ظاهرة ألدّعوة لِلتّسامح

بعد القضاء على داعش على يد الحشد الشعبي و القوات العراقية .. كثرت آلدّعوات و آلخطب ألرنّانة من الحاكمين الفاسدين في العراق للتسامح و ضرورة آلوحدة و التآلف بينَ أبناء الشعب الذي تفرّق شملهُ .. أو كان قد تفرّق أساساً بسبب السياسات الحزبية و الطائفية و الأرهاب و سياسة و قوانين الحكام الظالمين من زمن البعث و ما قبله و إلى يومنا هذا!

بل وصل الأمر لئن يُغيّرَ و يُبدّل بعض هؤلاء الرؤوساء أسماء أحزابهم و تشكيلاتهم و منظماتهم العلنية و السّرية بأسماء جذّابة و جميلة جديدة ظنّاً منهم أنّ تلك العناوين الجديدة ستُغيّر الواقع و ستغلب عقول الفقراء و البسطاء من أبناء هذا الشعب الذي تعوّق معظمه جسدياً و نفسياً بسبب الظروف الأجتماعية و الأقتصادية و السياسية و العسكرية و الأمنية التي دمرت بناه التحية و قواعده الأجتماعية, و بآلتالي إستمرار فسادهم و نهبهم بإطارات و عناوين و دعوات جديدة!

كما تعجّبتُ كثيراً؛ من عدم حياء المسؤوليين و الحاكمين في العراق, للدرجة التي بدؤوا معها ألدّعوة لتوحيد الصفوف و للتسامح و الوطنية و الأخوة و العمل المشترك في سبيل الوطن, و الحال أنهم و أسيادهم في البيت الأبيض هم السبب في كل محن و مآسي العراق سابقا و لاحقا بعد 2003م!؟

و لا أدري كيف إنّ هؤلاء ألمسؤولين الممسوخيّن ألذين إمتلأت بطونهم و بطون عوائلهم و مَنْ حولهم بآلمال الحرام؛ كيف يُريدون توحيد صفوف الشعب العراقي و الدّعوة للبّر و التقوى, و هم أنفسهم فاقدين للتقوى و البر و الأنسانية .. بعد ما جعلوا الجميع يعاني الفقر و الجوع و المرض و العوق بسببهم!؟

إن التعاون على البر و التقوى و العمل الصالح؛ لا يتحقّق في العراق و لا في أيّ بلد في العالم مع الظلم و الفساد و الفوارق الطبقية و الحقوقية و الأمتيازات و بآلأخصّ في الرواتب الوظيفية, و للأسباب التالية:

أولاً : العراق أو أي بلد في العالم كوطن لا يحتاج بحدّ ذاته للتسامح و الوطنية و الأخوة, من حيث أن كلّ بلد في الأرض مُكوّن من مساحة جغرافية محدّدة يعيش فوق ترابها مجموعة من البشر سخّر لهم الباري ثروات معينة و أرزاق و مواشي كي يستفيد منها المواطنيين بكل أديانهم و عقائدهم بآلتساوي و العدل, و ليس آلأرض أو آلتراب (آلوطن) ذاته الذي لا يحسّ و لا يعقل شيئاً و لا يحتاج لذلك .. و كما يدّعي الحاكمون لتشويه الأمور و تمويه الحقائق و لأدلجة العقول و ضياع الحقوق, و بآلتالي تسهيل و إدامة نهبهم و فسادهم إلى آخر المطاف, هذا أولاً!

و ثانياً : كيف يُمكن للمواطنين أنْ يتوحدوا لله و في الله على البر و التقوى و العمل الصالح أمام مسؤوليين و حكام قساة .. أقلّ ما يُقال عنهم؛ أنّهم سرقوا و يسرقون المواطنين بدم بارد علناً و بقوانين واضحة شرّعوها لمصلحة جيوبهم و حصص أحزابهم التي لا يتجاوز عدد أفراد أكبر حزب عراقي فيهم بضع مئات من العراقيين الذين جمعتهم المصالح و الرواتب لا العقائد و الأهداف الأنسانية العالية و التي يجهلوها تماماً!

