محاكمة رئيس الإلهة : قصة قصيرة

محاكمة رئيس الإلهة : قصة قصيرة

كان التلميذ مارتيريوس يمضي بصحبة معلمه انطونيوس أوكتافيوس لحضور جلسة محكمة كبير الإلهة ، فمرت بهما أرهاط من رعاع رث الثياب بعضهم كان حفاة يحملون مظاهر الوغندة والبلطجة ، وبعضهم الآخر كان نحيلا كقصب رفيع من شدة فقر و جوع وأملاق ، وقد بدوا ساخطين و غاضبين بسبب محاكمة رئيس الإلهة ، التفت فجأة أحدهم نحو المعلم أنطونيوس حتى دون أن يعرفه حق المعرفة وتوجس به محرّضا على جلسة المحكمة فتواقح عليه شاتما
ــ عليكم اللعنة ! .. أنتم السبب يا حكماء أثينا في التحريض على محاكمة كبير الإلهة لأنكم لا تؤمنون بقدسيته و تريدون من جراء ذلك هدم و إزالة أركان وأعمدة ثوابتنا وقيمنا الأخلاقية لتحل محلها قيم الخلاعة والانحلال ..
قال ذلك ثم قبّل كتابا مصفّرا بأوراقه المتهرئة .
فرد عليه التلميذ مارتيريوس وهو يخيطه بنظرة ازدراء ::
ـ أراك بالكاد تتحرك من شدة الجوع بأسمالك البالية وفوق ذلك تحمل في يدك “كتابا مقدسا ” الذي يبرر فقرك !..
فسأله هذا مندهشا :
ــ كيف ذلك ؟
فإجاب التلميذ مشيرا إلى ” الكتاب المقدس ”
ــ أليس كبير الإلهة يقول في ” كتابه المقدس ” أنه يوزع الأرزاق على الناس حسب إرادته ورغبته ومزاجه ، فيجعلك ــ مثلا ــ أنت و صحبك فقراء لا يجدون ما يسدون به رمقهم بينما يجعل أثرياء أثينا أكثر مالا وجاها ، بحيث يحيرون ماذا يفعلوا بكثرته ووفرته ـــ صمت التلميذ قليلا ثم أردف ــ حسنا : فأي إله هذا ، الذي لا يوزع الأرزاق على أتباعه بالعدل و القسطاط ؟..فأليس العدل والحق هما إحدى الفضائل الأصيلة للإلهة الحقة ؟ ثم خاطب شخصا آخر من الرهط بعدما عرفه وهو من حثالات ضواحي المدينة فسأله ــ : و أنت يا أغناثيوس ؟ … أنا سمعتُ بأن أبنك الرضيع قد مات بمرض السرطان اليس كذلك ؟ ..
فرد الآخر متأثرا وهو يعالج دموعا أوشكت على التدفق ب: نعم .. هذا صحيح ! .. لقد مات أبني المسكين دون أن يرى من الدنيا شيئا
ـــ طيب ! .. فما كان ذنبه أبنك الرضيع ، وهو النقي كدمعة بلور و البريء من كل معصية ومن ارتكاب ذنوب أوشرور ؟ فأين كان كبير الإلهة ؟ فلماذا لم يتدخل لينقذ رضيعك من ألامه الشديدة ومن احتضاره البطيْ ويخلصه من موته الشنيع ؟ .فأي إله رحيم هذا الذي يتفرج على عذابات رضيع هش يتمزق ألما وبإرادة من ؟ فأليس بإرادة كبير الإلهة ذاته ؟ ، و مثلما يقول هو نفسه معترفا في” كتابه المقدس ” ؟ .. حيث يقول أنه يمرَّض و يميَّت و يُّحي من يشاء ؟ .
إجاب عدد من الرهط ب : نعم .. هذا صحيح .. حقا فرئيس الإلهة هذا ليس بغير عادل فقط ، إنما ظالم ومنحاز أيضا إلى جانب الأغنياء وفاسدين من حكام أثينا .. لا لن ندافع عنه !.. فليحاكمونه أن شاءوا وأردوا ! .. فهو لا يستحق دفاعنا قطعا !..
فتوقف الرهط وأخذوا يتشاورون فيما بينهم ، ثم همّوا بالرجوع إلى أعقابهم ، وغير أن ثمة فارسا مُلثما ، جاء قادما محراب كبير الإلهة ، قد توقف فجأة ليبلغ ّ الرهط ما معناه إن : أن كبير الإلهة قرر منحهم عطايا وهدايا ، ثم أخذ يوزّعها عليهم واحدا فواحدا ، و كانت عبارة عن قطع ملابس وأفرشة وبعض كيلوات من سكر وطحين وزيت القلي ..
فجأة أخذ الحماس يدب في الرهط مجددا ، فتبعوا الفارس الملثم نحو حراب كبير الإلهة ليعرقلوا مجريات محاكمته ..
فآنذاك التف المعلم أنطونيوس أكتافيوس نحو تلميذه مارتيروس قائلا :
ــ ألم أقل لك أنه لا يمكن التعويل على رعاع و دهماء كهؤلاء ؟ فهم يغيّرون موقفهم و أفكارهم حسب مصالحهم الآنية لأنهم أصلا بلا مواقف أو مبادئ ثابتة أو راسخة .
فهز التلميذ مارتيروس رأسه مندهشا ومذهولا ، وهو يتابع رهط الدهماء وهم يتابعون الفارس الملثم بطاعة كلاب مدجنة .
ملحوظة : هذه القصة القصيرة ليست مقتبسة ، إنما هي من نسيج خيالي فحسب / فكذلك أسماء أشخاصها ..

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here