التعايش الديني والمذهبي والعرقي و الفكري في أوربا .. هولندا نموذجا

التسامح عند حقوق الإنسان، هو قيمة تتعلق بشكل وثيق بالحقوق التي يتميز بها النظام الديموقراطي كحرية التعبير عن الرأي، وتنظيم المجتمع ومساواته أمام القانون، وحقوق أسرى الحرب، واحترام رأي الأقلية وعدم تهميشهم أو إلحاق الأذى بهم، وهو قبول اختلاف الصفات الإنسانية الفكرية والخلقية، وبأن لكل فرد في هذا المجتمع حقاً يجب على الجميع الإقرار به وعدم التعدي عليه، وهو لا يعني تخلي الفرد عن حقوقه ومعتقداته، بل الالتزام بها واحترام من يخالفه الرأي دون التعدي عليه . من هذه المنطلقات الفكرية والإجتماعية , تبنت الدول الديمقراطية , بعد معارك وصراعات طاحنة بين الإديان والمذاهب والطوائف المختلفة فكريا وعقاديا , فكرة التسامح داخل مجتمعاتها , لكي يعيش الكل بغض النظر عن معتقداته وأفكاره ودينة ومذهبه وطائفته وعرقه وجنسه وطقوسه , شكل العيش الذي يريده .

هولندا أحدى أحدى بلدان أوربا الغربيىة وهو بلد الزهور والمياه والجمال … هذا البلد الصغير والذي مساحته , تبلغ عشر مساحة العراق … تعيش على أرضه 172ؤ ثقافة (جنسية ) بمختلف الديانات السماوية والوضعية .. يهيودية, مسيحية, أسلامية , بوذية , زرادشتية , هندوسية ,صابئية , أيزيدية وغيرها من أفكار , رأسمالية , أشتراكية , شيوعية , ليبرالية , اضافة الى علآقات إجتماعية وأسرية مختلفة والعيش المشترك.

كل تلك الأعراق والأديان والمذاهب والأفكار والممارسات وغيرها .. تتعايش سلميا في هذا البلد مع أن الكثير من سكانها لا يعترف بالأديان , ومنهم ملحدين .

مع بداية شهر تموز / 2017 … نظمت جمعية الرافدين الثقافية / أمستردام … سلسلة من الأماسي والندوات التي تخص … موضوع التعايش والتسامح الديني … إبتدأتها أمسية نشطها الباحث العراقي علي حيدر … حول الفيلسوف اليهودي المتنور ( سبينوزا ) , … وقد إستهوت هذه البحوث والندوة , جهور المثقفين العراقيين في أمستردام … مما دعى ضرورة استمراريتها … فجاءت الندوة الثانية , بعنوان ( المرجعية الدينة في العراق … والدولة المدنية الديمقراطية ) … نشطها الباحث العراقي حيدر الصراف … شاركه الحضور الكريم , ب المداخلآت والنقاش والإستفسارات والتوصل الى , إستنتاجات , تفيد العراق بما بعد داعش والمصالحة المجتمعية وبناء دولة العدالة الإجتماعية … الدولة المدنية الديمقراطية , دولة المؤسسات والمساواة , دولة المواطنة بعيدة عن المحاصصة المذهبية والطائفية والعرقية التي اوصلت بلدنا العزيز الى الهاوية والإفلآس وانعدام الخدمات .

وجاءت محاضرة الباحث في الأدب اليهويدي العراقي تحرير الكروي , وشاركه في الإضافة لبعض الطقوس والعادات ومناسك العبادة والديانة اليهودية والتي تشابه بعضها الديانة والتعاليم الأسلآمية … الشخصية الوطنية العراقية اليهودية … صالح بهاري … وذلك يوم الأحد 16/تموز … حضرها مجموعة مهمة من المثقفين نساء ورجالاً من مختلف المدن الهولندية … المحاضرة حول ( التلآحق الحضاري والتسامح الديني في الدولة الأموية بالأندلس ) العلآقة بين الفيلسوف العربي الإسلآمي أبن رشد و الفيلسوف الكبير اليهويدي موسى بن ميمون … نوذجا ً … حيث كانت العلآقة , تفوق الصداقة وتبادل الأفكار وألآراء والتأليف والترجمة والتوافق بين الرؤى في التفاسير للنصوص الدينية , وكذلك المعلومات وقراءات مشتركة للكتب المترجمة من اليونانية , وايضا التشابه في نهايات الشخصيتين … حيث أتهم إبن رشد بالزندقة والخروج عن النصوص والتعاليم الإسلآمية ومحاربة المراجع الدينية الإسلآمية المؤثرة في السلطة له , ومن ثم تشريدة وإختفاءه وحتى وفاته وحرق مكتبته الكبيرة , التي تحوي المخطوطات الثمينة , في مختلف العلوم وخاصة الطبية التي بقيت تدرس في كليات الطب الأوربية لفترة 500 عام , وفي علوم الفلك والمنطق وادارة الدولة … وغيرها … كما إن نهاية موسى بن ميمون لآقى نفس النهاية لصاحبه إبن رشد … من إتهام بالخروج عن نصوص التوراة والتعاليم الدينية اليهودية , وقراءة أخرى للتوارة … وتم تشريده , ثم قتله , وحرق مكتبته العظيمة , التي تحوي مخطوات ثمينة لترجمات في مختلف العلوم والآداب اليونانية والعربية الى العبرية .

كانت الاندلس جسرا عبرت عليه الثقافة العربية والاسلامية وصولا الى اوربا حيث اثرت بشكل مباشر عليها وساهمت في انهاض اوربا من عصور الظلام بظل هيمنة الدين الذي عارض انذاك تلك النهضة حيث لعبت فلسفة ابن رشد الدور الرائد في تحريك التنويريين الاوربيين مثل ديكارت وداكوستا وسبينوزا حيث واجهتهم الكنائس الكاثوليكية واليهودية بعقوبات ادت الى قتل ديكارك بالسم وانتحار الفيلسوف اليهودي داكوستا ومنع الفيلسوف اليهودي سبينوزا من دخول مدينته امستردام .

ان تجربة جمعية الرافدين جديرة بالاهتمام خاصة وانها ستستمر في تقديم عصر الانوار الاوربي للوصول الى جواب شافي لما تعانيه المنطقة العربية والاسلامية من مشاكل عانتها الشعوب الاوربية . وستعقد ندوة مشابههة بمناسبة مرور خمسة قرون على ثورة مارتن لوثر الدينية التي وضعت حدا لعصور الظلام وستقدم خبيرا بالبروتستانتية ليقدم تلك المحاضرة . كما ستواصل البحث عن واقع الاسلام في اوربا .

ان نجاح هذه التجربة يخلق ارضية لتقديم مشروع لتخصيص يوم للتسامح بين كل الاديان . وتدعوا جمعية الرافدين واصدقائها الجمعيات العراقية الاخرى لتقديم مشروع يتبناه البرلمان لتخصيص يوم للتسامح والوقوف بوجه العنف المتلبس بالدين . ان جمعية الرافدين تنتظر تفاعلكم مع هذا الموضوع

كما يمكن طبعا القيام بنشاطات موازية (معارض . مسرحيات. ندوات . لقاءات مشتركة )على ان يغطي ذلك غطاء اعلامي مناسب . ويمكن كذلك زيادة للفائدة القيام بزيارات متبادلة للمدارس الاسلامية والمسيحية واليهودية بالاحتفاظ بالازياء الدينية لكل الاطراف . وسيجلس الطالب المسلم جنب اليهودي والمسيحي . وسيتعرف ايضا الاستاذ اليهودي بالمسلم والمسيحي وسيتناقشون عن طرق التدريس لغرض نشر قيم التسامح بدءا من المدرسة . وسيضمن ذلك خلق مناعة عند الطلبة ضد اعمال العنف وضد دعاتها المنشورين في الصحافة والنت والاعلام .

ان جمعية الرافدين العراقية في امستردام تدعو بلدية المدينة والصحافة وادارات المدارس والجوامع والمنظمات المدنية الى تبني هذه الفكرة . لان البديل القائل بالهروب الى الامام وترك علاج مشكلة التطرف لوسائل الشرطة والقضاء فقط هو بديل كارثي لايوقف العنف ولا يكافح جذوره بل ينتظره حتى يولد ويكبر ويقوم باعمال ارهابية ثم يكافح بعض مظاهره بعد ذلك ونكون بعدها فد فقدنا قيمنا الانسانية واحترامنا للاخر وجرنا الواقع الجديد الى الوقوف بوجه بعضنا . ان خسارة الجميع كبيرة لو تركت الامور هكذا . وسياتي يوم نتحسر فيه على اليوم الذي سبقه .

ستكون الندوة القادمة في نفس المجال الثقافي حول التسامح الديني , لأحد الباحثين المتنورين في الديانية المسيحية في هولندا ( البروتستانتية ) , بمناسبة مرور خمسة قرون على حركة الإصلآح الديني للثائر ( مارتن لوثر ) , وستتم في شهر تموز أيضا .

تخيلوا لو أننا لا نسمع فيروز لأنها أرثوذكسية

ولا نعترف بنزار قباني كشاعر لأنه مسلم سني ،

ونمحو السياب من الذاكرة لأنه شيوعي ،

ولا نقرأ للماغوط لأنه إسماعيلي،

ولأدونيس وبدوي الجبل لأنهما علويان ،

ولا ندرج فارس الخوري في كتب التاريخ لأنه مسيحي ،

أو سلطان باشا الأطرش لأنه درزي ،

ونتحفظ عن الضحك ونمتنع عن الفرح

لأن دريد لحام شيعي …!!!

غاندي يلهم الكثير من الأحرار وهو هندوسي !!! آينشتاين أعطى الكثير من العلم للبشرية وهو يهودي !!!

ستيف جوبز السوري ابن الجندلي اعتنق البوذية فلماذا لا تقاطعون آبل .. ماكنتوش ، حواسيب ، جوالات ، لابتوبات ..

لأنها من اختراع رجل لاينتمي لدينكم ؟!!!

كفوا عن مقاطعة الإنسان ..

وقاطعوا الشر داخلكم الذي يحرمكم من هويتكم وتراثكم ومن علمكم ..

العلوم ترجمها العرب عن اليونان ..

ولم يقاطعوها لأنها وثنية !!

الحكمة ضالة المؤمن ، حيث وجدها اتبعها …

والإنسان الذي يتقوقع ولا يتواصل مع الآخرين

لمجرد تعصبه لفكر أو لديانة أو لمذهب أو لشخص .. ينتهي علمه وأدبه ،

ويرجع إلى ما قبل كتب التاريخ ..

لا تغيروا أديانكم ..

عبد الرزاق الحكيم

لآهاي/هولندا… 20/تموز /2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here