احبك…ومن الحب ما أحيا

فوزي الاتروشي

كاتب وشاعر

لست من القائلين بأن المعنى في قلب الشاعر , وان ابلغ الشعر اكذبه ، فأنا بكل بساطة ويسر وشفافية اقول احبك ، وهذه الكلمة على لساني وقلبي وثنايا عواطفي الساخنة والملتهبة لك ابداً .

لكن مشكلتي انني ابحث دوماً عن كلمة اسمى وارقى لاعبر لك عن مكنون احاسيسي.

وفي كل مرة تتحنط اللغة وتتبعثر الابجدية واعود خائباً لان الكلمات تخونني.

يبقى ان اقول ان حبي لك ليس مجرد كلام او شعار اوخطاب فضفاض بلا ملامح ، بل انه حب فريد من نوعه في هذا الزمن الرديء . حب يعبر عن نفسه في يدي المعطاءة ، وكدي وجهدي كل ساعات الليل والنهار لترضى عني ياوطني ، ياوطناً كان ذات يوم نقطة ضوء على الخارطة السياسية والحضارية والابداعية في العالم ، فاذا به الان وطن النازحين واللاجئين والممزقين والقتلى والجرحى والمحرومين من نعمة الكهرباء والامان على النفس والارض والمال والعرض والزرع والضرع.

ومشكلتي ايضاً وهي تنغص عليّ اكثر انني كلما اعلنت عليك الحب ينافسني جمع كبير من الرجال كلُ يبيع في مزاد الحب حبه لك فأراك مزدحماً بحب كاذب يجبرني مؤقتاً على التراجع الى الظل .

فحبي كما قلت فريد وغريب ، وتقاسيمه حين تعزف يطرب لها المهمشون في احضانك والاطفال والنساء ، اما المفترسون والضاحكون على الذقون فأن حبهم يختفي خلف اقنعة سوداء ومفاجأت محزنة . الم يقل المتنبي الشاعر ذات يوم:-

واذا رأيت نيوب الليث ضاحكةً

فلا تظنن ان الليث يبتسمُ

انهم متصيدون ولكن في مياه آسنة ، فأحدهم وكان يسمى حمامة المسجد سرق قوت الفقراء من البطاقة التموينية وهرب الى لندن ، والاخر افسد الدين والدنيا ومازال يدعي النزاهة ، واخر باع لداعش مدناً باكملها ومازال يزعم انه حكيم السياسة ، اما دار الاوبرا التي حلمنا بها ذات يوم فذهبت ادراج الرياح وابطالها مازالوا يدعون الوطنية والعروبة والاسلام المغيب عمداً عن شوارعنا ،. الم تقل الباحثة المبدعة هند فائز(لقد خسرنا من الدين اشياءه ، وكسبنا منه اشياءنا ، كسبنا المدن وخسرنا الشوارع ، كسبنا المصلين وخسرنا الصلاة ، ارتفعت المعابد وهبط الانسان ).

ان كل الاديان وجوهرها النقي كرس الان فيك ياوطني للمنافع الذاتية ، والانكى من ذلك ان فقهاء السلطان صاروا فقهاء الاحزاب الدينية التي تطرز الدين وتلونه وتفسره حسب مزاجها ولونها واتجاه بوصلة مصلحتها بمنأى عن الله سبحانه وتعالى وجماله وعدله .

احبك ياوطني…ولكنني لا املك فضائية تبث عبر السدود والحدود وتطلي الحقائق بطلاء قبيح ، ولاارغب ان احوز على مال وفير يشتري الذمم وعقارات الدولة ، ويشتري بكل وقاحة وصلافة مساكن المواطنين المسيحيين الذين مر على تواجدهم فيك اكثر من الفي عام ، ولا ادعي المثالية الكاذبة التي تلجأ دون قطرة حياء واحدة الى تنجيس الايزيدي والصابئي وكل من يلبس لوناً غير لون مذهبي ، ولأنني اعتبر كل الاقوام والاجناس والاديان والمذاهب والافكار سواسية دون تكفير او تخوين او اقصاء ، اقول لأني كذلك فأنني والملايين في بلادي يتم كتم صوتهم ، وحجز افكارهم ، ومصادرة اقلامهم .والدليل قائمة المبدعين والمبدعات الذين تم خطفهم او قتلهم او تشويه سمعتهم لمجرد انهم غردوا خارج سرب المطبلين والمهرجين والمصفقين ، ورفضوا تأجير او بيع اقلامهم رغم العروض المغرية .فالبعض مازال يردد ماقاله ذات يوم (غوبلز) وزير الاعلام النازي حين صرح قائلاً”حين اسمع كلمة ثقافة اتحسس مسدسي”

الم اقل لك منذ البداية انني احبك ياوطني ، ولكنني اكره السجع والبيان والتورية ورطانة الكلمات ، فحبي لك ادمان على العمل لاجلك ، مع حبي لكل مواطن يحرص على الحضور مبكراً الى الدوام ، ولكل مقتصد في الكلام وسخي في العمل ، ولكل حريص على مالك من الهدر ، والحق ان ما اهدر من اموالك منذ عام 2003 وحتى الان كان يكفي لجعلك واحداً من اعظم البلدان على خارطة السعادة والرفاه والرخاء الاجتماعي والاقتصادي.

والمفارقة المرة ان كل الخطب والكتب الدعائية وفضائيات واذاعات التسميم الفكري والعقائدي مازالت تعلق الازمات على مشجب المؤامرات الوهمية ، والحال ان اكبر المتآمرين على حياتك وحبك ومستقبلك ياوطني هم الذين يقضمون يومياً لحمك ودمك ويهشمون عظامك دون هوادة.

وحتى حين اعلن اقليم كوردستان ان يستفتي شعبه نهضت مئات الاصوات التي تنكر وتتنكر وتشتم وتقذف يميناً ويساراً دون مراعاة حتى لأصول اللياقة الادبية في ادب الحوار ، ناسين او متناسين ان قصة المقاومة الكوردية من اجل الحرية والعدالة وحقوق الانسان والرفاه الاقتصادي هي واحدة من اطول يوميات النضال التحرري بالعالم .

والسؤال المنطقي هنا اليس الاجدى بمن ينكر حق الشعب الكوردي ان يطالب بمراعاة ثروة ومال العراق واعمار مدنه واخراجه من خارطة الهجرة الى اوروبا ، وتجسير اللحمة بين مذاهبه وفتح افاق العمل لشبابه ، والايمان بتنوعه الاثني والديني والمذهبي والفكري واللغوي بدلاً من الوحدة القسرية ، والكف عن فرض دين الفقهاء بقوة وعنجهية ، وازالة سلاح ميليشيات الخطف في الشوارع ، ليصبح الوطن آمناً سليماً معافى فتنتهي رغبة التقسيم .

فلا احد يريد الانسلاخ عن الجنة حين يكون الوطن جنة الدنيا ، ولكن لا احد يرغب ان يبقى فيه حين يتحول الى جهنم الارض .اعود مرة اخرى لاكرر احبك ياوطني بفرادة وتميز ، وحبي لك مشروط بان تستطيع يوماً ان تعلن بحرية انك منعتق ومنفتح على الجميع وانك لم تعد حديقة لأية فئة او قومية او فكر او دين او مذهب لوحده .

هكذا احبك ولا اقول كما قال الشاعر قديماً (ومن الحب ماقتل) ، بل اردد بكل حرارة (ومن الحب ما احيا) ، لأنني ان مت فكلانا انا وانت الخاسران .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here