لبحكيم يضرب عدّة عصافير بحجر واحد!

ساهر عريبي
[email protected]
في خطوة تنم عن حكمة ودهاء سياسي, أعلن السيد عمار الحكيم, الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى إنسحابه من المجلس واضعا حدّ لصراع خفي يجري داخل أروقة المجلس منذ شهور عدة, وتفاقم خلالها خاصة في الفترة التي أعقبت تقديم كل من القياديين في المجلس , وزير النفط السابق السيد عادل عبدالمهدي ووزير النقل السابق باقر الزبيدي لإستقالتهما من حكومة الدكتور العبادي في أعقاب الإضطرابات التي عصفت بالمنطقة الخضراء بعد أن طالب زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر بإجراء إصلاحات إثر وصول الفساد الى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد, أدت وبالتضافر مع عوامل أخرى الى سقوط ثلث الأراضي العراقية بيد تنظيم داعش الإرهابي في زمن الولاية الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
فقد نجح الحكيم بهذا الإعلان في ضرب عدة عصافير بحجر واحد وأولها أنه سحب البساط من تحت أقدام مناؤيه داخل المجلس الذين سيرثون بهذا الإعلان هيكلا واسما فاضيا لأن جميعهم يفتقد للكاريزما وللحضور الشعبي الذي يتمتع به الحكيم بين قواعد المجلس, فلقد ورث الحكيم إرثا عائليا له مكانته في قلوب الناس بدءا من جده المرجع الراحل السيد محسن الحكيم ومرورا بعميه الشهيدين السيدين مهدي و محمد باقر الحكيم ويضاف الى ذلك عشرات الشهداء الذين قدمتهم هذه العائلة خلال سني المحنة تحت قبصة النظام السابق الذي انتقم من هذه العائلة شرّ انتقام. هذا الإرث لا يمكن لقياديي المجلس الآخرين مجاراته بالرغم من تاريخهم النضالي العريق. ومن المتوقع وفي أحسن الأحوال ان ينضم هؤلاء تحت لواء قائمة واحدة لخوض الإنتخابات المقبلة أو الإنضمام منفردين الى الكتل الأخرى, لكن تجربة النائب السابق عن البصره محمد الطائي لاتبدو مرشحة للتكرار نظرا لإن القضية التي دافع عنها الطائي وأكسبته ثقة الجمهور البصري لاتجاريها قضية يمكن ان ترجح كفة قادة المجلس.

نجح الحكيم بهذا الإعلان بالتحرّر من قبضة الحرس القديم الذي يرفض ان يلعب دورا استشاريا او هامشيا في قيادة المجلس بالرغم من أن عمر رموزه قد جاوز السبعين عاما , وبالرغم من انهم تصدّروا المشهد السياسي طوال السنوات التي أعقبت إسقاط نظام صدام, فالسيد عادل عبدالمهدي تولى عدة مناصب من بينها نائب رئيس الجمهورية ووزير النفط والسيد باقر الزبيدي هو الوزير العراقي الوحيد الذي تعاقب على اربع وزارات هي كل من الإسكان والداخلية والمالية والنقل حتى أصبح المجلس محل تندّر بسبب ذلك. فبالرغم من ان هذا الأمر طبيعي في البلدان المتطورة مثل بريطانيا التي تولى فيها وزير المالية الحالي فيليب هاموند منصبي وزير الدفاع والخارجية من قبل, لكن مثل هذه الظاهرة غير مقبولة في العراق نظرا للفشل الذي طبع سيرة الحكومات منذ العام 2003. وأما الشيخ جلال الدين الصغير فقد اصبح عبءا على المجلس بتصريحاته التي أثارت في مرات عدة زوبعة ضد المجلس. وأما السيد عادل عبدالمهدي فقد نجح الإعلام الآخر في تشويه سمعته عبر استغلال حادثة مصرف الزوية التي أصبح ذكرها مقترنا بذكره.

تمكن الحكيم بهذا الإعلان من تعزيز خطه القائم على ضخ الدماء الشابة في المجلس وهو التوجه الذي عارضه الحرس القديم بشدة متذرعا بتاريخه النضالي وبخبرته , مصرّا على تصدّر المشهد السياسي في وقت اكتفى فيه قياديين تاريخيين كبار في ساحة العمل السياسي العراقي بالعمل خلف الأضواء والرضا بمناصب استشارية بل ولم يخوضوا حتى الإنتخابات النيابية, وفي مقدمة هؤلاء القيادي التاريخي في حزب الدعوة السيد حسن شبر الذي اكتفى بمنصب مستشار لرئيس الوزراء, فيما رضي شيخ الدعوة القوي عبدالحليم الزهيري بلعب دور أساسي خلف الكواليس رافضا حتى عضوية البرلمان. تحرّر الحيكم بهذا الإعلان من قيود الحرس القديم وفرض رؤيته المرحّب بها بين قواعده وجلها من الشباب.

