتم أن داعش قد جاء إليكم، حيث أن التنظيم دخل المدينة ليلاً، ألم تشعروا قبل ذلك بأن هناك أي حركة غير طبيعية؟

هلال: لقد بدأت حركتهم من الجهات الأربع لمدينة الموصل، ونحن كنا في مركز المدينة، ولم نكن على علم بقدومهم، حيث جاؤوا في يومي الخميس والجمعة، وكان يوم السبت عطلة وكانت المؤسسات الحكومية مغلقة، وقد دخلوا إلى المدينة في تلك الأثناء.

رووداو: كيف عرفتم لأول مرة أن تنظيم داعش قد أصبح بينكم؟

هلال: بعد أن بدأ القتال، انسحب الجيش العراقي، كما بدأت الخلايا النائمة بالخروج وممارسة أنشطتها، وأعلن التنظيم مجيأه، وحتى الذين كانوا خارج المدينة، أعلنوا أنهم يدعمون أنصارهم في الموصل.

رووداو: هل ألقيتم الخطبة بالمسجد في اليوم الأول لقدومهم، وكيف كانت الأوضاع في تلك الأثناء؟

هلال: أول يوم كان الجمعة، وكان هناك حظراً للتجوال، ولم تكن هناك أي حركة، بل كانت هناك عمليات قتالية فقط، لذلك لم تكن هناك خطبة يوم الجمعة، ولكن بعد ذلك الأسبوع، بدأنا بإلقاء خُطب الجمعة.

رووداو: كيف كان تعامل تنظيم داعش من الناس في البداية؟

هلال: كان تعاملهم بطريقة يمكن للمرء أن يرغب بها، ولكن بعد فترة من الزمن، تبين أن أقوالهم شيء، وأفعالهم شيء آخر.

رووداو: خلال الشهر الأول، وحتى وقت إعلان “خلافة داعش”، كيف كان يتم تسيير أمور مدينة الموصل؟

هلال: في البداية لم يكونوا يعيرون اهتماماً للناس والمساجد، لقد كانوا منشغلين بشيء أهم، وكانت الأمور تسير بطريقة سلسة، لأن “دولتهم” كانت تتأسس حديثاً، ولم يكن هناك خيار آخر أمام الشعب، كما لم تكن هناك حلول أخرى، فاستمر الناس في حياتهم الطبيعية وكانوا سعداء وقبلوا بالوضع الذي أصبحوا فيه، وكانت الضغوط التي تمارسها الشرطة والجيش على الناس سبباً في عدم اكتراثهم لما سيحدث، وكذلك تسببت في ولادة رغبةٍ بالتغيير بسبب زيادة الضغط والإساءة والاعتقال وإزعاج الناس في الشوارع، وكان الشعب يرغب بحدوث تغيير.

رووداو: كيف كان الفرق بين اليوم الذي جاء فيه أبو بكر البغدادي إلى مسجد النوري، والسنوات الست التي كنت تلقي فيها الخطب في ذلك المسجد؟

هلال: في ذلك الوقت كان قد مرَّ على مجيئهم شهر واحد، وكان الناس متعطشين للتغيير آنذاك، لذلك كانت مشاعرهم هادئة وطبيعية، واستقبلوا البغدادي برغبة كبيرة، وقد تركزت خطبة البغدادي حول إعلان الخلافة فقط، في حين كانت خُطبنا تتركز حول الحياة الاعتيادية واحتياجات الناس، كما أنهم كانوا يوضحون أن الخلافة هنا، لكي يعلم الناس بأن الخليفة هنا، ويبعثوا برسائلهم إليه.

رووداو: من الذين صلوا خلف أبوبكر البغدادي؟

هلال: أنا شخصياً كنت هناك في ذلك اليوم، وقد جاء الناس إلى المسجد بنية الصلاة كالعادة، ولكن مع اقتراب وقت الصلاة، جاء شخص وقال: (سيتحدث إليكم الشيخ إبراهيم عواد، الآن)، وفي ذلك الحين فهم الناس أن هذا هو الخليفة، وقد كنتُ موجوداً في المسجد، فجاؤوا إلي وقالوا لي: (لدينا إمامٌ سيلقي الخطبة)، فلم أسألهم من هو إمامهم، وهم أيضاً لم يخبروني، حيث لم يكشفوا عن اسمه، وأنا قلتُ في نفسي: فليلقي خطبته، وحين اقترب موعد الصلاة، فهمتُ من الذي سيلقي الخطبة.

