لحظة من فضلك ..انتحارك يرعبني يافلان!!

احمد الحاج

” وداعا اصدقائي ..أحباب قلبي ، معكم حمودي من محافظة الديوانية ، قضاء الشامية ، هذا آخر يوم في حياتي ” كلمات قالها بعفوية شاب يحمل بيمناه مسدسا وبيسراه سكينا في عملية انتحار بالبث المباشرlive من أعلى بناية ماتزال قيد الانشاء بمحافظة النجف ، انتهت بتمزيق جسده ومن ثم اطلاق النار على نفسه !! .

انتحار وثق بالصوت والصورة ولأول مرة في العراق ماشكل صدمة للمراقبين ورفع نسبة الادرينالين لدى محرري النشرات الاخبارية المضطرين لمتابعة ومشاهدة هكذا جرائم أولا بأول – وأنا منهم – وربما شجع شبابا طائشا سيحذون حذوه تحت تأثير الكرستال والحبوب المخدرة التي تفتك بهم فتكا والتي تهرب الى العراق لهذا الغرض وأعني به تدمير شريحة الشباب التي يعول عليها في بناء ماهدم وإعمار مادمر وتعويض ما فقد ، وباﻷخص أن الحادثة جاءت بالتزامن مع انتحار طالب من سكنة الناصرية في السادس الإعدادي بإطلاق النار على نفسه من بندقية نوع كلاشنكوف، و انتحار شاب آخر في الحادية والعشرين من العمر شنقا بغصن شجرة بقضاء الغراف ، وبأنتحار ضابط برتبة مقدم في شرطة مرور ذي قار ، وبأنتحار أو اغتيال – على خلاف في نتائج التحقيقات – مدير نادي القوة الجوية بعد قتله – او قتلهم – لزوجته واطفاله الثلاثة بمنطقة المنصور وسط بغداد لتأتي الحوادث المروعة التي وقعت أحداثها خلال ستة أيام فقط ، مؤكدة الاحصائية الاخيرة الصادرة عن القضاء العراقي والتي اشارت الى ان بغداد وكربلاء وذي قار تتصدر بقية المحافظات بعدد المنتحرين من الذكور والإناث خلال عام كامل حيث سجّلت بغداد 38 حالة انتحار خلال 2016 تلتها كربلاء بـ23 حالة وهي قياسا بالكثافة السكانية للمحافظة تعد مروعة وتفوق سابقتها ، ومن ثم ذي قار بـ 22 حالة وقبلها في السليمانية حين انتحر شاب يبلغ من العمر 14 عاماً من سكنة حي ( باخان) ، وانتحار شاب في العشرين من العمر داخل داره وسط البصرة عن طريق اطلاق النار في ايار الماضي واحباط محاولة لإنتحار إمرأة حاولت رمي نفسها في ناظم للمياه في نفس اليوم بمحافظة البصرة !!

كلمات – حمودي – تشبه ماكتبه اشهر المنتحرين في العالم الرسام الهولندي الشهير ورائد المدرسة الانطباعية ، فان كوخ ، حين ترك لصديقه رسالة قال فيها ” أيها الوجه المكرر، يا وجهي القبيح، لماذا لا تتجدد؟أبصق فى المرآة وأخرج…. لأجل ذلك سأغادر الدنيا فى أوج اشتعالى.. ولكن لماذا؟! إنه الإخفاق مرة أخرى. لن ينتهى البؤس أبدًا…وداعًا سأغادر نحو الربيع”، حمودي لم يسمع بـ” فان كوخ ” وﻻ بإنطباعيته والتي تباع لوحاته حاليا بعشرات ملايين الدولارات مع انه مات مفلسا ، إﻻ ان ابن الديوانية المقيم في النجف ابتدع لنفسه خطابا يداعب به مشاعر اصدقائه ومن يحب في السوشيال ميديا كتعويض عن فراغ وعاطفة لم يشعر بها في عراق تائه وضائع بكل شرائحه وفئاته من الشمال الى الجنوب فيما ساسته ماخلا النزر اليسير منهم ومعظمهم سبب مباشر بتدميره ، ﻻهم لهم سوى – السرقة والحصول على المناصب وإثارة الطائفية وتأجيج الفتن والقلاقل وتحقيق اجندات الدول التي نصبتهم ومن الحضيض أخرجتهم -.

مراقبون يعزون الانتحار في العراق الى التفكك الاسري وارتفاع معدلات الطلاق بمعدل 300% ، وآخرون الى الفقر والبطالة وضحاياها 10 ملايين مع مايكتنفها من خوف مرضي من المستقبل والشعور باليأس والإحباط وضعف الوازع الديني والعزوبية والعوز والفاقة، وفريق ثالث الى المخدرات والخمور ، ورابع الى تهديدات السوشيال ميديا والابتزاز الجنسي على خلفية صور او مقاطع فيديو تفضح الضحايا في وسط محافظ مايهدد مستقبلهم وحياتهم ، وخامس – وانا من انصار هذا الرأي الى حد ما – الى جرائم اغتيال تدون على انها انتحار وبالاخص بالنسبة للنساء ضمن مايعرف بـ” جرائم الشرف – وكذلك اغتيال الشخصيات المؤثرة – نحو مدير نادي القوة الجوية ، العقيد بشير فاضل الحمداني، او مقدم المرور مثلا – .

وانا هنا لم اتطرق الى العمليات الانتحارية – المؤدلجة – والتي ﻻيكاد يمر يوم من دون ان يسجل العراق عملية بحزام ناسف او سيارة مفخخة يقودها انتحاري او اكثر، بل وقبل شهرين تقريبا من الان اشارت التقارير الى وقوع و احباط 12 عملية انتحارية في يوم واحد !

واختم بأن على الخطباء في جميع مساجد العراق لفت الانتباه الى خطر الظاهرة قبل استفحالها اكثر والتحذير منها والتذكير بحرمتها شرعا ، وعلى التربويين والباحثين تكثيف جهودهم لتسليط الضوء على اسبابها وابعادها ودوافعها كي لاتتكرر ، وعلى المعلمين والمدرسين فضلا عن اولياء الامور رعاية ابنائهم وتوجيههم بالحسنى ومتابعة حالتهم النفسية اضافة الى اصدقائهم اذ ان الصاحب ساحب ، وعلى الجهات المختصة التعامل مع حوادث الانتحار جنائيا والتقصي الدقيق قبل غلق الملف بـعبارة ” انتحار ” اذ لعل الضحية ذهب غدرا بجريمة قتل دبرت بليل وقاتله مايزال طليقا يستعد لارتكاب جرائم مماثلة ستدون على انها انتحار كسابقتها . اودعناكم اغاتي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here