النشأة التاريخية لتيار الحكمة في بغداد .. عباسيّا ويسوعيّا وحكيميّا

قحطان السعيدي

ما من شك ان السيد عمار الحكيم يرتكز على إرثه العائلي، وان خروجه من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية ومن ثم المجلس الاعلى الاسلامي الى فضاء اخر يسمى تيار الحكمة الوطني، مؤكد جاء القرار بعد دراسة سريعة لمزاج الشارع العراقي ومتطلبات البقاء السياسي في المشهد السياسي وفق مقتضيات المصلحة البراغماتية للاستمرار والتجديد، خصوصا بعد العودة الامريكية الفاعلة للعراق.

ولقد تحول المجلس الاعلى للثورة للإسلامية لمسمى المجلس الاعلى الاسلامي تماشيا للفصل بين الجناح العسكري لفيلق بدر برئاسة العامري الذي تأسس في ايران ابان العقد الثمانيني من القرن المنصرم وقاتل الجيش العراقي الى جانب القوات الايرانية في جبهات القتال في الحرب العراقية – الايرانية.

وبقيت قياداته الملتصقة تاريخيا بالقيادة الايرانية وولاية الفقيه تقود المجلس السياسي للحزب، ضمن الفترة التي تركت الولايات المتحدة الامريكية لقمة سائغة للتدخل الايراني حتى أطبقت حكومة طهران انيابها على جميع مفاصل الدولة العراقية، مما جعل الامر معروفا للقاصي والداني ان المجلس الاعلى الاسلامي احد أدوات ايران في بغداد.

ان تسمية تيار الحكمة وانشقاقه من المجلس الاعلى الاسلامي بقيادة الحكيم نسلط الضوء عليه من حيث اختيار المسمى للتيار تاريخا وحاضرا سيكون في الاحتمالات التالية:

اولا: اذا كان الراي لدى السيد عمار الحكيم ان تسمية تيار الحكمة اقترن باسم عائلة الحكيم، فبذلك يعلن ان الحزب هو مؤسسة عائلية مقترنة ببيت الحكيم، ولا يحق لها الصاق التسمية الوطنية او اعلان الانفتاح على الطوائف الاسلامية الاخرى وغير الاسلامية، لان عائلة الحكيم عرفت منذ تسنم السيد محسن الحكيم قيادة الحوزة الدينية للنجف الأشرف بتطلعاتها الحوزوية الشيعية اضافة لتبنيها بوقت مبكّر شعار الشيوعية كفر والحاد وتقاطعها مع التيارات الوطنية والعلمانية.

ثانيا: اذا رجعنا قليلا للوراء في تاريخ العراق الحديث لما بعد الحرب العالمية الاولى من القرن الماضي، فان تيار الحكمة في العراق، التصق بالآباء اليسوعيين الذين أتوا الى بغداد.

“في عام 1929 وبطلب من بطريرك الكلدان الكاثوليك في بغداد وبتوجيه من البابا بيوس الحادي عشر، أرسل مجموعة من أربعة آباء يسوعيين أمريكيين إلى بغداد وأسسوا كلية بغداد كمدرسة ثانوية للبنين عُرفت بـ”BC on the Tigris” من قبل الآباء وتعتبر أقدم مَدرسة عَراقية وآسيوية.”*

وقد تخرج من كلية بغداد اليسوعية على سبيل التذكير لا الحصر السادة اياد علاوي” رئيس حزب الوفاق الوطني” وعادل عبدالمهدي “القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي” والمرحوم احمد الجلبي” مؤسس حزب المؤتمر العراقي”

وبعد تأسيس كلية بغداد ونجاح تجربتها شرع الآباء اليسوعيين لانشاء جامعة الحكمة في منطقة الزعفرانية ببغداد عام ١٩٥٥برئاسة الأب توماس هسي اليسوعي رئيس كلية بغداد آنذاك، وقد حصلت على موافقات الحكومة العراقية عام ١٩٥٥ وتم العمل بأقسامها حال انتهاء العمل ببنايتها في الزعفرانية، وقد عين الآباء اليسوعيين الأب جوزيف الراين اليسوعي رئيساً لجامعة الحكمة،وقد حلت الجامعة بعد استلام البعثيين لمقاليد الحكم في بغداد عام ١٩٦٨ وتحولت أبنية جامعة الحكمة الى معهد التكنولوجيا في منطقة الزعفرانية عام ١٩٦٩.

ثالثا: اذا أوغلنا في التاريخ فان تيار الحكمة نشأ وترعرع متزامنا مع نشوء الدولة العباسية في عهد الخليفة هرون الرشيد وتأسيس دار الحكمة في بغداد، ويمكن لنا توصيفه حيثما جاء في اليكوبيديا العالمية:

“ارتبط إنشاء بيت الحكمة بهارون الرشيد، الذي يعد أحد أعظم خلفاء بني العباس رغبة في العلم، وأصبحت بغداد في عهده منارة العلماء، وكثر فيها الأدباء والشعراء أمثال: ابو العتاهية والعباس بن الأحنف، ومؤرخين أمثال عبدالملك الأصمعي والواقدي. اتجه الرشيد إلى إخراج الكتب والمخطوطات التي كانت تحفظ في جدران قصر الخلافة، بعد أن تضخم رصيدها من التراث المدون والمخطوطات المؤلفة والمترجمة، لتكون مكتبة عامة مفتوحة أمام الدارسين والعلماء وطلاب العلم. وأضاف الرشيد إلى خزانة المنصور ما اجتمع عنده من الكتب المترجمة والمؤلفة، فتوسعت خزانة الكتب وصارت عدة جزائن، أي عدة أقسام لكل منها من يقوم بالإشراف عليها، ولها تراجمة يتولون ترجمة الكتب المختلفة إلى العربية، وناسخون يشتغلون بنسخ الكتب التي تترجم والتي تؤلف للخزانة، ولها مُجلِّدون يجلدون الكتب ويعنون بزخرفتها”*

ثم تطور تيار الحكمة في عهد الخليفة المأمون حتى وصفه المصدر ذاته:

“أنشأ المأمون ديوانًا خاصًا بالترجمة في بيت الحكمة،[25] ووضع على رأسه حنين بن إسحاق، وأمر بوضع خارطة للعالم سميت الصورة المأمونية أو الخريطة المأمونية، وهي أول خريطة للعالم في عهد العباسيين، قال المسعودي في كتابه التنبيه والإشراف: «رأيت هذه الأقاليم مصورة في غير كتاب بأنواع الأصباغ، وأحسن ما رأيت من ذلك في كتاب جغرافيا مارينوس، وتفسير جغرافيا قطع الأرض، وهي الصورة المأمونية التي عملت للمأمون واجتمع على صنعتها عدة من حكماء أهل عصره صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه، وبره وبحره وعامره وغامره، ومساكن الأمم والمدن وغير ذلك، وهي أحسن مما تقدم من جغرافيا أبطليموس وجغرافيا مارينوس وغيرهما».[26] جاء في خريطة المأمون ومسحه وصف 530 مدينة وبلدة، وخمسة أبحر، و290 نهرًا، و200 جبلًا.[27] كما أنشأ دارًا للتعريب، ورصد فيها علماء لتهذيب الكتب المترجمة وتوجيه أسماء المعرفة من الأعلام والأجناس على ما يناسب المنطق العربي. أطلق المأمون في أواخر عهده برنامجًا منهجيًا للدراسات الفلكية، وأنشأ أول مرصد فلكي في التاريخ الإسلامي، وأقامه في بغداد في منطقة الشماسية، ثم أنشأ مرصدًا آخرًا في دمشق، وأرسل أول بعثة علمية لقياس محيط الأرض، وكان حسابُ بحاثة المأمون لمحيط الأرض قريبًا جدًا مما يُعرف اليوم.[28]”*

للسيد عمار الحكيم حصرا الرد على التساؤلات المطروحة في المقال.

* ويكبيديا

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here