القطار الأسرع والشعب الأروع!!

القطار الأسرع والشعب الأروع!!
الصين إخترعت أسرع قطار في العالم وهي تستعد لما هو أسرع، وفقا لهندسة قطارات إختراق الفراغ التي ربما ستصل سرعتها إلى سرعة الطائرات.
وفي يوم 20\9\2011 الساعة العاشرة والنصف صباحا، ركبت القطار الأسرع في العالم حينها ولمدة سبعة دقائق قطع فيها مسافة خيالية لا تُصدّق.
القطار بلا عجلات وسِكته تختلف عن سكة القطارات المعروفة ومقدمته مسطحة وعريضة بعكس قطارات الإطلاقة المدببة المقدمة ، وهو يسير على وسادة كهرومغناطيسية تتعاظم مع تنامي السرعة حتى لتحسب أنه يحلق في الهواء.
إنطلق القطار من سرعة الصفر حتى وصل إلى سرعة 431 كم في الساعة , ومضى على هذه السرعة ثم تباطأ وتوقف، وكأنه حلق في مجال مغناطيسي ثم هبط.
وعندما تنظر من النافذة لا تحس بالسرعة ، فقد تم إبتكار زجاج خاص يريح النظر ، ولا توجد أحزمة أمان ، لأنك لا تستشعر الحركة ولا تتعرض لمطبات كما يحصل في الطائرة.
فالقطار لا يسير على الأرض ويتحدى إرادة الهواء فالقوة المغناطيسية تحقق الثبات.
في هذا القطار حضر قطار بغداد- الموصل , وبغداد- البصرة , وكذلك القطار المصري ما بين القاهرة والإسكندرية ، وأنا في غاية الإستغراب ، فالمسافة فيما بيننا وبين المجتمعات المتقدمة كالمسافة ما بين قطاراتنا العربية السلحفاتية وهذا القطار الصيني الأسرع في العالم.
ولا أدري لماذا تحضر أمامي هذه المقارنات الحضارية كلما وجدتني في حالة متقدمة , وفي مجتمع متطور ومتفوق علينا , ولهذا حسبت أنني أعيش في حلم يقظة وليس في داخل حقيقة متحركة عادية بالنسبة للناس الذين يركبون القطار يوميا.
إن أحلام يقظتنا ومستحيلاتنا عبارة عن حالات قائمة في مجتمعات أخرى , كالمجتمع الصيني الذي صار فيه قطار الإطلاقة هو القطار العادي ، فقطارات الصين العادية تتجاوز سرعتها 140 كم في الساعة , وإنها تنساب بنظام إلكتروني مبرمج بدقة متناهية.

فالسرعة في مجتمعات الدنيا صارت أمرا مهما وأساسيا للتقدم والتفاعل الإبداعي والإبتكاري السبّاق ، ونحن لا تعنينا السرعة ، فحركتنا تدحرجية ثابتة إلى الوراء ، تبحث عن حفر وخنادق , ومقيدة بجاذبية أقبية الماضي السحيق ، وبما أننا لا نتحرك إلى الأمام ، فلماذا نفكر بالسرعة، وكأنها لاتوجد في قاموسنا اللغوي والفكري.
قبل ذلك بسنتين كنت في قطار الإطلاقة الياباني فانبهرت به ، أما اليوم فأنه صار أمرا عاديا ومتأخرا بالقياس إلى هذا القطار الخارق السرعة والإنطلاق ، ففي ظرف عامين تطورت الدنيا وتضاعفت سرعتها ثلاثة مرات ، ونحن ما عرفنا كيف نمشي ببطئ على أقدامنا في طريق صحيح يوصلنا إلى بعض ما نريده ونتمناه.
القطار يمرق مسابقا الصوت والضوء وهذه الأفكار السلبية تتوافد إلى عقل العراقي الجالس على الكرسي مع الآخرين من أبناء المجتمع الذي يفكر بسرعة ويصنّع الأفكار ويحوّلها إلى قوة إقتصادية مؤثرة في الحياة.
قلت لصاحبي الصيني: ما أسرعكم وأغربكم وأبهركم؟!
قال: إننا تعلمنا كيف نفكر، وأنتم يمكنكم أن تكونوا مثلنا!!
قلت: هيهات!!
قال: لا تقل ذلك فقد كنا مثلكم!!
قلت: هيهات!!
وبين هيهات وكل ما فات ما مات ، لا يمكن لمجتمع أن يكون إن لم يتحقق فيه منهج التفكير الجماعي الصالح , الذي يرى بعقل شعب وأمة ووطن وتأريخ وأبعاد زمن متلاحمة معاصرة.
غادرت القطار السريع الذي أوصلني إلى مطار شنغهاي، وجالست ذاتي وسط حشود المسافرين المنطلقين إلى فضاءات التعبير عن الأفكار والإبداع.
تأخرت الطائرة لخلل فني فاستلقيت على مقاعد خالية متجاورة , وأخذت أكتب عن وطني وجراحات الإنسان العربي المسحوق بالقهر والحرمان , والمسجون في زنزانة وطن مهزوم ومنكود، وأنا أنظر روعة الهندسة والعمران في قاعات المطار المشحون ببهاء الإبداع.
وعندما تأملت وجه فتاة صينية متوهج بالحياة والأمل والإشراق، حاولت أن أعيش لحظتي وأتحرر من أفكار الخيبات الحضارية المريرة , التي تتدفق من أفواه الأنين العربي المعاصر.
وإنتشلتني من إستغراقي نظرات طفل صيني في السابعة من عمره , وهو يحدق بأوراقي ويتساءل منبهرا عن اللغة التي أكتب فيها، تحدث مع أمه وإقترب مني ومضى يراقبني كيف أكتب، فابتسمت له وحاولت أن أشرح له بلغة صينية متكلفة ، لكن أمه فهمت بأنني أكتب العربية وأفهمته ، وحسبته سيكتبها لقدرة العقل الصيني على التصوير والخلق والتعبير.
أعجبتني نباهة الطفل وإهتمامه , فتجمد قلمي وطويت أوراقي , وأدركت أن العقول تعمل , وأنني وسط رؤوس متوهجة بالأفكار والإبتكار، فابتسمت للطفل وغادرت مكاني، أبحث عن خطواتي.
لكن الطائرة إبتلعتني وحلقت في فضاءٍ آخر من الرؤى والصور.
 تذكرت ذلك والأخبار تتناقل التنافس المتسارع ما بين الصين واليابان , وهما يسعيان لتجاوز سرعة الألف كيلومتر في الساعة , وبناء الأنفاق الفراغية لتسيير قطارات أسرع من الصوت , ونحن لا نزال منشغلين بمشاكل القرون الخاليات , ومنهمكين بأحوال الغابرات , فللزمن في وعينا بعد واحد , وقد إنغمسنا فيه إلى حد الجنون , وتوحلنا بالأجداث وبالظنون!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here