استقبال الصدر في السعودية… رسائل مهمة

مينا العريبي
انتشرت صورة استقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، للقيادي العراقي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في جدة، بسرعة البرق ليلة أول من أمس الأحد. وعلى الرغم من أن فحوى اللقاء لم يتم الإعلان عنه، ولم تخرج تصريحات حول ما تم تداوله والاتفاق عليه بين الأمير محمد بن سلمان ومقتدى الصدر، فإن صورة اللقاء هي الخبر الأهم؛ لقاء يجسد مدى جدية السعودية في فتح كل القنوات مع العراق بعد سنوات من شبه القطيعة، ويمثل أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الصدر، زعيم «التيار الصدري»، في مرحلة حساسة للعراق والمنطقة.
بعد معارك شرسة ضد «داعش» والإرهاب في صلب العراق، هناك معارك حول مستقبل البلد الذي تسعى إيران إلى السيطرة الكلية عليه. ومن المقلق أن هذه السيطرة تأتي عن طريق عراقيين قرروا أن ولاية الفقيه أهم عندهم من أراضي أجدادهم، وتاريخ عشائرهم، وثروات دجلة والفرات.
حملت زيارة الصدر رسائل ذات أهمية عالية، للداخل العراقي والسعودية، بالإضافة إلى الدول الإقليمية؛ أولاً للعراقيين بأن المملكة جدية في توجهها لفتح صفحة جديدة وبناء علاقات مع الساسة من مختلف الخلفيات، ولكن للذين يثبتون حسن نيتهم في بناء عراق المستقبل والذين يعون أهمية إقامة علاقات مصالح مشتركة مع السعودية ومحيط العراق العربي. وقد شهد هذا العام حراكاً دبلوماسياً لم نشهده منذ سنوات بين الرياض وبغداد، انطلق بزيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد بداية العام، ومن ثم لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على هامش القمة العربية في الأردن، ومن ثم استقبال خادم الحرمين الشريفين للعبادي في السعودية.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .بالإضافة إلى التاريخ وعوامل القربى بين كبرى العشائر العراقية والسعودية هناك مصالح أساسية يجب أن تجمع بغداد والرياض، من مواجهة الإرهاب إلى تنسيق السياسات النفطية في «أوبك». وعندما زار وزير الطاقة والثروة المعدنية السعودي خالد الفالح بغداد في مايو (أيار) الماضي، تبلورت صورة التعاون النفطي الممكن بين البلدين، بينما جاءت زيارة وزير الداخلية قاسم الأعرجي إلى السعودية الشهر الماضي ضمن تنسيق الجهود الأمنية وحماية الحدود المشتركة بين البلدين.
كما تأتي زيارة الصدر إلى السعودية في وقت تشهد فيه الساحة السياسية العراقية متغيرات مهمة، وخاصة داخل الأحزاب الإسلامية الشيعية. أيضاً يعتبر خروج عمار الحكيم من المجلس الإسلامي الأعلى في العراق وتأسيس حزب خاص به تحت مسمى تيار «الحكمة»، تطوراً لافتاً ويدل على ظهور فرصة لبناء التحالفات بعيداً عن التوجه الطائفي البحت.
هناك من يتوقع ظهور تيار شيعي إسلامي جديد لخوض انتخابات العام المقبل، منفتح على العالم العربي وساعٍ لتحييد الدور الإيراني. وبينما الصدر ليس معصوماً من الأخطاء، وهناك تاريخ منوع من المشاكل المرتبطة بتياره وجرائم وانتهاكات «جيش المهدي»، إلا أنه سليل عائلة الصدر المؤثرة، وهي العائلة الشيعية المعروفة التي تركت بصماتها على التاريخ السياسي العراقي الحديث. كما يعتبر العراق اليوم بحاجة إلى قيادات تتحدث ضد الطائفية (ودور إيران في إثارتها)، والفساد وسرقة المال العام، وتشدد على أهمية الإصلاح، واليوم يبدو الصدر الصوت الأبرز لهذا النهج.
الرسائل الموجهة للدول العربية الأخرى مهمة أيضاً، وهي أنه من غير المعقول أن يبقى العراق منعزلاً عن محيطه الطبيعي وهو العالم العربي. وإذا كانت السعودية بثقلها السياسي وأبعادها الأخرى، منفتحة على العراق، فعلى الآخرين اتخاذ خطوات مماثلة. وقد بدأ التأثير عملياً على دول عربية أخرى، من بينها مصر التي أوفدت وزير خارجيتها سامح شكري إلى بغداد الشهر الماضي.
المرحلة السياسية المقبلة ما بعد هزيمة «داعش» ستحدد مصير العراق والمنطقة، فإذا استطاع العراق أن يضع حداً للمجموعات الإرهابية والتوغل الإيراني السافر في البلاد، وممارسة نهج سياسي ناضج يتخطى طرح انفصال إقليم كردستان، هناك فرصة لخروج بلد عربي قوي بوجه الإرهاب والتسلط الإيراني. ولكن كلمة «إذا» كبيرة وثقيلة هنا.
تأتي زيارة الصدر للعراق قبل ثلاثة أيام من حلول ذكرى أليمة وهي الذكرى الـ26 لغزو صدام حسين للكويت. وقد ولد جيل كامل من أبناء العراق والكويت والخليج عموماً ليس لديهم ذكريات حية لذلك الحدث الذي أحدث شرخاً في العالم العربي ما زلنا نعاني من تبعاته. ولكن طي تلك الصفحة وطي صفحة الابتعاد العراقي عن العالم العربي بات أمراً ملحاً على جميع الأصعدة.
وبالطبع، الرسالة الأبلغ من زيارة الصدر للسعودية هي لإيران، التي اطمأنت بأنها باتت تتمتع بوصاية على العراق، وقادرة على تحديد مستقبله. واستقبال رجل الدين الشيعي العراقي الذي عبر خلال السنوات الأخيرة عن رفضه لمثل هذا الوضع يعطي إشارة إلى طهران بأن من لا يتحالف معها لن يجد نفسه معزولاً. ومن اللافت أن زيارة الصدر إلى السعودية تأتي بعد أسابيع من مطالبته بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وهو الحليف الأهم لإيران اليوم.
تغريدة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، التي قال فيها: «التشدد السني والتشدد الشيعي لا يبني أوطاناً أو مجتمعات. لغة الاعتدال والتسامح والحوار هي ما يجب أن تسود لتحقيق مصالحنا العليا»، تعبر عن الموقف الرسمي السعودي، وتلخص أهمية التمييز بين العوامل السياسية التي تجعل العرب على خلاف مع إيران، والأمور الدينية التي تعود إلى معتقدات يجب ألا تفرق بين العرب والمسلمين من الدول الأخرى.
الشرق الاوسط

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here