وأما الإشكالات التي يضعها الحرس القديم على القيادات الشابة وبضمنها الحكيم, , فلابد من الإشارة الى ان السن لم تعد له أهمية في العصر الحديث عند انتخاب القاده , وخير مثال على ذلك الرئيس الفرنسي الجديد ايمانويل ماكرون الذي يقود دولة عظمى ورئيس وزراء كندا جاستن ترودو وكلاهما في الأربعينات من العمر او أقل. فالمهم اليوم هي الكاريزما والقدرة على خوض المعترك السياسي عبر مسك العصا من الوسط والتصرف بحكمة واتخاذ المواقف المناسبة وليس للعمر تأثير كبير على ذلك, ولكن يمكن لأصحاب الخبرة أن يضعوها تحت تصرف القيادات الشابة التي تتميز بالجرأة والنشاط والإقدام فكيف إذا كانت مسلحة بخبرة وتجارب الكبار!

وكان اللافت في إعلان الحكيم هو اسم التيار الجديد الذي أعلن ولادته ألا وهو تيار الحكمة الوطني, إذ تخلى فيه عن صفة الإسلامي التي اتّسم بها المجلس الأعلى, فهذه الصفة أصبحت وبالا على الإسلام بعد أن فشلت قوى الإسلام السياسي في الدول العربية في تقديم نموذج يشار له بالبنان وينعكس إيجابا على الإسلام. ومما يجدر ذكره ان التيار الإسلامي في تركيا فطن باكرا الى هذه النقطة الحساسة إذ اعلن زعيمه الراحل نجم الدين أربكان تأسيسه لحزب الرفاه الذي ولد من رحمه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حاليا. إذ ينسب الى أربكان رفضه إضافة صفة اسلامي على حزبه قائلا ” لا أريد إن فشلنا أن يحسب ذلك على الإسلام” وهو موقف حكيم شتان بينه وبين من يتاجر باسم الدين لتحقيق مكاسب سياسية. وبهذا فتح الحكيم الباب واسعا أمام مختلف شرائح المجتمع للإنضمام الى تياره فضلا عن الإنفتاح على مختلفة المكونات والتيارات العراقية عبر صفة الوطنية التي تجمع العراقيين.

وتضمن إعلانه كذلك جملة من الإشارات ومن بينها تقدمه بالشكر والإمتنان للجمهورية الإسلامية في ايران التي أسست المجلس الأعلى ورعته أيام المعارضة. وهنا لابد من الإشارة الى ان المجلس لم تؤسسه ايران مطلع الثمانينات من القرن الماضي كحزب سياسي , بل كإطار يضم مختلف فصائل المعارضة العراقية وخاصة الإسلامية منها. إذا كان يضم عند تأسيسه حزب الدعوة ومنظمة العمل وحركة المجاهدين إضافة الى حركات كردية كتلك التي كان يرأسها البرزنجي, لكن المجلس تحول رويدا رويدا الى حزب سياسي بعد أن توالى انسحاب تلك الأطراف منه ولأسباب لا مجال للخوض فيها الآن , ولم يظل احد متمسك به سوى الشهيد محمد باقر الحكيم. تخلّص الحكيم بهذا الإعلان من عبء تهمة كونه يقودا فصيلا غير عراقي أسسته ايران وهي التهمة التي طالما روّج لها حزب الدعوة ولايزال بالرغم من أن المجلس بقيادته الحالية اتبع نهجا أكثر استقلالية عن طهران, وبالرغم من ان حزب الدعوة تقارب في زمن نوري المالكي كثيرا مع ايران في حين طبعت العلاقة بينهما صفة العداء أيام المعارضة وعلى العكس من علاقة المجلس بايران حينها.

واما الإشارة الأخرى التي أرسلها الحيكم فهي إعلانه الوقوف بوجه عسكرة المجتمع , في نهج يؤكد فيه عدم إتكائه على القوة العسكرية او المتاجرة بتضحيات القوات العراقية من حشد وجيش وشرطه وكما تفعل بعض القوى السياسية التي تسعى ومنذ اليوم الى المتاجرة بتضحيات الحشد الشعبي واستغلال حتى قوته للدعاية لهذا الحزب أو ذاك وكما كشف عن ذلك الدكتور حيدر العبادي, رئيس الوزراء , الذي أزاح النقاب عن تقليل رواتب منتسبي الحشد في الوقت الذي زاد فيه من التخصيصات المالية لهيئة الحشد الشعبي. لقد كان إعلانا تاريخيا من السيد عمّار أثبت فيه انه خير وريث للقب الحكيم!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here