مدينة الطب تبني مركزا للسرطان بلا دراسة جدوى أو كلفة تخمينية

ذكرت تقارير ووثائق حكومية استندت إلى أعمال الرقابة والتدقيق التخصصي لمشروع إنشاء “مركز للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية” في مجمع مدينة الطب في بغداد، أن المبالغ التي صرفت على تنفيذ المشروع كانت تكفي لإنشاء مستشفى متخصص.
وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها NRT عربية، وبعد مقارنة كلفة تنفيذ مشروع لإنشاء مركز للكشف المبكر عن الأمراض السرطانية، مع كلفة تنفيذ المتر المربع السائدة في الأسواق المحلية، تبين أن هناك مبالغة في التسعير بنسبة 100% وبالأخص في تسعير تنفيذ المتر المربع، وهو مايدل على تنفيذ مركز استشاري بمبالغ تكفي لإنشاء مستشفى متخصص.
وأوضحت الوثائق أنه خلال احتساب المساحة المقررة لبناء المشروع والبالغة 3972 م٢، واستناداً إلى كلفـة تنفيذ المشروع وبعد استثناء كلفة المواد والأجهزة المختبرية البالغة 100 مليون دينار وكلفة الأجهزة الطبية البالغة 575 مليون دينار، ولغرض إجراء مقارنة عادلة لأسعار تنفيذ المشروع مـن خلال مقارنتها مع كلفة تنفيذ المتر المربع السائدة في الأسواق المحلية، تبين أن سعر تنفيذ المتر المربع بلغ 2054106 دينار (مليونان وأربعة وخمسون ألف ومائة وستة دينار)، وهو ما يظهر بأن هناك مبالغة في تسعير الفقرات.

لا دراسة جدوى!
وبشأن دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع، كشفت الوثائق أن الدائرة المسؤولة عن إعدادها لم تقم بذلك، رغم طلب الهيئة المتخصصة بالشؤون الهندسية معرفة أوليات إعداد دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع التي تم اعتمادها لغرض تخصيص المبالغ المالية لتنفيذ المشروع ضمن جداول الموازنة الاستثمارية، حيث تم التأكيد على طلب تلك الأوليات بمذكرة رقمها 3 بتاريخ 19/1/2017، ولم يتم تزويد الهيئة بأي أوليات تتعلق بالموضوع، وهو مايشير الى عدم قيام الدائرة بإعداد دراسة جدوى فنية واقتصادية، وهذا يخالف المادة الثالثة من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية لعام 2007، والتي تنص على “وجود مصادقة مسبقة من وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي على تقارير الجدوى الفنية والاقتصادية المعدة”، على أن ترفق معها استمارة طلب المشروع.
وفيما يتعلق بالكلفة التخمينية أشارت الوثائق إلى أنه لا يوجد ضمن الأوليات المقدمة للهيئة المتخصصة بالشؤون الهندسية، مايشير الى قيام الدائرة بإعـداد جـداول الكلفـة التخمينية وحسب المتطلبات المطلوبة واستناداً الى الفعاليات التي يتطلبها تنفيذ المشروع والتي تفضي الى استخلاص مبلغ الكلفة التخمينية الأولية لكي يتم اعتمـاده كمعيار لقبول واستبعاد العروض، وكذلك الركون إليه في تحقيق عملية منافسة عادلة وتحديـد العطاء الأفضل، رغم توجيه عدة مذكرات حول طلـب تلك الأوليات، حيث لم يـتم الاجابة عليها وهو ما يشير الى عدم قيام الدائرة بإعداد تلك الدراسة، كما لم يتضح من الأوليات كيفية التوصل الى المبلغ الذي على أساسه تم استبعاد أو قبول العروض الذي ورد ضمن كتاب الـدائرة المـرقم 17241 تاريخ 7/12/2006، الموجـه الى وزارة الصحة (دائرة المشاريع والخدمات الهندسية) مكتب المدير العـام، والذي أشـار إلى أن الكلفة التخمينية للمشروع كانت تسعة مليارات دينار فيما لم تـرد ضمن الأوليات أي جداول أو احتساب نتجت عنه هذه الكلفة وهذا يخالف أيضا المادة الثالثة من تعليمات تنفيذ العقود الحكومية.

