ماهي نظرية التطور، ومن هو تشارلتس داروين ؟ (*)

ما هي نظرية التطور!، من هو تشارلتس داروين ؟ (*)
بقلم د. رضا العطار

ان الكتابات التي انشرها ما هي الاّ قطرات من ماء عذب اضيفها الى نهر المعرفة الجارية وئيدأ في ثنايا وعينا الأجتماعي، ذلك النهر الذي ينهل منه ابنائنا ما يغذي روحهم وعافيتهم الفكرية ويرفع من حاجاتهم الثقافية. ونظرية التطور هي بعض هذه القطرات. علما أني لا ادعو الى قبولها، بل احث القارئ النبيه على قرائتها بهدوء و تأني بغية استيعاب فحواها، و محاولة فهم جوهر فلسفتها، وله بعد ذلك ان يقرر موقفه منها، فان اعجبته اخذ بها، اما اذا وجد فيها ما يتعارض مع معتقداته الأيمانية بشأن نشوء ظهور الحياة على الأرض والتطور البيولوجي الذي حصل للكائنات الحية عبر مئات الملايين من السنين المتعاقبة والذي تُوج أخيرا بظهور الأنسان، فله ان يلعنها.

لقد اصبحت نظرية داروين، من مسلمات العصر الحديث، خاصة في الاوساط العلمية العالمية لدرجة تكاد تعتبر لدى المتخصصين من – العلوم العتيقة – حيث مضى على اعلانها اكثر من 150 سنة، ومن الحيف ان نحرم امتنا من الاطلاع عليها و فهم حقيقتها. فالى متى تبقى رؤوسنا مغروسة في رمال صحارينا لكيلا نرى ضوء الشمس ؟ . دعونا نتمتع بمنجزات العلوم التي يبتكرها ذؤو العقول النيرة، ان هؤلاء العباقرة يحرمون انفسهم من راحة الحياة، يسهرون طوال الليل، يقضون اعمارهم في البحث والتنقيب من اجل التوصل الى ابتكارات تخدم البشرية، لتزيد من سعادتها، كانت نتائجها اكتشاف الكهرباء وظهور الطائرة والتلفزيون والذرة والاتصالات الالكترونية وايجاد الأدوية العلاجية التي تشفي امراضنا.
ان نظرية التطور في ثقلها العلمي ما هي الاّ جزء من هذه الأكتشافات.

ان كتاب – نظرية النشوء و التطور – الّفه العالم البيولوجي الأنكليزي الشهير تشارلس داروين عام 1859. وان معظم دول العالم المتقدم في حينه، قد رحب بالأكتشاف العظيم واعتبرته ثورة القرن التاسع عشر، كانت فرنسا في مقدمة هذه البلدان، التي اغنت ثقافتها الوطنية بمضمون هذه النظرية، حيث اقرت وزارة التربية والتعليم فيها، ضمن المناهج الدراسية – لمدارسها الابتدائية – كتاب – براون سيكار- ، وهو في علومه يوازي القيمة البذرية الثقافية التي وردت في نظرية داروين ، والمعروف عن الشعب الفرنسي تدينه، لكنه يدرك ان الدين الحقيقي لا يمنع معتنقيه من كسب العلوم الحديثة. اقول لأخوتي العراقيين: كفى انتظارا ! دعونا نتعلم كي نوسع دائرة ثقافتنا العالمية، دعونا نفصل معارفنا الدينية عن العلوم المادية، صحيح ان الأولى تهذب الروح لكن الثانية تغذي العقل، فلكل له شأنه، كي يتسنى لنا، ولو بعد دهر طويل، اللحاق بركب الثقافة النيًرة للعالم المتقدم.

كانت هذه النظرية الى وقت قريب تدعى ( بالداروينية ) وكأنها مذهب ديني ينتسب الى امام معين. ومن حق القارئ ان يعرف شيئا عن حياة هذا المفكر الفذ.
ينتسب تشارلس داروين الى اسرة اشتهرت بالذكاء. فإن جده لأبيه هو ( ارازموس ) الذي عالج نظرية التطور بالذات وحاول ان يصل الى حل لعقدتها، اي اصل الانواع.
له مؤلفات في النبات مثل – معبد الطبيعة – و – الحديقة اليونانية – . وكلاهما يتسم بالنظرة الشمولية والنزعة التعميمية اللتان برزتا في مؤلفات حفيده تشارلس.
اما جده لأمه فهو – ويدجود – الخزاف الكبير الذي لا تزال بعض مصنوعاته من الأطباق والزهريات تباع تحفا بأسعار خيالية يقتنيها الأثرياء للتفاخر، يعرضونها في خزائنهم لضيوفهم. ومن هذين الجدين يعرف القارئ ان التراث العقلي الواسع الذي ورثه تشارلس من عائلتي ابيه وامه لم يكن مما يستهان به.

