“طُرّهات”!!

التُرّهَةُ: الباطل أو القول الخالي من نفع , وجمعها تُرَّهات.
وفي مدينتنا كنت أسمع هذه الكلمة تطلق على الذي “يحجي حجي فارغ” , أي غير نافع ومحشو بما لا يقبله العقل السليم , أو ” يحجي شيش بيش” , وأعتمدُ على لهجة مدينتنا لأنها بنت الفصحى , وهذه الكلمة من الأدلة على ذلك , فقد قلبت التاء إلى طاء , فصارت الكلمة “طُرّهات” , ومن أمثالها العديد من الكلمات التي تتبدل بعض حروفها وتصبح عامية دارجة , لكن لهجة مدينتنا ربما هي الأقرب للفصحى من أية لهجة محلية أخرى في بلاد العرب!!
تذكرت هذه الكلمة أو أنها وفدت إلى خاطري بعد أن عاينت عددا المقالات , وإستمعت لأحاديث متلفزة لبعض الذين يسمون أنفسهم بما يحلو لنرجسيتهم من التسميات , فقفزت كلمة “طرهات” وتعجبت من ورودها وكيف أنها أخذت تختصر وتفسر ما يدور في واقع فارغ باطل , مشحون بالأفك والأكاذيب والأضاليل وبإبداعات الدجل والبهتان المُقيم.
الأقوال والخطب والمقالات والأشعار والأغاني والمحاورات , جميعها يمكن وصفها بالطُرّهات , فلا نفع منها يُرتجى ولاخير فيها وبقائلها وكاتبها وشاعرها , فالواقع عبارة عن مستنقع طُرّهات آسن تتكاثر فيه العظايا والخطايا والآثام , وصراعات المخلوقات الخالية من الشعور بغيرها , والمنغمسة في أنانيتها وإندفاعها المشؤوم للهيمنة والبقاء مهما كان الثمن.
عالم أيا كان إسمه ونوعه محكوم ومأزوم بالطُرّهات , فما عاد للكلام قيمة ومعنى ولا للكلمة دور ونفع في حياة الناس , لأن البشر أصبح محكوما بالحاجات ومرهونا بالخوف والحرمان من الكهرباء , بل وحتى من الحياة التي كان يحسبها عزيزة وذات قيمة ومعنى وحرمة.
وبإسم الطُرّهات المتنوعة سواءَ كانت دينية , عقائدية , خطابية , فئوية , تحزبية صارت الأيام تتقلب على جمرات الوعيد , ويتصاعد منها دخان مآسيها وأنين وجيعها , والطُرّهات تتوالى عليها وتأنس بعنائها وقسوة النار عليها .
وما أكثر الطُرّهات وما أسرع تآزرها وتجمعها وعقدها لمؤتمرات وإجتماعات وإطلاقها لتصريحات وبيانات , وما تجني منها سوى الباطل وتؤكد رؤيتها الطُرّهاتية الخالية من مفردات وعناصر بناء الحياة والتفاعل مع جوهرها بإرادة إنسانية وطنية حية ذات قيمة حضارية , ومنطلقات إبداعية كفيلة ببناء صرح العزة والكرامة والرجاء.
وبين طُرّهات وطُرّهات تتأرجح الحالات وتتبدل التداعيات , والخاسر وطن مبتلى بالمُتطرّهين وشعب في تنور الحاجات , والكراسي تتغنى بالماضيات , وترقص على أنغام ما مات عاد , وكل ما فاتَ آت , وتلك قضية فيها جوهر الويلات , وقلْ عاشت الطُرّهات!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here

By continuing to use the site, you agree to the use of cookies. more information

The cookie settings on this website are set to "allow cookies" to give you the best browsing experience possible. If you continue to use this website without changing your cookie settings or you click "Accept" below then you are consenting to this.

Close