رووداو: كيف كانت الأوضاع بشكل عام في ذلك اليوم، هل حدثت تغييرات حول المسجد، وكيف كانت أحوال الناس خارج المسجد؟

هلال: بدأت الحركة داخل المسجد عند الساعة 9:00 صباحاً، حيث دخل عناصرهم إلى المسجد وبدأوا بتفقده، كما كان هناك الكثير من عناصرهم في الخارج، وفي ذلك الوقت قهم الناس أنه إما أن أمراً عجيباً سيحدث، أو أن شخصاً سيأتي لإلقاء الخطبة، كما أن شبكات الاتصالات “آسيا، وكورك، وزين” انقطعت في ذلك الحين، وكان الناس يشعرون بأن شيئاً ما سيحدث، فقد كان هناك الكثير من الأشخاص منتشرين في المكان، وكان هناك حديث بأن شيئاً ما سيحدث في ذلك اليوم.

رووداو: من الذي طلب منك عدم إلقاء الخطبة؟

هلال: جاء إلي شخص يُدعى، أبو حسام، وقال لي: “لدينا إمامٌ سيلقي الخطبة، ولن تُلقيها أنت اليوم”.

رووداو: هل تواصلوا معك قبل ذلك، أم أنهم جاؤوا إليك مباشرةً وأخبروك بالأمر، وكيف كانت طريقة حديثهم؟

هلال: لا، يم يتواصلوا معي أبداً، بل جاؤوا مباشرةً إلى المسجد وفتحوا أبوابه، وحتى الأبواب التي كانت مقفلة، كسروا أقفالها وقالوا: “إمامنا سيلقي خطبة”، ولم يقولوا شيئاً قبل ذلك عن هذا الموضوع، وإنما في يوم إلقاء الخطبة فقط كشفوا عن اسم الشخص الذي سيلقيها، وكان قد بقي على الخطبة وقت قصير.

رووداو: هل كانت أبواب المسجد مفتوحة أمام الجميع لأداء صلاة الجمعة أم لا؟

هلال: لقد كان مجيء الناس طبيعياً، ولكن كان يتم تفتيشهم أولاً، ومن ثم السماح لهم بالدخول، كما كانوا يطلبون من الناس إغلاق هواتفهم.

رووداو: الأشخاص الذين صلوا خلف البغدادي لم يتم الكشف عن وجوههم في الفيديو الذي نُشر، فمن كانوا، هل كانوا من أهالي هذه المنطقة أم جاؤوا من الخارج، وهل كانوا عراقيين أم لا؟

هلال: غالبية الواقفين في الصف الأول كانوا من عناصرهم، ولا أعلم إن كانوا من قادتهم أم كانوا أناساً عاديين، لأنه لا أحد كان يعلم ذلك بعد، فقط عناصرهم كانوا يعلمون من هم القادة، ومن هم العناصر العادييون، ولكنني أعلم أن غالبية الواقفين في الصف الأمامي كانوا من عناصرهم.

رووداو: هل رأيت أبوبكر البغدادي عن قرب، وهل تحدث إليك؟

هلال: لا، فعندما دخل إلى المسجد، توجه إلى المنبر مباشرةً وبدأ بإلقاء الخطبة، وبعد انتهاء الخطبة خرج مباشرةً، وفي تلك الأثناء تجمع حوله بعض الناس، وبعضهم ألقى عليه التحية، والبعض الآخر قَبّله، فيما كان آخرون يدعون له، وكانت هناك ضجة كبيرة، وكان حراسه المسلحون يحيطون به بالكامل، لذلك لم أتمكن من الاقتراب.

رووداو: كيف كانت ردة فعل الناس بعد خطبة إعلان “الخلافة”؟

هلال: كما قُلت سابقاً، لقد كان الناس يحلمون بالتغيير بسبب الضغوط التي كانت تُمارس عليهم، لذلك كانوا يأملون بأن يخلصهم أحد من هذه الضغوط، وفي البداية تقبل الكثيرون الأمر واعتبروه أمراً جيداً، كما كان لدى الناس أحلام عن الخلافة الإسلامية، على أن تكون خلاقةً على الطريق الصحيح.