ولد داروين عام 1809 وحصل على التعليم المألوف في مدارس الطبقة الوسطى. ثم التحق بجامعة ادنبرة كي يصبح طبيبا، لكنه بعد سنتين كف عن التحصيل، نفورا من الطب. وانتقل الى جامعة كمبردج كي يصبح قسيسا، اي ان بذرة الأيمان كانت فيه فطرية ثم بعد فترة كف عن الأستمرار فيها ايضا. وكان طيلة المدة في هاتين الجامعتين متعلقا بهوايته المفضلة التي صارت بعد ذلك رسالة حياته وغاية وجوده الا وهي دراسة الأحياء. لكن الى جانب اهتماماته هذه، درس داروين الأدب الانكليزي حتى حصل على ماجستير فيه. ومن هنا نفهم ان داروين لم ينتفع من الثقافة الجامعية كثيرا. وتخبطه بين الطب والكهانة يدل على تبلبل ذهنه. كما نفهم انه لم يكن لهاتين الجامعتين اي فضل في اهتدائه الى نظرية التطور. وكل ما يذكره داروين انه تعرف على الاستاذ – هنسلو – في الجامعة وانه كان يسدده ويرشده في جمع النباتات والحشرات النادرة. وكان يخرج في رحلات خاصة يبحث فيها عن النباتات الغريبة في البحر واليابسة.

وحدث عام 1831 ان اعدت وزارة المستعمرات البريطانية السفينة الاستكشافية
(Beagle)، لأرتياد المياه المحيطة بأمريكا الجنوبية كي تُسبر اعماقها وتدرس تياراتها مع الوقوف على احوال الجزر في المحيط الهادي. وكان هدفها يرمي الى الاستيلاء على الاقطار البعيدة وعلى الاسواق، لهذا اهتمت بالعناية في درس البحار وتكبير اسطوليها التجاري والحربي. فكانت السفينة بحاجة الى شخص على دراية بما كان يسمى – التاريخ الطبيعي – اي المعارف الخاصة بالحيوان والنبات والتغيرات الارضية. هكذا وقع الاختيار على داروين بعد ان حصل على توصية من استاذه هنسلو.

وقد كتب داروين بعد ذلك تفاصيل هذه الرحلة التي رأى فيها الفويجين المتوحشين في امريكا الجنوبية وفي بعض جزرها الغربية، واقتصر ابحاثه العلمية في مجال تطور الاحياء على جزيرة تبعد عن سواحل اكوادور في امريكا الجنوبية بألاف الاميال، تدعى Galagapos island . لم يصل اليها الانسان بعد، فكل الكائنات الموجودة فيها من حيوان ونبات، بقت على بدائياتها الاولى منذ ازمنة موغلة في القدم.

يقول كاتب السطور : لقد تهيأت الظروف المتاحة لأبنتي الأرشد الدكتورة مها العطار لتقصد هذه الجزيرة قبل اعوام، في سفر شاق وطويل محفوف بالمخاطر، الى هذه البقعة النائية الخالية من اى أثر للأنسان، والتي جاء اليها داروين عام 1831 ليقضى فيها شهورا عدة، يبحث فيها عن كثب تطور الاحياء من حيوان ونبات والذي انتهى اخيرا في وضع بذرة استكشافاته العلمية في نظرية التطور، وبهذه الطريقة توصل داروين الى حقيقة الواقع التي تقول بحتمية التغير.
لقد شاهدت د. مها ضروبا مختلفة من غريب الحيوان والنبات هناك، ودهشت ان ترى هذه الاحياء في هذه المنطقة المقطوعة عن العالم يسودها السلام والسكون و الهدوء المطلق، لا تخاف من مجيء هذا الزائر الطارئ عليها، حتى انها لاحظت ان بعض الطير كان يقترب منها و يستقر على كتفيها او ذراعيها، إنها لم تر انسانا من قبل يؤذيها.
قضت نهارها في هذه الجزيرة تتمتع بروعة الطبيعة وسحرها الأخاذ الى جانب غرائب مخلوقاتها وسر وجودها. لقد علمت من خلال رحلتها التفقدية لهذه الجزيرة المجهولة، كيف كانت الحياة في الماضي السحيق.

في عام 1855 اخرج داروين كتابه – اصل الانواع ـ وموضوعه : اننا والقردة العليا منحدرين من ارومة واحدة، فإرتجت الدنيا به كما لو كان الكتاب قنبلة انفجرت، حتى وصل دويها الى الجامعات الاوربية التي كانت تدرس الغيبيات الخرافية، رغم ان كثير من مدرسيها كانوا دكاترة في علم الأديان، لكنهم اعتقدوا ان ما يعرفونه كان كافيا وصحيحا في تفسير نشوء الحياة. وقد قوبل الكتاب من الاكثرية الساحقة من الشعوب الاوربية بثورة من الغضب والحنق والنفور والسخرية، كما قوبل من الاقلية الواعية بالرضا والقبول.

ولم تمضي سنوات حتى كان قد اعيد طبعه وترجم الى لغات العالم المتمدن. وكان هذا الكتاب بذرة لتفكير توجيهي جديد ليس في النبات والحيوان فحسب انما في الاجتماع والاقتصاد والدين والسياسة كذلك. وكان داروين في هذا المكان متحفظا ولكنه تجرّأ بعد المجادلات التي وصلت احيانا الى السباب، وفي عام 1872 الف كتاب – التعبير العاطفي للحيوان. و في عام 1875 الف كتاب النباتات التي تأكل الحشرات.

وفي السنوات العشرة الاخيرة من عمره كانت داره كعبة العلماء يفدون اليه من القارات الخمسة، كان بين الحين والأخر يصرح لهم قائلا: ( ان كتبي وما تتضمنه من معلومات صاعقة جعلتني استحي من رؤية الناس، واني اشعر ازائهم بالخجل ).
يقولها هذا الرجل الذي اكسبنا تصورا موضوعيا في كيفية نشوء الحياة ونقل التفكير البشري من النظر الغيبي الخرافي الى النظر المادي المعرفي الواقعي.
الى الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب نظرية التطور واصل الانسان للكاتب العربي سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here