منار الزبيدي
جنات محمد (30عاما) متزوجة وأم لثلاثة أطفال من محافظة الديوانية عاشت في كنف والديها اللذين عززا ثقتها بنفسها ودعما موهبتها لتصبح رسامة ومصممة أزياء في طفولتها وعندما كبرت تعلمت الخياطة والتطريز من خالاتها، أما في بيت الزوجية فقد أصبحت “دوشمجية” تصنع الأثاث المنزلي نجارةً وخياطةً وبهذا فهي أول سيدة عراقية تمارس هذه المهنة.
تقول جنات “بعدما وفاة والدتي قبل سبعة أشهر شعرت بالحزن وحاولت الهاء نفسي، بدأت بخياطة الشراشف والاغطية للأجهزة في منزلي وبقيت مقاعد غرفة الاستقبال قديمة فذهبت لصاحب محل الأثاث وطلبت منه تجديدها لكن تكلفة العمل لم تناسب وضعي المادي وبعد عودتي الى منزلي قررت أن افعل ذلك بنفسي فاشتريت القماش ودعوت قريباتي لمساعدتي فكان الأمر بسيطاً وغير مكلف ومن هنا فكرت بالعمل في هذا المجال مع فريق من النساء”.
وتضيف “تعلمت من زوجي ان اقوم ببعض الاعمال المنزلية التي يفعلها الرجال غالبا فانا أصلح أنابيب المياه ومفاتيح الكهرباء وغيرها من الأعمال وكان يشجعني على فعل ذلك”.
من هنا نمت فكرة الاعتماد على النفس والاستقلال المادي دون التأثير على جوانب حياتها المختلفة تقول جنات “لم يؤثر العمل على حياتي الزوجية والتزاماتي الأسرية فانا أنظم وقتي بين الاسرة والعمل رغم الجهد إلا أنني تذوقت حلاوة النجاح من خلال العمل الذي أنجزه في منزلي”.
في ثمانية أشهر استطاعت جنات وفريقها انجاز أكثر من مئة طقم من الأثاث المنزلي في وقت قياسي اقصاه ثلاثة أيام للطقم الواحد وساهمت هذه الميزة بجذب الزبائن الى جانب مميزات اخرى.
“بعض الأثاث القديم الذي يجلبه الزبائن لنا يحتاج الى عمل النجارة قبل البدء بتغطيته بالقماش والإسفنج وهذا عمل مجهد لكننا ننجزه في مدة وجيزة ثم نقوم بإضافة الإسفنج الذي نشتريه من المعمل الرئيسي وبعدها نغلف القطع بالأقشمة الجميلة”، تقول السيدة الثلاثينية.
عمل جنات في إعادة تغليف الأثاث القديم لا يختلف عن عمل زملائها في المجال ذاته لكنه يمتاز بالأسعار المناسبة التي تتراوح بين (150 – 200) دولار وهو سعر مناسب قياسا بالأسعار التي يطلبها الرجال العاملون في المجال ذاته.
بالإضافة الى ميزات الوقت والمال فان جنات توفر جميع أنواع وألوان الأقمشة المطلوبة دون ان تكلف الزبائن عناء شرائها من السوق كما أنها تؤمن وسيلة نقل الأثاث من والى مكان العمل.
وتقول “مهارتي في التصميم وتنسيق الالوان ميزت عملي النسائي عن عمل الرجال فانا أوظف هذه الموهبة في العمل من خلال اختيار الألوان وتطعيم القماش مما يوفر الارتياح للزبائن خاصة النساء ربات البيوت اللواتي أتعامل معهن مباشرة وبكل ارتياح”.
في بداية عملها لم تكن جنات تمتلك أدوات العمل ولكن زوجها أعارها بعض الأدوات تشجيعا لها “الآن ومن خلال مردودات العمل اصبحت املك عدة متكاملة مثل أجهزة قطع وثقب الخشب والمسامير المختلفة الأحجام والكابسات والمطرقة والأوراق الملونة اضافة الى المواد الاولية كالخشب والاسفنج والقماش، ولم يواجهني أي تحدٍ سوى الجهد العضلي لكني تغلبت عليه بالممارسة المتواصلة” تضيف.
كما تلقت الدعم المعنوي والتشجيع من زوجها واسرتها ورجل يملك معملا للإسفنج تعرفت عليه اثناء العمل قام بإهدائها كابسة هوائية لاستخدامها في العمل بعدما أعجبته طريقتها في العمل”.
وتعتمد جنات على فريق عملها النسوي المتكون من فتاتين اثنين الأمر الذي سهل عليها انجاز العمل بالسرعة الممكنة فهن يشاركنها في كل شيء ويسعين معها للنجاح.
منصات التواصل الاجتماعي باتت منفذا دعائيا مهما للترويج عن العمل وجذب الزبائن وهذا ما اعتمدته جنات التي تؤكد “بدأت الاعلان عن عملي بواسطة الفيسبوك وكانت الاستجابة بطيئة بسب عدم تصديق المتابعين وكذلك عدم الثقة بقدرة المرأة على أداء هذا العمل ولكني كنت واثقة من نجاحي، فبدأت انشر أعمالي موثقة بالصور مع ذكر المميزات وتعميمها على المجموعات المختلفة فحصلت على الكثير من الزبائن”.
تسعى جنات من خلال ما تدخره من اموال لتوسيع عملها وتطويره مثل تأمين مساحة عمل مناسبة مستقلة عن منزلها مع شراء أدوات حديثة لتشغيل أكبر عدد من النساء وتقول إن “المرأة في العراق صلبة بطبيعتها وقادرة على القيام بأي عمل إذ لا يوجد عمل خاص بالرجال دون النساء لكن على المرأة ان تسعى لكسر الصورة النمطية التي تظهرها كمخلوقة ضعيفة، فان أرادت مارست اصعب المهن من خلال الممارسة والتعلم”.
اندفاع جنات وطموحها قد يكون سببا في ظهور نساء أخريات يعملن في المجال ذاته في المدينة الصغيرة التي شهدت ظواهر جديدة عدة في السنوات الماضية لكن لا احد يمكن ان يتنبأ في الوقت اللازم الذي تحتاجه النساء هناك لكسر حاجز الخوف والانخراط في اعمال محتكرة للرجال.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط