التقييم الخاطئ لثورة تموز عام 1958

ما زال العديد من المثقفين والمؤرخين يعيدون ذكريات ثورة تموز عام 1958 ويُقيمون تلك التجربة وزعيمها عبد الكريم قاسم من وجهات نظر متباينة جداً. فمعظم اليساريين والشيوعيين موقفهم واضح في التقييم الأيجابي للثورة وزعيمها. وذلك على الرغم من ان الثورة وزعيمها لم يشاطرهم لهم نفس المشاعر او التقييم. ويعلم اليساريون عموماً والشيوعيون خاصة انهم لاقوا من الأضطهاد والحيف والعزل والسجون في عهد قاسم اكثر مما نالهم في زمن العهد الملكي. إلا انهم ظلوا مناصرين ومدافعين عنه بحجة ان ” تقييمنا للثورة ولعبد كريم قاسم يعتمد على ما تقدمه الثورة من انجازات تشريعية واقتصادية واجتماعية لعموم الشعب، ولا يعتمد على طبيعة علاقتنا به فقط”.
اما الذين يقيمون الثورة وزعيمها عبد الكريم قاسم سلباً سواء في حين فترة الحكم تلك او امتداداً ليومنا الحاضر، فإنهم انواع. النوع الأول هم المتضررون بشكل مباشر من الثورة وهذا يشمل العائلة المالكة والحاشية والساسة المقربين لنوري باشا والطبقة الثرية الأرستقراطية. والنوع الثاني هم من تضرروا لاحقا من تشريعات الثورة بسبب قوانيين الأصلاح الزراعي وقانون الأحوال الشخصية وهم شيوخ العشائر وملاك الأراضي ورجال الدين. وكان من الطبيعي لهتين المجموعتين ان تحاربا الثورة بشتى الوسائل مستغلة بشكل فعال الحوادث المؤسفة الحزينة التي تم بها تصفية العائلة المالكة وسلوك الغوغاء في سحل عبد الأله ونوري السعيد. وعلى الرغم من ان ذلك كله لم يحدث بأمر مباشر او غير مباشر من الزعيم او من اي حزب سياسي، إلا انها لصقت بهم الى يومنا هذا واصبحت قميص عثمان العراق.
وكما يحدث عادة في كل الثورات فإنها تأكل رجالها. حيث حدث الخلاف القاتل بين الزعيم والشخص الثاني من قادة الثورة عبد السلام عارف. حيث اصر عارف على الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) بينما فضل قاسم ان يتم الأتحاد تدريجياً وبخطوات محسوبة. وهنا قيم البعثيون والقوميون من الضباط والشباب ان الزعيم لا يملك شعور قومي، وزاد في الطين بله ان ايد الشيوعون قاسم. وهنا اصبح الخلاف ليس مع قاسم وانما بين القوميين والبعثيين من جهه والقاسميين والشيوعيين من جهة اخرى.
حقيقة الأمر ان عبد الكريم قاسم وكل الضباط الأحرار كانوا ذو مشاعر قومية ونهج يساري. إلا ان مسألة الوحدة الفورية كانت فرصة للخلاف لا اكثر ولا اقل، استغلت للسيطرة على الحكم من قبل البعثيين. وبناء عليه جرت محاولة عبد السلام عارف للسيطرة على السلطة بعد شهرين منها ثم حركة رشيد عالي الكيلاني ثم مؤامرة الشواف بتنسيق مع المخابرات المصرية بعد تسعة اشهر من الثورة ثم احداث كركوك بذكرى السنة الأولى للثورة ومحاولة اغتيال الزعيم في شارع الرشيد و تمردالبارازاني والكويت وقانون رقم 80 والمشاكل مع ايران ومصر والأردن وغيرها وغيرها الى ان تم اغتيال الثورة وانجازاتها وزعيمها بضربة واحدة يوم 8 شباط عام 1963.
ان تقييم الزعيم على انه كان وراء تصفية العائلة المالكة ليس صحيحاً واتهامه كونه شيوعياً او متآزراً معهم ايضاً غير صحيح، وانه كان مناهضاً للوحدة العربية عار من الصحة ويشهد له سجل حرب فلسطين ودعمه للثورة الجزائرية والفلسطينية. ان ثورة تموز وزعيمها ضحية لمن يحكموا العراق قبله ومن دمروا العراق بعده ليومنا هذا. ولازلنا لحد الآن نسمع التنكيل دون اثبات او اسباب من ان ثورة تموز هي من فتح ابواب جهنم على العراق، ناسين انهم لو درسوا حقبة الحكم الملكي لوجدوا انها لم تكن مستقرة ابداً.
ان هذا لا يعني ان الثورة وزعيمهامعصمون من الأخطاء والمسوؤلية، لا بل والحق يقال ان نهاية الجمهورية الأولى بهذا الشكل المأساوي يترتب عليه بالدرجة الأولى وعلى القوى القومية التي سعت الى السلطة بشكل دموي بالدرجة الثانية.
محمد حسين النجفي
14 تموز 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here