تسليم باليد!
وأضافت التقارير أن الدائرة التي قامت بالإعلان لغرض إعداد التصاميم وجداول الكميات لمشروع بناء مركز للكشف عن الأمراض السرطانية لمدة أسبوع واحد فقط، وبالنظر لعدم تقديم أي جهة فقد تم إعادة الإعلان للمرة الثانية وبمدة أسبوع آخر ولم تتقدم إي جهة لإعداد التصاميم ولغرض الاستفادة من مبالغ التخصيصات المرصودة لتنفيذ المشروع فقد تم استحصال موافقة وزيرة الصحة على إعلان المشروع عن طريق تسليم مفتاح باليد (تصميم وتنفيذ)، ومن خلال التدقيق للأوليات تم ملاحظة وجود عرض مقدم من قبل جامعة بغداد / كلية الهندسة – مكتب الاستشارات الهندسية، يتضمن استعدادهم للقيام بإعداد المخططات وجداول الكميات للمشروع وبكلفة 60 مليون دينار ومدة عمل مقدارها 30 يوما لإعداد التصاميم المعمارية الأولية و45 يوما لإعداد التصاميم التفصيلية تبدأ من تاريخ المصادقة على التصاميم الأولية وهو لايتطابق مع إجراءات الدائرة بهذا الخصوص، حيث لم تتضمن الأوليات أي مخاطبات أو إجراء حول ماتضمنه عرض المكتب المذكور، وهو ما يدل بأن هناك نية مسبقة لدى الوزارة لتنفيذ المشروع بطريقة تسليم مفتاح (تصميم وتنفيذ).
ولم تتضمن الأوليات المقدمة للهيئة المتخصصة بالشؤون الهندسية، موافقة الوزيرة حول إعادة الإعلان وهذا مخالف للمادة الخامسة والتي تنص على استحصال موافقة الوزير المختص أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة أو رئيس الإقليم أو المحافظ أو من يخوله مع إعلام وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي بذلك.

مركز يقدم خدمات مستشفى!
وأظهرت الوثائق أن مناقصة المشروع تقدمت إليها ستة عروض لشركات محلية وتم استبعاد أربعة بسبب عدم تطابقها مع الشروط القانونية والضوابط والمواصفات الفنية وجرى حصر التنافس بين شركتين فقط، وبعد رسو المناقصة عليهما طلبت إحداهما تأجيل موعد المقابلة مرتين لعدم وجود كادر الشركة داخل العراق، ثم تقدمت بطلب للانسحاب من المقاولة وعليه فازت شركة الناظر للمقاولات العامة بالمناقصة وأحيل العمل إليها وتم توقيع العقد بين الطرفين.
وفيما يتعلق بالتصاميم الهندسية بينت الوثائق عدم امتلاك الدائرة لرؤية واضحة لتحديد المتطلبات التي تستوجبها الخدمة العامة المقدمة للمواطن وبما يتلاءم مع تزايد الإصابات بالإمراض السرطانية خاصة بعد تعرض البلد الى الحروب المتكررة وما خلفته من نتائج في ظهور حالات سرطانية متنوعة وبشكل ملفت للنظر، وهذا يتبين من خلال قيام الدائرة بالتعاقد على إنشاء مركز الكشف المبكر عن الأورام السرطانية بينما الاحتياج الفعلي يتطلب إنشاء مستشفى حيث تضمن العقد فقرات لإمكانية توسيع المركز وتطوير نوع الخدمة التي يقدمها بحيث يصبح مستشفى للمعالجة فيما بعد.
وأشارت إلى أن واقع حال المشروع كان يوحي بأن المركز يؤدي خدمة تقدمها المستشفيات حيث لايقتصر على العيادات الاستشارية فقط وكما هو مخطط له وهذا بدوره سيؤثر على كمية ونوعية الخدمة المقدمة، وذلك لعدم ملائمة فضاءات المشروع مع متطلبات تقديم خدمة للمرضى، حيث تم تغيير فعالية المركز الى فعالية مستشفى سعة 50 سريرا حسب كتاب دائرة مدينة الطب/قسم الموارد الإدارية والمالية والقانونية.