رووداو: كيف كانت ردود فعل الناس بعد نشر مقاطع الفيديو التي تُظهرهم وهم يقطعون رؤوس البشر؟

هلال: كان الناس خائفين من “الدولة” في البداية، وبعد أن بدأ القتل، تولدت الشكوك، وتبين أن أقوالهم شيء وأفعالهم شيء آخر، وبدأ الناس بالتفكير، حيث كانت معاملة غالبية عناصر داعش قاسية حتى مع النساء والأطفال.

رووداو: أنت كإمام مسجد، هل شعرت أنه حقاً خليفة للمسلمين، ويقوم بعمل الإمام في المسجد؟

هلال: في الحقيقة لم أشعر بوجود خلافة، لأن ممارسات عناصرهم كانت قاسية حتى قبل إعلان الخلافة، وكذلك فيما بينهم، فالعنصر الذي كان يريد تركهم كان يُقتل، مما يعني أنه كان هناك شيءٌ مُبهم.

رووداو: كيف كانت معاملة البغدادي مع الأئمة؟

هلال: كان كل “وزير” مسؤولاً عن “وزارته”، كما كان “الديوان المالي” مسؤولاً عن أعماله، في حين كان “ديوان المساجد” مسؤولاً عن الأئمة، وبعد ذلك بدأوا باستبعاد كل إمام لا ينضوي في صفوفهم، حيث كان بإمكان عناصرهم فقط إلقاء الخطب في المساجد والإمامةُ في الصلاة.

رووداو: من كان يحدد مواضيع خطب أيام الجمعة، وهل كان يتم تحديد المواضيع، أم أنكم كنتم أحراراً في اختيارها؟

هلال: لم أكن أقوم بأعمال الإمامة آنذاك، ولكنني كنت على علم بأن الخطب كانت تأتي مكتوبة وجاهزة، وكلها كانت تدور حول موضوع واحد، والجميع كان يقرأ الخطبة ذاتها، ولا أعتقد أن أحداً كان يجرؤ على تغيير الخطبة أو حذف شيء منها، لأنهم كانوا يتعرضون للمساءلة والأحكام.

رووداو: بماذا كان يتميز البغدادي لكي يتبعه كل أولئك الناس؟

هلال: لم يكن يتمتع بأي خصوصية، ولكن كانت هناك خصوصية في الدعاية التي كانوا يروجونها عن تنظيمهم في مواقع التواصل الاجتماعي، لدرجة أن الناس باتوا يحلمون بالخلافة الإسلامية، وعلينا ألا ننسى أن معلومات الناس عن الإسلام ضعيفة، لذلك تمكنوا من جذب الناس إليهم.

رووداو: كيف كان الناس المختلفون القادمون من بلدان متعددة يعيشون معاً في مدينة الموصل في ظل حكم تنظيم داعش، هل كانت الحياة اعتيادية كما كان يدعي داعش، أم كانت هناك أحداث ولم يكن التنظيم يسمح بالإفصاح عنها؟

هلال: لقد كانوا مبايعين للتنظيم، ولم تكن لديهم أي مشاكل بالطريقة التي كانوا يفكرون بها، فقط كان هناك أشخاص خائفين من أن لا يتركهم التنظيم وشأنهم، وأن يتدخل في بعض المواضيع، وهو ما حصل.

رووداو: لماذا أقدم تنظيم داعش على تدمير غالبية المواقع الأثرية في الموصل، ما السبب؟

هلال: هم يعتقدون بأن هناك قبوراً في تلك المساجد والمواقع الأثرية، والأماكن التي فيها قبور لا يُسمح بإقامة الصلاة فيها، لذلك كانوا يقولون: “تلك المواقع الأثرية إما أن يتم تفجيرها، أو تدميرها بالكامل”، وهذا كان السبب الواضح لتدميرها، ولكننا لا نعلم إن كانت هناك أسباب غير معلنة.

رووداو: هل حاولتم منع أفعالهم أو مناشدتهم بعدم تدمير تلك المواقع؟

هلال: عندما كانوا يقومون بفعل، لم يكونوا يُعلمون الناس بشيء، ولا عما يفعلونه، ولم يكن أحد يشعر بأنهم ملؤوا المساجد بالمتفجرات، أو أن يفجروها.

