في الذكرى 59 لثورة تموز الخالدة ثورة تموز وانعكاساتها على الواقع الموسيقي في العراق

د.حميد البصري

لم تشمل التطورات التي احدثتها ثورة تموز 58 الخالدة الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية فقط ، بل شملت الجانب الثقافي بشكل عام والموسيقي بشكل خاص .

فبعد الثورة ، نشط فنانون في انتاج أغان تمجد الثورة ونضال الشعب العراقي وكذلك الاشادة بزعيم الثورة الخالد عبدالكريم قاسم ، فمنهم من تمكن من تسجيل تلك الأغاني في الاذاعة مثل الفنان (أحمد الخليل ) الذي سجل اغنيته المعروفة والتي بقيت خالدة في ذاكرة العراقيين :

من تهب انسام عذبة من الشمال

على ضفاف الهور تتفتح كلوب

لو عزف عالناي راعي بالشمال

عالربابة يجاوبة راعي الجنوب

هربجي كرد وعرب رمز النضال

والمونولوجست ( فاضل رشيد ) وناظم الغزالي والمطربات عفيفة اسكندر و مائدة نزهت وهيفاء حسين وأخرون غيرهم . وهناك فنانون لم يتمكنوا من إيصال نتاجاتهم الى الاذاعة، كما حدث معي ، اذ قدمت اغنية

عبدالكريم البطل يالحررت بغداد

دولتنا منذ الازل دولة عرب واكراد

كان ذلك اول لحن لي وغنته الفنانة شوقية العطار على المسرح ، ولم اتمكن من تسجيلها لوجودنا في البصرة وبعدنا عن الاذاعة في بغداد

اما في قسم الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة ببغداد ، فقد زاد عدد الطلبة والطالبات وكثرت المهرجانات الموسيقية التي يقدمها طلبة المعهد . وقد شاهدت الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم وهو يحضر احدى هذه المهرجانات وكان بعض مرافقيه ومنهم

( الشهيد وصفي طاهر ) يجلسون مع الطلبة في مطعمهم بالمعهد .

كذلك ارسل المعهد عددا من الطلبة الخريجين الى الدول الاشتراكية لاكمال دراستهم العليا في الموسيقى .

من جانب آخر ، كثرت الفرق الموسيقية في عدد من المحافظات وخاصة الشبابية منها ، كما زادت الحفلات الموسيقية والغنائية الجماهيرية ، واذكر احدى تلك الحفلات في البصرة شارك فيها فنانون من بغداد ومن ضمنهم المنلوجست فاضل رشيد ، حضرها جمهور كبير واستمر الحفل الى ساعة متأخرة من الليل . وعند انتهاء الحفل بادرت نقابة العمال في البصرة (سائقي التاكسي ) بتوصيل كافة العوائل الى بيوتهم مجانا .

ان اهم حدث موسيقي بعد ثورة تموز هو موسيقى السلام الجمهوري .

فبعد ثورة تموز 58 ، تمَّ إلغاء العَلَم والسَّلام الملكيَّين، بإقرار رَمزَين جديدَين ، كان يومها ابن العراق الفنّان السّرياني (أو الكلداني) لويس زنبقة يُكمِل دراسته العليا بالأكاديمية الموسيقية النمساوية في ڤيينا؛ وما ان سَمِعَ بأخبار الثورة حتى بدأ بتأليف لحن للسلام الجمهوري ، وكان عزفهُ بدعم من أوركسترا نمساوية، ثمّ اتصل بسفارة العراق في ڤيينا ليعرض المُدوَّنة الموسيقية (النوطة) والتسجيل الصوتي للسلام الذي أعَـدَّ للعراق الجديد، مُرفَقًا بكتاب إهداء للجمهورية ولزعيمها عبد الكريم قاسم. فقرّر الزعيم اعتماد مدوَّنة الفنان لويس زنبقة بمرسوم جمهوري. واستمرّ عزف السلام خمسة أعوام، لكنْ ، تمّ إلغاؤه سنة 1963 بعد حصول الانقلاب الدموي على نظام الحكم .

تلاه مع الاسف الشديد ، اعتماد نشيد وسلام جمهوري للعراق من مؤلفين وملحنين غير عراقيين ، كان اولهم نشيد مِصر الوطني «والله زمان يا سلاحي» طاقمُهُ مِصري؛ الشاعر: صلاح جاهين، المُلحِّن: كمال الطويل، الإداء: السيدة أمّ كلثوم ومجموعة مساعدة/ كورس…، تلاه نشيد «أرض الفراتين» للشاعر شفيق الكمالي (مسقط رأسه: البوكمال/ سورية) لحَّنه الموسيقار اللبناني وليد غلميَّة ، واخيرا نشيد العراق الذي استمر لحد الان وهو «موطني» للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان.

ورغم اعلان مسابقة بهذا الخصوص بعد سقوط نظام البعث عام 2003 واشتراك العديد من الشعراء والموسيقيين العراقيين فيها بضمنهم انا ، الا انها لم تنتج عن اختيار نشيد جديد .

اما على المستوى العربي ، فقد ألهمت ثورة العراقيين الاخوة الفنانين في مصر ، ومنهم فايدة كامل وشادية وعبدالغني السيد واهم عمل كان للسيدة ام كلثوم وهو انشودة ( بغداد يا قلعة الاسود ) التي لها قصة رواها الاعلامي وجدي الحكيم مع المؤلف محمود حسن اسماعيل والملحن الموسيقار الخالد رياض السنباطي الذي لحن ايضا اغنية فايدة كامل . بدأت الفكرة بعرض

تحايا للشعب العراقي على ام كلثوم والطلب منها لتقديم تحية باسمها ، طرحت فكرة اغنية بدلا من تحية عادية .. اخذت انواع التحايا الى الشاعر محمود حسن اسماعيل لتأليف نص غنائي للأم كلثوم .. وعندما رأت الأغنية قالت لن يلحن هذه الأغنية غير السنباطي ..كان السنباطي في حينها زعلان على ام كلثوم اثر خلاف معها . بعد تلحينها رفض ان تغنيها ام كلثوم لكن تدخل الزعيم عبدالناصر واتصاله برياض السنباطي وافق على ان تغنيها ام كلثوم .. وهكذا ظهرت الاغنية التي استخدمت كتتر ( رمز موسيقي ) للاذاعة العراقية .

هذا هو استعراض مختصر لانعكاسات ثورة تموز 58 على الواقع الموسيقي في العراق والوطن العربي .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here