انحراف بنسبة 50%
واستنادا للوثائق الحكومية فقد تمت المباشرة بأعمال تنفيذ المشروع بتاريخ 7/ 1/2008، وبحسب المدة التعاقدية البالغة 12 شهرا فان تاريخ تسليم المشروع كان من المفترض أن يكون في 7/1/2009، لكن واقع الحال أفاد بأن التسلم الاولي تم في 15/6/2009، وهذا يعني أن هناك انحرافا بنسبة 50 %عن التاريخ المخطط ، كما لم يتم الأخذ بنظر الاعتبار جميع متطلبات الاختصاصات الطبية والخاصة بأقسام الكشف المبكر عن السرطان “الثدي، عنق الرحم” التابعة للعيادة الاستشارية النسـائية، حيـث أشارت الأوليات الى قيام الدكتورة، ندى العلوان، مديرة المركز التدريبي المرجعي للكشـف المبكر عن أورام الثدي بتقديم مذكرة اعتراض حول عدم تغطيـة المشروع المنفذ لمتطلبات الاختصاصات المطلوبة، رغم أنه تم الاجتماع سابقا مع الطبيبة بشأن متطلبات المركز وضرورة الاسترشاد بآراء الاختصاصيين في مجـال السرطانات التي يمكن الكشف عنها مبكراً قبل البدء بالتصاميم والتعاقد، وهذا ما أثر سلباً على سير العملية التنفيذية حيث تم إيقاف العمل بتـاريخ 17/6/2008 حسـب الأمر الإداري رقم 4207 بتاريخ 7/7/2008، وقد تم استئناف العمـل بالمشـروع مجددا بتاريخ 22/8/2008 بعد اعتراض مدير القسم القانوني، وقد تم اعتبار فترة التوقف مدة إضافية بمقدار 65 يوما لتصبح مدة إنجاز المشروع 526 يوما حيث منحت الشركة المقاولة مددا إضافية بمجموع 161 يوما تم إضافتها إلى المدة التعاقدية والبالغة 365 يوم.

8 مليارات
وكشفت الوثائق أنه تم صرف مبلغ العقد بشكل كامل استنادا الى السلف المقدمة من الشركة المقاولة حيث بلغ أجمالي المبالغ المصروفة 8793480000 دينار (ثمانية مليارات وسبعمائة وثلاثـة وتسعون مليون وأربعمائة وثمانون الـف دينـار)، وذلـك بعـد اسـتقطاع مبلـغ 41250000 دينار (واحد وأربعون مليون ومائتان وخمسون الف دينار) عن الفرق الناتج في أسعار وحدات التبريد نوع وحدات مجمعة (units package، بعد استبدال المنظومة علما بان الأوليات لم تتضمن اي تفاصيل عن كيفية التوصل الى هذا المبلغ المستقطع، خاصة وان قرار اللجنة المشرفة وكتاب مـدير عام الدائرة يتضمن الموافقـة علـى التغيير لمنظومة التبريد على ان لا يترتب عليه أي فروقات بالأسعار، وبعد تدقيق أوليات السلف المصروفة تم تأشير عدم قيام لجنة الإشراف بإرفاق نسخ من نتائج الفحوصات المختبرية التي تخص فقرات العمل المروجة ضمن السلفة، حيث تم ترويج وصرف السلف دون وجود ما يؤكد للجهة القائمة بالصرف صلاحية وجودة مواصفات المواد المستخدمة في تنفيذ العمل.

تنفيذ بلا جداول كميات!
وبشأن قرار اللجنة المكلفة بتسلم المشروع فقد تم تسلم المشروع بشكل أولي بتاريخ 15/6/2009، وتم تشكيل لجنة التسلم النهائي الـتي أصـدرت قرارهـا بمنح الشركة المقاولة 7 أيـام لإكمـال النـواقص بالأعمال المدنية والكهربائية والميكانيكية والأجهزة الطبية وتمت المصادقة على قـرار اللجنة، حيث قامت الشركة المقاولة بإكمال النواقص المشار إليها في القرار وتم إطـلاق 50% من مبلغ التأمينات الخاصة بالصيانة، ولم يتم تحديد النواقص في قرار اللجنة بل تمت الإشارة إليها فقط، وعند تدقيق السلف المصروفة والمروجة من قبل السلفة النهائيـة وبعـد 7 سلف تبين بأن صرف تلك السلف تم دون تحديد الكمية الكلية لكل فقرة، وانما اقتصرت على الكمية المنجزة في حينه من تلك الفقرة وهو ما يشير الى عدم تقـديم الشـركة المقاولة لجداول كميات متكاملة في المراحل الأولى للتنفيذ.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here