منيف الرزّاز فيلسـوف البـعــث الـذي اغـتالـه صــدام بالســم (11)

فايز الخفاجي

ثانياً: الصُحفي ماجد السامرائي يروي الأسباب التي أدت إلى وضع منيف الرزاز تحت الإقامة الجبرية

في العدد (301) من مجلة أفكار الأردنية وفي مقال للكاتب العراقي ماجد السامرائي تحدث فيه عن علاقته بمنيف الرزاز وكيف كشف خيطاً مهمًا جداً لاعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية: كانت تربطني علاقة صداقة بمؤنس الرزاز النجل الأكبر للدكتور منيف الرزاز, وفي نيسان 1977 جاء والده، الدكتور منيف الرزاز، إلى بغداد، فأخذني إليه، وعرّفنا, وأذكر أنه قال له يومها أنني أول وأقرب صديق إليه في بغداد، وأنني اهتممتُ به كثيراً, فرأيتُ ابتسامة فرح ترتسم على وجه الأب وهو ينظر إليّ بعين الترحيب. يومها أردتُ أن أجري حواراً معه، فيسر لي مؤنس ذلك وأجريتُ الحوار الذي أردته. (1) في العام ذاته جرى انتخاب الدكتور منيف الرزاز عضواً في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وجاء إلى بغداد فأستقرّ فيها. ثم التحقت به عائلته وسكن في حي (كرادة مريم) ببغداد وهو الحي الذي يقع فيه أو قربه القصر الجمهوري وسكن أغلب المسؤولين المهمين. في هذه الأثناء لم ينقطع تواصلي مع الدكتور منيف الرزاز، وإن أنقطع كلياً مع مؤنس بعد مغادرته إلى أميركا, فكنتُ أزوره في مكتبه، وأسأله عن مؤنس فيطمئنني عليه، وينقل إليّ بعض أخباره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- للمزيد ينظر: ماجد صالح السامرائي, مؤنس الرزاز: صورة جانبية بما توفّر من ألوان, مجلة أفكار الأردنية, العدد: 301, شباط – 2014, ص76-78.

السارّة. وأذكر هنا واقعة مهمة فذات مرة زرت الدكتور منيف الرزاز وطرحتُ عليه أن نعقد حواراً فكرياً نواصل به ونكمل الحوار الذي كان لنا قبل عام، وكان يُحدّثني عن كتابه الجديد (فلسفة الحركة القومية العربية) الذي كان يعدّ لإصداره في ستة أجزاء، لم يصدر منه سوى جزءين, فردّ على مقترحي لإجراء حوار فكري بالاعتذار، وقال لي بالحرف: (لا ماجد.. هناك قضايا أهم.. أنا شايف أن هناك انحرافاً في فكر الحزب، وعليَّ أن اُقوّم هذا الانحراف)! لحظتها صعقتُ وأنا أسمع ما يقول.. بل أنظر في وجهه نظرة خوف من المصير الذي ينتظره إذا ما صرّح بذلك، ولم تكن في رأسي، وأنا مشدوه النظرة إليه، سوى فكرة واحدة تشكلت في صيغة سؤال مع نفسي: كيف ستكون نهايته؟ ومرّتْ لحظات لا أقسى منها ولا أمرّ، ثقيلة الوقع، وجدته فيها ينظر في وجهي نظرة أمل لما قد يكون لاحظ عليَّ من ردة فعل حتى كانت منه ابتسامة بدّدت شيئاً من حالتي، فانفرجت عندها أساريري انفراجاً نسبياً. (1) ثم سألني عن كاتب، وماضيه السياسي، وقال: (كيف يتم اعتماد كتبه في التثقيف الحزبي؟) ولم أجب. وخرجتُ من عنده مثقلاً بهمٍّ كبير: إذ لم أستطع أن أقول له، متمنياً عليه تجنّب مثل هذا الموضوع، فهو موضوع خطير، ولا يُدرك خطورة إثارته إلا من كان على معرفة بما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- للمزيد ينظر: ماجد صالح السامرائي, مؤنس الرزاز: صورة جانبية بما توفّر من ألوان, مجلة أفكار الأردنية, العدد: 301, شباط – 2014, ص76-78.

قاد إليه ذلك، كما لم أستطع أن أحدّث الدكتور عبد الوهاب الكيالي بالأمر ليحذّره خشية أن يقال عنه، إذا ما تحدث بذلك، إنه من بعد أن خسر موقعه في انتخابات القيادة القومية راح يسلك مسالك أخرى، وهو أبعد ما يكون عنها. (1) ويسترسل ماجد السامرائي قائلاً: بقيتُ أعيش الأزمة.. حتى تموز عام 1979، وما جرى في أعقاب تخلي الرئيس أحمد حسن البكر عن منصبه رئيساً للجمهورية، والعهدة إلى صدام حسين الذي ما إن أستقرّ على كرسي الرئاسة حتى أطاح بمن تململوا كمعارضين للطريقة التي تمّ بها ما تمّ، فأعتقل عدداً من أعضاء القيادة القطرية للحزب، بينهم مقرّبون منه, بتهمة التآمر عليه بالتنسيق مع قيادة الحزب في سوريا. يومها نُقل أن الدكتور منيف الرزاز بعث برسالة إلى الرئيس صدام حسين يشير فيها إلى الذين اتهموا بالتآمر، ويقول: بما أنهم حزبيون قياديون، ووفقاً للنظام الداخلي للحزب، فإنهم ينبغي أن يحالوا إلى لجنة تحقيق حزبية تضم أعضاءً من القيادة القومية. فكان الرد من صدام حسين هو: احتجاز الدكتور الرزاز، وفرض (الإقامة الجبرية) عليه، ووضعه تحت المراقبة المباشرة. (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- للمزيد ينظر: ماجد صالح السامرائي, مؤنس الرزاز: صورة جانبية بما توفّر من ألوان, مجلة أفكار الأردنية, العدد: 301, شباط – 2014, ص76-78.
2- المصدر نفسه.

