فنانون عراقيون و ذاكرة الحرب في هلسنكي

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
*************************
(تنويه للقاريء .. نشر التقرير بشكل مختصر في جريدة المدى عدد السبت 29 تموز 2017، وللاسف أسقط المحرر فقرات تناولت اعمال بقية الفنانين المبدعين المساهمين في المعرض . اسجل اعتذاري لهم و أنشر التقرير كاملا على مواقع الانترنيت والتواصل الاجتماعي ، مع كامل الاحترام لكل الاسماء الطيبة الواردة في التقرير )
************************
أختتم مؤخرا في هلسنكي، العاصمة الفنلندية، المعرض التشكيلي بعنوان “ذاكرة الحرب” والذي أستمر لفترة أسبوعين، بمشاركة مجموعة من الفنانين الفنلنديين مع فنانين ينتمون الى بلدان الشرق الاوسط، بينهم مجموعة من الفنانين العراقيين (مهند الدروبي، مروى حمودي، عبد الرزاق الجواري، أحمد الالوسي، حذيفة صالح، محمود نديم، عمر البجاري ، جمال الغزي)، وهم من المهاجرين أو اللاجئين الذين بعضهم ما زال ينتظر قرار القبول أو الرفض، اضافة الى فنانين من روسيا وكردستان ايران وسوريا. وتوزعت اعمال المعرض بين أعمال الفن التركيبي (Installation) والتصوير الفوتوغرافي والرسم بالزيت وباقلام الخشب وافلام فيديو . والمعرض جزء من مشروع ثقافي يستمر لمدة عامين، شمل الى جانب هذا المعرض، معارض اخرى، وبرنامج زيارات الى المتاحف واقامة ورش عمل فني ونقاش حول جدوى الحروب وتاثيرها على المجتمعات والفن ، وهدف البرنامج الاساس مساعدة الفنان المهاجر واللاجيء لرسم خطوة صحيحة باتجاه الاندماج في المجتمع الفنلندي وايصال افكاره. ونال المشروع دعما ماديا من مؤسسات ثقافية فنلندية واهتماما ملحوظا من وسائل الاعلام الفنلندية، وسينتقل المعرض الحالي ليعرض في أماكن اخرى في فنلندا.
الفنانة الفنلندية النحاتة هيدي هانينين (35 عاما)، منسقة المعرض، واحدى المساهمات به، اخبرتنا بأن هدف هذا المعرض ان يجد التواصل ما بين الفنانين القادمين كمهاجرين ولاجئين جدد والقدامى ، بين من يحمل ذاكرة طرية عن الحرب والذين لهم ذاكرة تكاد تكون بعيدة شيئا ما عن احداث الحرب والعنف ، وان يساهم في تبادل الخبرات بين الفنانين القادمين من مختلف التجارب، خصوصا من خلال الاعمال المشتركة التي نفذت بمساهمة من فنانين فنلندين مع زملائهم من الفنانين المهاجرين او اللاجئين ، ليساهم ذلك كله في تقديم قضايا شعوب الشرق الاوسط للجمهور الفنلندي ، وتوق الشعوب للحرية والسلام .
الفنان العراقي مهند الدروبي (مواليد بغداد 1979) احد المساهمين في المعرض، خريج اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 2003 ، وله في فنلندا العديد من المعارض الفنية الشخصية والمشتركة ، كانت له في المعرض مساهمة بثلاثة اعمال فنية ، اثنان منهما من الفن التركيبي ، اضافة لشريط فيديو مدته 5 دقائق ، حمل عنوان ” الى اين تذهب يا كلكامش؟ “، وهو عمل مشترك مع الفنانة هيدي هانينين وفنانين اخرين. أهم وأبرز أعمال الفنان مهند الدروبي في المعرض كانت لوحة من القماش الاسود بقياس 10 X 5 متر تحت عنوان “احتراز” ، حاكى فيه شكل علم وراية تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام ـ داعش”، متبعا اسلوب الفن المفاهيمي، فللمشاهد الاجنبي ، ومن بعيد ، تبدو اللوحة بحجمها الكبير كراية لتنظيم “داعش” وعند الاقتراب منها سيجد انها مجرد قائمة طعام “Menu” يمكن أن تكون في أي مطعم، فأسماء الأكلات من كباب وتمن وباميا وغيرها حلت محل الشعارات والرموز الدينية، لكن المشاهد المعبأ بفكرة مسبقة بسبب من تأثير وسائل الاعلام والدعايات العنصرية وسياسة الفوبيا من الاجانب ، خصوصا من مسلمي الشرق الاوسط حين يرى اللون الاسود والدوائر البيضاء والكتابات بالحروف العربية سيترجم المشهد وفقا لافكاره المسبقة، والعمل هنا يدين بشدة حملة الافكار المسبقة لكل مواطن بشعر اسود وسحنة من الشرق الاوسط حين يضعونه في قائمة الارهاب دون التحقق من انتماءه المذهبي وتوجهه الفكري. عمل اخر للفنان الدروبي عن التفجيرات الارهابية بعنوان ” بغداد حلال “، مشترك مع الفنانة هيدي هانينين، حيث جلبا سيارة قديمة الى ارض المعرض ليجعلاها جزءا من مشهد التفجير مصحوبة بمؤثرات صوتية وبصرية .الفنان مهند الدروبي بين لنا ان مجموع اعمال الفنانين العراقيين مجتمعة تحاول ان تقدم المشهد العراقي والعنف الذي ادى بحياة الكثير من الناس الابرياء وتثير الاسئلة من خلال تسليط الضوء على المشكلة .
الفنان حذيفة عبد الله صالح (مواليد بغداد 1976) ، الذي وصل فنلندا عام 2015 ، والذي لم يحصل بعد على حق الاقامة في فنلندا، شارك في العديد من المعارض الفنية حيث لاقت اعماله اهتماما ملحوظا من قبل الوسط الفني الفنلندي ووسائل الاعلام ، وله مشاركات في معارض قادمة ، وفي هذا المعرض شارك بعمل قياس 1.6 × 10 متر، استخدم فيه مواد مختلفة على قماش الكانفاس ونفذ ايضا بتقنيات متعدده . ويظهر الواقع اليومي في العراق بطريقة “السكرين شوت” ( تصوير المادة الاخبارية التلفزيونية) وحرص الفنان على ابراز كلمة لايف LIVE باللغة الانكليزية كأشارة لاستمرار مشهد العنف، وهناك خط احمر عريض في الاسفل يذكر المشاهد بـ ” السبتايتل” الذي يظهر على الشاشات وفيه الاحصائيات لضحايا التفجيرات ، وبين لنا الفنان ان عمله يقع ضمن مجموعة تحمل نفس الاسم وهو ( تخيل نفسك مكانهم او ضع نفسك مكانهم) وكان قد شارك به في معرض شخصي في شهر ابريل الماضي.
المصور الفوتغرافي الفنان جمال الغزي (مواليد بغداد 1991) شارك بمجموعة من الصور الفوتغرافية الملونة المعمولة باسلوب تصوير الميكرو ( التصوير عن قرب للاشياء بمسافة قريبة جدا، وعادة يكون للاجسام الصغيرة جدا وتظهر عادة أكبر من الحجم الحقيقي ) فعلى حد تعبيره ان اعماله جاءت كحالة هروب من عنف الحرب الى تفاصيل الحياة الجميلة ، الى قطرة ندى او جناح فراشة، لتغمر المشاهد بجمال الوان الطبيعة البراقة بعيدا عن دمار الحروب .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here