المحتال

المحتال
نوري جاسم المياحي
المحتال هو الانسان الذي يصل الى اهدافه بالنصب والحيلة … والحيلة هي اتباع اسلوب غير سوي وغير شرعي للوصول الى الغاية وهي الاستيلاء على اموال الاخرين ..
وتعتبر الحيلة من الصفات الذميمة عند الانسان ..ولا سيما في حالة استخدام الحيلة لجمع المال الحرام ..ومن الامثلة الشعبية التي تنصح بعدم استخدام الحيلة لجمع الثروة علمونا اهلنا ( اللي يعيش بالحيلة يموت بالفقر ) …
ويمكن تشبيه عملية النصب والاحتيال بالميكافيلية والتي تنص على ان الغاية تبرر الوسيلة للوصول لتحقيق الغاية …فالنصب والاحتيال يتم عبر اقناع شخص ما باستثمار مبلغ صغير من المال مقابل ارباح خيالية له فيما بعد …وما شابه ذلك ..
وهذه الظاهرة برزت في زمن صدام كسامكو وسعدكو وغيرها من عصابات احتيال ..فقد خدع الاف المواطنين فباعوا مخشلاتهم الذهبية وحتى دور سكناهم وكل مدخراتهم ..وبالمحصلة فقدو كل اموالهم مقابل وعود كاذبة وضياع تحويشة العمر كما يصفها المصريين بسبب الطمع والجشع والاغراءات الكاذبة .. وبما ان النظام الحاكم آنذاك كان صارما وقاسيا فعندما اكتشفت هذه العملية قامت الجهات الامنية بضربهم بيد من حديد وقطعت دابرهم ..وجعلتهم عبرة لمن اعتبر..
اما بعد سقوط النظام وانهيار الاقتصاد في العراق وانتشار الفوضى وغياب القانون والقصاص وانتشار البطالة والفساد .. عادت ظاهرة النصب والاحتيال من جديد والكثير من القصص التي تروى عن الضحايا ولكن لا وجود لرقابة او قانون يردع هؤلاء النصابين والمحتالين ولاسيما في اوساط الوسطاء بين موظفي الحكومة والمواطن المغلوب على امره ..
واليوم سأقص عليكم قصة باختصار شديد وبأسماء مستعارة ولكن لمحتالين حقيقين نصبوا على احدهم وسرقوا معمله ولكن الله كان لهم بالمرصاد فسلط عليهم من لا يرحمهم ومنعهم من التمتع بالمعمل وضيع عليهم كل ما جمعوه من الاخرين عن طريق النصب والحيلة وشردهم من دورهم ومساكنهم في مدن اللجوء وتحولوا بين ليلة وضحاها من اصحاب اموال وجاه الى شحاذين وليستجدوا من معارفهم لقمة العيش ….وصدق من قال (ان الله يمهل ولا يهمل )…
بعد السقوط مباشر خدع الكثير من العراقيين باكاذيب امريكا ووعودها الجميلة بمستقبل ديمقراطي حضاري زاهر ..فصوروا العراق سيصبح كألمانيا واليابان ..اي يتحول الى جنة عدن بناء واعمار وكما يقال باللهجة العراقية ( كمرة وربيع ) …
هذا الانطباع والامل الجميل عن مستقبل العراق واعماره دفع بأحد المهندسين وبحكم اختصاصه لاستيراد معدات تسخدم في البناء والاعمار فاستورد معمل حديث جدا لعمل البلوك من المانيا ..
ولكن وكما يتذكر الجميع تدهورت الحالة الامنية في بغداد وعجز المهندس عن تشغيل واستثمار المعمل وبسبب ظروف قاسية مر بها وبسبب الفتنة الطائفية الملعونة .. وكان عنده صديق عمره وهو ايضا مهندس ويعرف بقصة المعمل فسولت له نفسه الاستيلاء على المعمل (وبلا ثمن) ورسم لزميله صورة سرمدية لمستقبل المعمل وارباحه بشرط ان ينقل لمدينة امنة خارج بغداد ..على ان يمتلك نصف المعمل ..وبما ان صاحبنا المهندس عاجز عن تشغيله فقد وافق ..على التنازل والنقل ..
وفعلا تم النقل والنصب بعد ان تبنى الاشراف على النقل والنصب والتشغيل شخص من اهل تلك المدينة اسمه ابو زيدون واخوانه وثبت فيما بعد لصاحبنا المهندس وبعد السؤال ممن يعرفهم ان هذه العائلة خبيرة بالنصب والاحتيال ..ووقع بفخ نصبه له زميله ..وشعر بحزن شديد لوقوعه بفخ نصب له اقرب الاقربين من اصدقاءه ..ونسي الحكمة التي تقول ( من حفر حفرة لآخية وقع فيها )
وتدور الايام وتسقط المدينة بيد داعش ..ويهرب ابو زيدون واخوانه بجلودهم الى اقليم كردستان ..ويتركون الجمل بما حمل وراءهم بعد ان امنوه بيد من يعتقدون انه وفي لهم وسيحافظ على الممتلكات ..ولكن لم تسر السفن كما تهوى رياحهم ..فقد صرفوا اموالهم التي جمعوها بالسحت الحرام وبدأوا يستجدون ممن يعرفوهم من الاصدقاء والمعارف الاغنياء .. واما المعامل والعجلات فيقال لا احد يعرف مصيرها لان الله سلط عليها الحواسم وبعد ان تمكنت القوات المسلحة من تحرير المدينة وطرد داعش منها .. فعادوا ووجدوا ( ايدهم والكع ) بلهجة البغادة ..
وهكذا نستخلص من هذه القصة ان المال الحرام الذي يجمع بالنصب والاحتيال يذهب كما اتي بلا تعب ويذهب ايضا بلا تعب ..ومثل ما يقول المثل العراقي …اللي ياكله العنز يطلعه الدباغ ..ومال اللبن للبن ..ومال الحرام ما يكبر بخت .. وتبقى الحكمة الالهية ( ان الله يمهل ولا يهمل )

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here