“أريدو” و أريدُ!!

“أريدو” مدينة سومرية يُقال أنها بُنيت قبل أكثر من سبعة آلاف سنة , وفي الآثار الملحمية أنها كانت صيحة جلجامش بعد عودته من رحلة البحث عن الخلود , ونداءه المدوي السرمدي المطلق في روع الحياة بعد أن أدرك حقيقتها وتلمس جوهرها , وتعلم أن الخلود في العمل والإبداع والأمل.
وبين “أريدو” المدينة الرمز والعنوان الخالد لمعنى الوجود الفياض , وكلمة “أريدُ” علاقة ذات فحوى متطابق , فمهما كان معنى كلمة “أريدو” باللغة السومرية , فأنها تدل على التعبير الأمثل والأصدق والأحكم عن الإرادة , وهي قريبة من كلمة” أريدُ” بلفظها ومحتواها , وكأن جلجامش قد جعلها رسالة للبشرية لتدرك حقيقة التفاعلات القائمة فوق التراب.
فما يحصل في الدنيا منذ الأزل هو صراعات محتدمة ما بين ” أريدُ” و”أريدُ” , أي أن الإرادات تتصارع وبسبب ذلك تتقدم الحياة وتتواصل الحروب ويكون البناء والخراب والدمار , وتمضي المسيرة بين هذه القوى المتصارعة المتصادمة المتحدية لبعضها البعض , وديدن ما فيها أنها “تريد” , ومَن يريد يصطدم بمَن “يريد” , ومَن يقول ” أريدُ” , يجد من حوله ألف منادٍ ينادي “أريدُ” , وهذا ما نسميه التنافس الذي قد يبلغ مبلغ القتال في أحيان كثيرة خصوصا بين الدول والمجموعات بأنواعها.
ومَن لا يُريدُ يُرادُ , وهذا ما يحصل في العديد من المجتمعات التي تمضي أيامها بلا إرادة فتجدها تحت طائلة إرادة الآخرين , ومجتمعات تريدُ وهي في صراع مع مجتمعات أخرى تريدُ , ولا يمكن للحياة أن تتواصل إذا تجردت من كلمة “أريدُ”!!
والعجيب في أمر بعض المجتمعات وحتى التي أوجدت معنى “أريدُ” بأنها تجاهلت منطلقاتها ومبتدءات ما فيها , وروّجت للقنوط والخنوع والتبعية والإنهماك في تداعيات التصارعات الداخلية والتدمير المروع لما يدل عليها ويميزها ويؤكدها كقوة ذات إرادة حضارية.
وبإنتفاء صوت “أريدُ” في هذه المجتمعات , فأنها تجثو كسيحة معقورة مستباحة متراكمة الويلات والدواهي والتداعيات , ولا تستطيع الخروج من مآزقها , لأنها قد فقدت بوصلة “أريدُ” , وتحولت إلى عالة على كاهل المريدين , الذين إبتكروا آليات سحقها وتحرير طاقاتها والإستفادة منها في تعزيز قدرات “أريدُ” في سلوكهم وتطلعهم إلى مزيد من القوة والسطوة والعلاء.
ولا بد لهذه المجتمعات أن تستعيد نداء “أريدُ” وترتقي بمساعيها إلى آفاق الإنجازات الحضارية اللائقة بوجودها الإنساني المنير , وأن تدرك بأنها هي التي أنجبت “أريدُ” , والدليل الساطع وشهادة الولادة الواضحة شاخصة في مدينة “أريدو”!!
فهل ستكون “أريدُ” رسالتنا وعنوان سلوكنا؟!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here