رووداو: برأيكم لماذا أجلوا تفجير منارة الحدباء إلى آخر أيام تواجدهم في الموصل، هل لأنها كانت مقدسة بالنسبة لهم، أم لأنها كانت رمزاً لإعلان “الخلافة”؟

هلال: مسجد النوري هو أحد معالم مدينة الموصل، كما أطلق اسم منارة الحدباء على مدينة الموصل ليصبح اسمها “الموصل الحدباء”، وهناك أعلنوا خلافتهم ودافعوا عنها حتى الرمق الأخير، وعندما فقدوا الأمل وباتت القوات الأمنية على مقربة منهم، أقدموا على تفجيرها، لأنهم لم يكونوا يرغبون بأن يكون هناك أحد غيرهم في مكان خلافتهم، وكان ذلك المكان مقدساً بالنسبة لبعض عناصرهم، لقد كان ذلك خبراً مؤلماً، صحيح أن تلك المنارة لم تكن أهم من دماء المدنين والشهداء والقوات الأمنية، ولكنها كانت موقعاً أثرياً يمتد لـ800 عام، وهذه مسألة تحزّ في النفوس، وحقيقةً أنا شخصياً تألمت لأجلها، لأن منارة الحدباء كانت جزءاً من التاريخ.

رووداو: كيف ابتعدت عن المسجد، هل تصرفت من تلقاء نفسك، أم هم الذين أبعدوك؟

هلال: بعد خطبة البغدادي بيوم، أخبروني بأنه لن يُسمح لي بإلقاء الخطب بعد الآن، وأنه إذا كنتُ أشعر بأنني مظلوم، فبإمكاني التوجه إلى “ديوان المظالم” وتقديم شكوى، وهم سيستمعون إليها، وقد تم إبعاد 90% من الأئمة عن عملهم.

رووداو: كيف تمكنتم من تحرير أنفسكم من قبضة تنظيم داعش؟

هلال: عندما بدأت القوات الأمنية بالهجوم، بدأت القذائف والصواريخ بالتساقط، وقد هربتُ من الجانب الأيمن لمدينة الموصل إلى الجانب الأيسر للمدينة في يوم 13 آذار من العام الجاري، وكان الوقت ليلاً، وأعتقد أن الساعة كانت الثالثة فجراً، كما كان الناس قد بدأوا بالهروب، وكانوا ينتظرون اللحظة التي لا يكون فيها القناصون متواجدين في مواقهم، أو أن يفتح الجيش ممرات لهروب الأهالي، لقد كنا نتوقع أن نصل إلى المناطق الآمنة الخاضعة لسيطرة الجيش.

رووداو: داعش قاب قوسين أو أدنى من الانهيار عسكرياً، برأيكم متى ستنتهي الآثار الفكرية لهذا التنظيم؟

هلال: لا شكّ في أن غسيل الدماغ الذي تعرض له الكثير من الشبان، بحاجة للكثير من الوقت والجهد والنوايا الصادقة والعمل بشجاعة لتلافي آثاره.

رووداو: برأيكم، هل ستكون هناك عمليات انتقام ضد أولئك الذين عملوا في صفوف تنظيم داعش بعد انتهاء التنظيم؟

هلال: أتمنى ألا تبدأ عمليات الانتقام، ولكنني أسمعُ أن أولئك الذين قُتل أطفالهم وآباؤهم، أو دُمرت منازلهم أو طُردوا منها، ستكون لهم كلمة أخرى، ولكنني أتمنى ألا تصل الأمور إلى المستوى الذي يتمناه الأعداء.

رووداو: ما الذي يجب على المرء فعله لكي لا يتكرر حدثٌ مثل ظهور تنظيم داعش في الموصل؟

هلال: إذا غيرت الحكومة سياستها تجاه الناس نحو الأفضل، فلن تظهر جماعات مسلحة أخرى، ولكن إذا بدأت بالضغط على الناس، واعتقالهم وتضييق الخناق عليهم، ففي ذلك الحين قد نعود إلى نقطة البداية.

تحرير: أوميد عبدالكريم إبراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here