نبض الشارع العراقي

ادهم ابراهيم
بعد تشكيل مجلس الحكم عام 2003 ظهر كثير من المثقفين والاكاديميين من طائفة معينة وهم يدلون بآرائهم وخطاباتهم المثيرة في مواقف انتهازية ظنا منهم انهم سيحصلون على مراكز وظيفية مهمة في الحكم الجديد . واشتد هذا الخطاب في بداية حكم حزب الدعوة برئاسة رئيس الوزراء الاسبق ابراهيم الجعفري . . . الذي لم يمكث طويلا

وبعد تسنم نوري المالكي للحكم وهو من نفس الحزب زاد الاتجاه نحو التطرف والغلو ، ليتماشى مع اراء وتوجهات رئيس الوزراء الجديد . . كما اصبحت هيئة الاعلام والاتصالات العراقية وتلفزيون العراق مع صحيفة الصباح التابعين لها موالية بشكل كبير ومتحيز لشخص رئيس الوزراء ، وداعمة لتوجهاته المعروفة . ولذلك رأينا التطرف في المقالات وفبركة الاخبار والبرامج التلفزيونية في ازدياد خصوصا بعد توظيف عناصر متطرفة موالية لحزب الدعوة ولتوجهات المالكي الشخصية . . وتم احلال الخطاب الديني المذهبي الضيق محل الخطاب الوطني المستقل . فاصبح الولاء للدين والمذهب بديلا عن الولاء للقومية والوطن

وفي هذه المرحلة جرى العمل حثيثا للقضاء على الوعي الجمعي الوطني وحل محله النهج الديني الضيق . وبذلك اصبحت الدولة دولة الفئة الواحدة والحزب الواحد بدلا من دولة الوطن والمواطن . وطغى الخطاب الفئوي الواحد محل التعددية الديمقراطية او الاستماع الى الرأي الاخر . فأنعدمت لغة الحوار الهادف وحل محله لغة الرأي المستبد الواحد . ان هذا الخطاب قد انعكس سلبا على الشارع العراقي فأصبح الكل يتحدث بأحاديث الدين والمذهب . وغابت عن المواطن العادي روح المواطنة . وتم عزل فئات عديدة من المجتمع مما اضطرها الى اتخاذ مواقف معادية لشعورها بأن القائم بالامر قد استفرد برإيه واعدم الرأي الاخر او الخطاب المعارض

وبالمقابل وجدنا بعض الاكاديميين والمثقفين قد انسحبوا من المشهد السياسي والاعلامي ، اما لانهم لم يجدوا لهم مكانا في هذا الاعلام المتحيز والمحرض .. او ان رأيهم كان بعيدا عن التطرف المقيت الذي كان سائدا انذاك في اجهزة الدولة المختلفة والاعلامي منها خاصة … ولذلك رأينا ان البعض منهم قد عاد ادراجه الى الدولة التي كان فيها قبل الحكم الجديد ، ، والاخر المقيم في العراق قد آثر الانسحاب وحاول الالتصاق بالجمهور متخذا موقفا محايدا او غير معارض لما هو سائد في الوسط الاعلامي والثقافي المتحيز والمتطرف

وبعد استلام السيد حيدر العبادي لرئاسة الوزراء ، ، شاهدنا تحسنا طفيفا في الخطاب وفي الاعلام الرسمي الذي تمثله هيئة الاعلام . . . وتزايد هذا التغيير باتجاه تقريب عناصر من جهات دينية وقومية ومذهبية مختلفة . كما تم ادخال بعض الفنون والبرامج الثقافية العامة ذات الطابع المنفتح وخصوصا في الاونة الاخيرة التي تطلبت حشد الجهود لمحاربة العدو المشترك داعش . . وقد شجع هذا التحسن كثير من الناس للتعاطف مع التوجه الجديد. فغيروا خطاباتهم وبعض توجهاتهم . ولذلك نرى ان نبض الشارع قد تحسن كثيرا ، واخذ يبتعد الى حد ما عن التخندق الطائفي المتزمت . فيما عدا التابعين الى احزاب وميليشيات متطرفة ،. وجناح من حزب الدعوة الذين بقوا مصرين على خطاباتهم الطائفية وساروا على نفس النهج السابق ،. بل اشد منه احيانا

ان التغير بالخطاب السياسي والاعلامي كان بطيئا ولكنه ما زال يسير حثيثا . ومن ذلك يتضح ان الناس على دين ملوكهم فعلا . فأذا كان رئيس الوزارء متطرفا ومتحيزا لفئة ما فأننا نجد ان حاشيته والمستفيدين منه تزداد تطرفا وتدفع الناس الى مزيد من الشحن والتطرف ، واشاعة روح الكراهية في الاوساط الاجتماعية . . ولما كان اغلب الشعب العراقي حاليا من الاميين فأنهم ينحازون مع الخطاب الرسمي ، سواء كان خطابا طائفيا متطرفا ،. او خطابا عقلانيا معتدلا . ولذلك نجد نبض الشارع يتغير مع تغير الخطاب السياسي والاعلامي لرئيس الحكومة وحاشيته . . علما ان رئيس الوزراء السابق ما زال على نفس نهجه الضيق والمتخلف وهو يحاول حشد الناس بالاتجاه الطائفي ثانية ظنا منه انه سيكسب اصواتهم مستقبلا،. ويحاول تقديم اطروحات جديدة ليبرر عودته المستحيلة الى الحكم والنأي بنفسه عن الاخطاء والجرائم السابقة . مع علمه او عدم علمه بأن الناس قد ادركوا اللعبة الطائفية المتحيزة ولم يحصلوا على شيء منها سوى الفساد وضياع الانفس والاموال والوطن

لقد ثبت بالتجربة والدليل القاطع ان التحزب والتطرف لا يؤدي الا الى تحزبا وتطرفا مقابلا . وما من احد يستفيد من شحن الشارع بهذا الاتجاه او ذاك . . ولذلك نجد ان كل الاطراف الموالية للحكومة او المعادية لها قد اصابها الشلل وتعطيل الحياة بكل اشكالها السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية على عموم العراق ،. وليس في المناطق التي كانت توصف بالساخنة فقط . وان الامر يتطلب وخصوصا بعد الانتصارعلى تنظيم الدولة المشبوه ان يسعى الجميع الى نبذ الخطاب الطائفي والشوفيني كوسيلة من وسائل الحشد الشعبي او الجماهيري لانها وسيلة رخيصة تتم على حساب مستقبل الناس ، وتمزق الوطن الواحد وهي في كل الاحوال ستؤدي الى خسارة الجميع ليس لمواقعهم البرلمانية والتنفيذية فقط . بل لشرف المسؤولية والمواطنة الحقة

ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here