ثالثاً: القيادي البعثي صلاح عمر العلي يوضح للمؤلف الخلاف الجوهري بين صدام حسين ومنيف الرزاز

أوضح القيادي البعثي صلاح عمر العلي للمؤلف طبيعة الخلاف الجوهري بين منيف الرزاز وصدام حسين الذي جر على الرزاز تبعات اعتقاله ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية فانتهت بموته المحزن, فأشار صلاح عمر العلي لذلك قائلاً: أن تفكير الرزاز وأخلاقياته تتعارض كلياً وأخلاق صدام حسين, ففي حين كان الرزاز يحاول إعادة بناء حزب البعث على وفق مبادئ وعقيدته في الديمقراطية كان الرئيس صدام حسين ينهج نهجاً مغايراً, وفي الوقت الذي كان فيه المرحوم الرزاز يحاول أن يلعب دوره بصفته أميناً عاماً مساعداً للقيادة القومية كان صدام يريده (مجرد موظف صغير) بعنوان أمين عام مساعد للحزب ومن معرفتي بالمرحوم الرزاز فأنه كان جريئاً وشجاعاً وناقداً لتصرفات قيادة الحزب في العراق بدون خوف أو تردد وهو بلا شك غزير الثقافة واسع الاطلاع مناضلاً لا يهاب أحداً, ولهذا أنتخب أميناً عاماً مساعداً بينما أطلق على ميشيل عفلق لقب الأب القائد المؤسس للحزب. (1) وبيّن صلاح عمر العلي: بأن وضع الرزاز تحت الإقامة الجبرية جاء ارتباطاً بما حدث في قاعة الخلد. (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مراسلة مع عضو القيادة القطرية ووزير الإعلام والسفير العراقي الأسبق صلاح عمر العلي, بتاريخ 11-7- 2016
2- المراسلة نفسها.

رابعاً: هاني الحوراني يؤرخ للأسباب
التي أدت لمأساة منيف الرزاز

أما الباحث الأردني هاني الحوراني فلخص التجربة الأليمة لمنيف الرزاز قائلاً: الواقع أن مأساة هذا الرجل تجسدت لأنه كان مثقفاً، والأرجح أنه كان مثقفاً حالماً. وقد وقع ضحية أحلامه، إذ كان من أوائل ضحايا الديكتاتورية البعثية التي أكلت أول ما أكلت أبناءها من قادة وكوادر الحزب، قبل أن تنتهي بالبلدين اللذين حكمتهما ما بين فكي الغزو والاحتلال، كما هو حال العراق، وأتون التفكك والحرب الأهلية، كما هو حال سورية اليوم. ربما لم يخطر ببال منيف الرزاز، حتى في أكثر أيامه كابوسية، وهو محتجز في إقامته القسرية، أن مؤلفاته السابقة، ولا سيما استخلاصاته حول الديكتاتورية هي أقرب ما تكون إلى النبوءة بمصائر العراق وسورية، وكذلك ليبيا واليمن، وغيرهما من البلدان التي رزحت، أو لا زالت ترزح، تحت كابوس الاستبداد السلطوي، لقادة مثل (القائد الضرورة)، و(ملك ملوك إفريقيا)، وما شابههما. لا أحد يمكن له أن يتكهن بما كان يدور في رأس منيف الرزاز، وهو في إقامته الجبرية، وهل هذه النهاية المستحقة له، بعد مسيرته السياسية الطويلة، والذي دفع خلالها الكثير من حريته، ومن معاناة زوجته المرحومة لمعة بسيسو وأولاده. (1) فهل فكَّر، مثلاً أنه كان، ربما منذ البداية، في المكان الخطأ؟ وهل وأسى نفسه بأن مصيره أفضل من مصير العديد من الرفاق القياديين الذين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- للمزيد ينظر: هاني الحوراني, منيف الرزاز بشَّر بالحرية مبكراً ودفع ثمنها مثنى ورُباع! على الموقع:
http://www.almadenahnews.com

أُعدموا، عام 1979، بإطلاق الرصاص عليهم من قبل صدام حسين، لمجرد الاشتباه بتورطهم بتدبير انقلاب عسكري ضده؟ (1) من خلال ما تقدم فأن منيف الرزاز كان يجهل الحالة الدموية لتنظيم حزب البعث في العراق, وبالذات ما تتصف به شخصية صدام حسين, حيث كان (مثالياً ونرجسياً) في طرحه, وإلا كيف يمكن أن يطرح على صدام هكذا طرح وهو الذي يعتبر شخصيته فوق النصيحة والنقد أو التقويم, طبعاً هذا كله يرجع إلى حداثة سكنه في العراق, حيث سكن في بغداد عام 1977, وكانت لقاءاته مقتصرة على النخبة, ولم يكن يختلط بالفئات الشعبية لأنه لم تجمعه رابطة قديمة معهم بسبب حداثة قدومه للعراق كما أشرنا, كذلك كان مثقفاً وبعثياً حالماً كما ذكر هاني الحوراني.

المشرق

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here