كما إنّ المواطنين سائرون في طريقهم و هم يكدّون و ينزفون ليل نهار من أجل تأمين و لو الحدّ الأدنى من المعيشة لأطفالهم, و يكاد معظم الشعب العراقي لا يستطيع تأمين لقمته بسهولة و يسر, بسبب الفقر و الغلاء و قلة فرص العمل و الأمكانات و الظروف الصحية و المعيشية الصعبة التي أثقلت كاهلهم, لذلك يستحيل أن يتوحد هذا الشعب في ظل هذه الأوضاع و تحت راية الفاسدين, خصوصا الفقراء و الأيتام و المعوقين و المعذبين منهم؟

ثالثاً : ألتسامح أيها الحكام الفاسدون .. يكون حين يحسّ المواطن بوجود ثقة بينه و بين المسؤولين الذين يعيشون مثلهم و في نفس الظروف, و هذا ما هو مفقود أساساً بسبب الطبقيّة الواضحة بين فئات الشعب خصوصا فقرائه الذين وصلوا لأكثر من 25 مليون أكثرهم يعيش تحت خط الفقر بحسب قياسات هيئة الأمم المتحدة, و إنّ ما خلّفه السياسيون من فقر و مآسي و ويلات و ديون ثقيلة لبنوك الغرب؛ ستئنّ منها الأجيال القادمة أكثر فأكثر, لأنهم سيولدون و لا من أموال أو مصادر للطاقة تفيدهم, بل عليهم أن يُسدّدوا تلك الدّيون .. بعد ما تمّ بيع حقوقهم و ممتلكاتهم من الثروات الطبيعية للمستكبرين بثمن بخس مقابل إدامة و تأمين رواتب و مخصصات المسؤولين الذين يأخذون بحدود 34% من إجمالي الدخل السنوي للعراق و عددهم لا يتجاوز 400 مسؤول فقط, و من الرأس بدون حساب أو كتاب, و مَنْ يحاسب مَنْ؟

إذا كان الجميع – جميع الأحزاب و الكتل في ؛ القضاء و البرلمان و الحكومة – يتحاصصون تلك النسبة بآلتساوي, و يتستر بعضهم على بعض, سواءا ًرئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أو رئيس الجمهورية و توابعهم من المستشارين و الموظفين و الحمايات!
ثمّ من أين يتمّ تسديد تلك الديون ألثقيلة التي ستنتهي إلى إستعمار البلد مباشرة من قبل قوات حلف الأطلسي بعد إعلان العجز!!

رابعاً : التسامح و الأخوة لا تتحقّق بآلشعارات و الخطابات؛ بل بآلمشاركة الواقعية في لقمة الخبز و فرص العمل و التعليم و الصحة و آلأمكانات الماديّة الحقوقيّة و بآلتساوي و العدل كشرط لأيجاد الثقة بين الجميع!

و الحال أنّ المسؤوليين يعيشون في مدار غير مدار الشعب .. و في كل شيئ بدءاً بآلقصور ثمّ الرّواتب العاليّة و المخصصات و الحمايات و السّفرات و الأمكانات الصّحية و غيرها؛ فكيف يمكن أن يتوحد المواطنون الفقراء مع الفاسدين الأثرياء تحت راية واحدة وعلى البر و التقوى و هذا الحال؟

لذلك لا وحدة على الأطلاق مع هذه الشعارات البائسة ألمغرضة من قبل المسؤوليين و الرؤوساء .. و لا نجاة و لا خلاص ليس فقط للشعب العراقي المظلوم المهتوك المنهوب حقهُ و كرامته و صفاء عيشه؛ بل لا نجاة لكل شعوب العالم مع الحكام المنافقين؛ إلّا بإعلان الثورة (ثورة الفقراء) ضدّهم, ثمّ معاقبتهم و أرجاع الحقوق و الأموال التي سرقوها و أودعوها في بنوك الغرب و الشرق بأسماء أبنائهم و ذويهم و مقرّبيهم و حتى شركاتهم الحقيقية و الوهمية و بلا وجه حقّ أو عدل!
هذا بشرط أن ينظم و يوحّد الفقراء صفوفهم تحت راية المثقفين المخلصين الذين لم يشاركوا السياسيين ظلمهم لحد الآن.
و ما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم, و العاقبة للفقراء المتقين المطالبين بحقوقهم
عزيز الخزرجي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here